Culture Magazine Thursday  07/03/2013 G Issue 399
فضاءات
الخميس 25 ,ربيع الثاني 1434   العدد  399
 
المفتاح الكوني
عقل نتدبر به وليس عادات نعيش بها
بدر التيهاني

 

الحديث ذو شجون قبل أن أبدأ مقالي لأنني سأتحدث عن شيء يزن أربعة عشر وقية في الإنسان ولم يستهلك منه العباقرة سوى الربع وقية فماذا استهلكنا لم نستهلك إلا مشاعرنا وجلدها بالسياط لذا سأبدأ وأقول:

عندما تفهم القدرة الإبداعية للذهن بشكل كامل ستتمكن من رؤية نتائجه الرائعة ولكن لا يمكن الوصول إلى هذه النتائج بدون التطبيق السليم والاجتهاد والتركيز سيجد القارئ أن القوانين التي تحكم العالم الذهني والروحي هي قوانين ثابتة وغير قابلة للكسر تماما مثل قوانين العالم المادي لنصل إلى الغاية المرجوة، وهذا ما لا نجده في موروثنا الثقافي والاجتماعي والمعيشي، كيف لا ونحن إلى الآن لم نفصل بين عادة وقانون وفكر ومشاعر وعقيدة ونظريات.

الجدير اتباعه في مجتمعنا الأصغر ووطننا الأكبر هو أن نتبع مفاتيحنا الكونية الداخلية التي بها نستطيع أن نفهم ونعقل ونعيش ونتطور، ولعل اللغة فيها شيء من التعقيد ولكن هل من الطبيعي أن نعيش على عادات لا تمت لعقيدة أو نظرية ولكنها تتأصل في ممارسات اجتماعية بحتة ليست مبنية على أساس متين لنرى نتائجها، ولقد سبق أن ذكرت في مقالات عدة بأننا نعتنق أفكارا جعلتنا في مآزق كبيرة فلا استطعنا أن نترك قيود هذه المآزق لكي نبدع ولم نستطع أن نعيش عليها بدون حالات نفسية معقدة.

ولنكون أكثر وضوحا ماسبب الكراهية لبعضنا سطحيا وداخليا وشق المجتمع إلى أطياف فكرية وهي أصلا ليست بفكرية؟ أليس للمارسات غير المبررة دور رئيس في زرعها داخل أروقة النفوس البسيطة، فشخص يمقت آخر بالعلمنة وهو في أساسه وحياته لم يترك لعقله أن يفكر لكي يحكم، ولكن تحركنا الأهواء كالعميان نتحسس جدران المباني لنعيش بسلام وهذا هو ذروة سنام الذل والهوان.

إن الذهن قادر على خلق ظروف سلبية مثل قدرته على خلق ظروف إيجابية وبذلك من احترف التهريب يستطيع أن يخدم وطنه في التغلل وسط جهاز الموساد ومن اتكأ على المنابر لقذف عقول البشر يستطيع أن يسطر نظريات كنظريات نيوتن ويخدم وطنه وهذا هو دليل على أننا احترفنا وبجدارة على خلق ظروف سلبية أكثر من أن نكون إيجابيين، هل من المنطق والطبيعي أن يظهر المجتمع أعوجا أعرجا بلا فكر تسوقه عادات ليس إلا؟

هذا لأننا لم نستطع أن نترك للذهن فرصة لكي يفسر الاستخدام الصحيح لكل من المستقبلات الفعالة والجيدة للطبيعة العقلية.

لابد أن نفهم أن العقل خلاق وأن الشخصية والظروف والبيئة وكل التجارب في الحياة هي نتيجة عادات ذهنية مسيطرة لذا فالواجب تشغيل العقل لتصبح عاداتنا نظريات جريئة وصحيحة ولن تصح إلا بصفاء الذهن وخروجه من بوتقة الهوان والضعف إلى العمل حتى يعتمد على أفكارنا الصحيحة فإن سر كل قوة وكل تملك وكل إبداع هو العقل.

ولو حصرنا الظروف المواتية لنا لوجدناها تقف معنا جنبا إلى جنب ولكن الخلل هو في ما تحت تلك الأشمغة فإن فكر نجح وأبدع.

ويقول قائل إنك رميت جل اهتمام حديثك عن العقل ولكن أقول له إن هنالك عالم آخر بداخلنا عالم من الفكر والمشاعر والقدرات ومن النور والحياة والجمال جميعها غير مرئية ولكنها عالم جبار وبالتالي لا ينفصل الفكر عن هذا العالم بل هو ما يزينه ويجعله براقا ولكن من حاول أن يعيش بلا عقل وجعل حياته تبعية تسير على خطى الممارسات الخاطئة فهو كمن يريد أن ينير الكون بكشاف صغير، لا بد وحتما أن نعي أننا في أمواج متلاطمة من الخلل والضياع حتى وإن كنا نعيش وإن كنا مستقري الحال إلا أن هذا ليس مدلولا على نجاحنا فغيرنا من هم أكثر استقرارا وأفضل حالا ورضا ولكن بدون عقول وأقصد بذلك كل كائن ليس له عقل فهو يأكل ويشرب ويسبح الله ولكن دورنا أضعناه.

أحيانا كثيرة أجد الشخوص التي تنفر من أن تفكر وتنقد وتقذف تمارس طريقة اللاوعي بإبداع دونما جدل وهذا دليل على أنه نجح في تدوير عقله وتشغيله، فمثلا من يكتب على لوحة المفاتيح دون أن ينظر ويمكن أن يتحدث أيضا من يستطيع قراءة نصوص حتى وإن كانت خاطئة وبسرعة هائلة دون توقف كذلك من يعزف البيانو ويجمل مسامعنا بأجمل مقطوعة وهو ينظر لجمهوره كل هؤلاء إثبات على عظمة اللاواعي بدواخلهم فتخيلوا أن هذا اللاواعي في أمور أكثر جرأة لاستطعنا أن نحل النقاش بين من يفكر ومن لا يفكر.

إن السبب الرئيسي للصعوبات التي تواجهنا هو أفكارنا المتناقضة أو بالأحرى ليست أفكار وإنما تسطيحات متناقضة وجهلنا برغباتنا الحقيقية لذا فإن المهمة الأكبر علينا كمجتمع ووطن أن نكتشف قوانين الطبيعة التي يجب أن نضبط أنفسنا عليها حيث إن البصيرة والتفكير الواضح لهما قيمة لا تقدر بثمن فكل العمليات بما فيها التفكيرية تبنى على أسس صلبة ومتينة.

سؤال أخير كيف يمكن للفرد أن يؤثر في المفتاح الكوني؟

وإجابته أعتقد أن الفرد ومقدرته على التفكير ومقدار ما فكر يكون مقدار تأثيره على المفتاح الكوني.

دمتم مفكرين ....

@btihani جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة