Saturday 07/12/2013 Issue 420 السبت 3 ,صفر 1435 العدد
07/12/2013

كله كذب .. كله غير صحيح!

المجتمعات بعامة، صغرى كانت أو كبرى، بكل ما يدور فيها من هموم وأحلام وقناعات باتت مكشوفة أمام بعضها وأمام غيرها من المجتمعات المقابلة لها في مواقع أخرى، فلم يعد ثمة ما يختبئ عن الأنظار العادية إلا تلك الأشياء غير العادية، التي تأتي عنوةً من خارج المجتمعات وتوجَّه إليها من أجل توجيهها إلى حيثُ يراد لها التوجيه.. وقد بات من الصعب أن يتفق أحدٌ مع أحد بشكل خاص، في حين تكون السهولة كلها عندما يكون الاتفاق عموماً(!) فتجد تكاثر الذين هم إذا اجتمعوا شكّلوا مجتمعاً شديد الخصوصية كلما اتسع بهم ضاقت خصوصيته عليهم، وأصبح كأنه (على قلب رجل واحد) في الظاهر، بينما الحقائق المخبأة تثبت أنه لم يتفق أحدٌ منهم على شيء حدده بمفرده بقدر اتفاقهم جميعاً على أن يكونوا مجتمعاً.. لا أكثر!

كنا في أزمنة مضت حين نشاهد وسيلة إعلامية تجاهر بانحيازها السافر لجهة ضد أخرى نقول مباشرة إن الوسيلة الإعلامية تلك قد باعت (ضميرها المهنيّ!) لمن وجدت مصلحتها معه(!) والواقع الآن قد تغيّر كلياً، فوسائل الإعلام - الكبرى فقط، والمرتبطة بأجهزة أكبر- باتت هي التي تصنع الجهات وتملي عليها توجهاتها، ومن الصعب جداً أن نعرف لماذا.. فخلف السؤال (لماذا؟) أجوبة متعددة جداً، وكلها متناقضة وصحيحة في آن..!

وكمثال: في حادثة الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 كرّست وسائل الإعلام الكبرى - مستندة على تصريحات قادة العالم - أن أسامة بن لادن المختبئ في كهوف جبال أفغانستان هو الفاعل، في حين ادّعت وسائل إعلام صغرى - استناداً على تقارير غير رسمية - أن ما يزيد على ألف صهيونيّ من العاملين في البرجين وما حولهما قد تغيبوا عن الحضور إلى مقار أعمالهم يوم الحادثة، مما يعني أنهم على علم بها وبالتالي فهم الفاعلون(!) غير أن المجتمعات قد أخذت ما تناقلته وسائل الإعلام الكبرى على أنه هو الحقيقة المسلّمة، وتم تهميش كل ما عداه من كلام واعتباره منتهى السذاجة والغباء!

وكمثال آخر: منذ ما قبل ذلك حتى بعده بقليل ووسائل الإعلام الكبرى تردد بأن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل في العراق، بينما وسائل إعلامية صغرى - بعضها مدونات فردية أو مقالات خارجة عن الخطوط الإعلامية العريضة - كانت تتساءل لو كان الرئيس العراقي يمتلك الأسلحة المزعومة فلماذا لا يستخدمها في مواجهة الحرب الأمريكية الدولية عليه؟ ولم يجبهم أحد حتى تم تدمير العراق وإعدام رئيسه (الشهيد) ومن ثم قالت وسائل الإعلام الكبرى بعد انتهاء عمليات التفتيش التي باءت بالفشل: ثمة خطأ وقع!

أمّا الآن، ومع جريان الأحداث الكبرى في اتجاهات متعددة مخلّفة تغييرات لم تكن تخطر ببال بشر، فلا تزال وسائل الإعلام الكبرى هي المتحكمة في الطرفين، الطرف الفاعل بوصفه مجرد فاعل مأجور لحساب وسائل الإعلام الكبرى التي لا يستطيع أحدٌ الخوض في كينونتها الحقيقية، والطرف المتلقي الذي يوجَّه وينخرط شيئاً فشيئاً حتى الانضمام والتلاحم مع الفاعل المأجور غير أنه سيفعل ما يتم توجيهه به مجاناً! ولا تزال الأمور تجري في تسارع مخيف واتجاهات متناقضة على رغم أنها تبدو ثابتة على محاورها المعرقلة، ولكنّ شيئاً ما سيظل خفيّاً.. فثمة أصوات فردية من الممكن اعتبارها وسائل إعلامية صغرى قد ظهرت منذ فترة وقالت أشياء تصيبنا بالرهبة إن فكرنا مجرد تفكير أن نصدقها، فلا يمكن أبداً أن نصدّق رجلاً يقول في عام 2006 إن الرئيس المصري محمد حسني مبارك سيتنحى عن الحكم مرغماً وسيُحاكم ويُسجن مع ابنيه علاء وجمال خلال سنوات قليلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة(!) هل كان من الممكن لنا أن نصدّقه وكلامه مبنيٌّ على مجرّد رؤيا رآها في المنام؟!

صحيح أن ما قاله الرجل (الحالم!) واستطاع أن ينشره في عدد ضئيل من وسائل الإعلام الصغرى - المعارضة في مصر - قد تحقق بالفعل، ولكننا بالطبع لم ولن نصدقه هو وأمثاله ممن يقولون كلاماً لا يقرره صانعو الأحداث ولا تعترف به وسائل الإعلام الكبرى - التي توجِّه وتشكّل الآراء والقناعات العامة للمجتمعات - ولا أقول الدين والعقل، لأن الدين لا ينكر علينا تصديق الرؤى، ولا العقل ينكر ذلك!

وماذا يمكن لنا أن نقول، بعد ذلك، حين جلس محمد مرسي على كرسيّ الرئاسة في مصر، والرجل (الحالم!) نفسه يقول واثقاً: لن يستمر في الرئاسة أكثر من عام واحد!

وماذا نقول الآن، والرجل (الحالم) نفسه يقول ويردد القول إن (التابوت) المذكور في القرآن الكريم مرتين (سورة طه آية 39 وسورة البقرة آية 248) والمسمى عند الباحثين والمفسرين (تابوت العهد) مدفون تحت بيته ومكتوبٌ فيه اسم الرئيس الذي سيحكم مصر؟!

كذَّبنا وسنكذِّب الرجل طبعاً، من دون أدنى نقاش، بخاصة أنه يلمّح إلى أن اسمه هو المكتوب في التابوت(!) وحتى لو تحقق كلامه كله، فمن المؤكد أنه هو بنفسه - إذا أصبح رئيساً - لن يكرر على مسامع الناس تلك الرؤى بل سيرتكز تماماً على معطيات وتحالفات وصلت به إلى سدّة الحكم، تدعمها وسائل إعلام كبرى، لكي يصدّقه الناسُ.. فتكذيبُ أي شيء طارئ - في ثقافتنا المجتمعية - سهلٌ جداً، بوصفه غير صحيح أبداً، أمّا التصديق فله رهبة ترتجفُ منها قلوبُ أفراد المجتمعات، ولا يمكن أن نقترب من تلك الرهبة لنلامس التصديق اعترافاً إلا بإيعاز ودعم من وسائل الإعلام الكبرى.. والكبرى فقط!

- الرياض ffnff69@hotmail.com