Culture Magazine Thursday  07/03/2013 G Issue 399
شعر
الخميس 25 ,ربيع الثاني 1434   العدد  399
 
قهوة الناسك
شعر / علي الدميني

 

قد كنت أعرفني

وأدركُ أنني بابٌ بلا أبوابْ

قد كنت أعرفها

وأهجس أنها ماءٌ بلا أكواب.

قد كنت مكتفياً بحمائي

فما ألقيتُ بُردتي النديةَ، في شتاء القريةِ المطريِّ،

فوق جنونِ كفّيها

ولم يرني الصباحُ مضرجاً

ببياض خديها

وما سرَقَت عيوني من نداء عيونها

عشباً

يؤجُّ النار في أحطاب ليلتنا

وما سِلنا إلى الوديان

كالمطرِ الذي طرِبَتْ له الساحاتُ

والطرقاتُ

منحدِراً إلى ظمأ الحقولِ

وشاحباتِ اللوزِ

والشّيحِ اليماني.

لم أعطها ورقاً لتكتبني

ولا قدحاً لتشربَني

ولا مفتاح أدراجي لتسحرني

ولا نظارتي

حتى تراني.

لم أعطها

اسماً يلائمني

ولا صفةً تشابهني

لأني ناسكٌ في وحدتي

أسهو عن الدنيا

ويجهلني مكاني.

لم أهدها شجراً لتعلو فوق نافذتي

ولا شبكاً تصيدُ به العصافيرَ الصغيرة َ

قرب مشكاتي

ولا ريحاً لتعصفَ بيْ، لأنّي

أخشى على قلبي من الحسناء:

إن رقَصَت ستأسرني

و إن جمَحَت ستكسرني

وإن هجَرَتْ

سيهطل جمر «وحشتها»

على شوق السريرِ

وفي السلالمِ

والأواني.

لم أعطها باباً لتطرقَهُ

ولا جرساً تعلّق فيه صورتها

ولا دَرَجاً يقود إلى رنين الصمتِ

في أطراف صومعتي، التي

علّقتها نجماً على باب السماوات البعيدة

حيث لا جنٌّ تؤانسني

ولا أنسٌ تشاغبني

ولا امرأةٌ تحلّ إزارها

بالقرب من نومي

ولا مطرٌ

يشاركني الأغاني.

لم أعطها شمساً تداعبني قبيل الفجرِ

حتى يصطلي جسدي بقبلتها

ولا «شالاً» تُجمّع فيه ألوان الغروبِ

لترسم الذكرى على طُرُق الطفولةِ

كيفما شاءتْ، وإني

يوم افترقنا ما التفتُ إلى نوافذها

وما سرّحْتُ عيني صوب قامتها، على الباب الكبيرِ

وما مدَدْتُ أصابعي لحرائق التوديعِ،

كنتُ محمّلاً بوعود أسفاري

وبالشوق الكفيف إلى مدائنَ لم تكن تشتاقها مثلي

وقلتُ:

لسوف يُشفيها الزمان من النوى

وأنا سيُشفيني الهروبُ.

لم أعطها شيئاً

ولم أترك لها أثراً يدلُّ دَمَ القتيلِ

على بقايا الدَّمِّ في كفيّ قاتلهِ،

وما شَهِدَ الغريبُ على فراري

من جنازتها

ولا انتبه القريبُ.

وأنا بعيدٌ في أعالي نجدَ

يُسكرني الصَّبا إن زاع من أطراف ديرتها

وتُنكرني السهوبُ.

قد كنت أعرفني

وأعلم أنني عنبٌ بلا أعنابْ

وأنا طريدٌ في بوادي نجد،

أنسى أنني قد كنتُ أعرفُها،

فكيف غدوتُ فنجاناً لقهوتها

وصرتُ - لمائها - الأكواب؟

فبأي حزنٍ أبصرَتْ ظلي

يفرُّ مكللاً بهزائم الأسفار

من جبلٍ إلى رملٍ

ومن أفقٍ إلى شفقٍ

وخيمتُه الهُبوبُ؟

وبأي سرٍّ أشعلت مصباح بسمتها على بابي،

وحلّت في ضباب العمرِ، بين يباس أمتعتي

لتوقدَني نواقيسُ البريدِ

«بطيفِ صورتِها»،

وتقتلَني الذنوبُ!!

الظهران 2012-2013م

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة