Culture Magazine Thursday  09/05/2013 G Issue 405
فضاءات
الخميس 29 ,جمادى الآخر 1434   العدد  405
 
انطباعات أدبية
نزار قباني.. الوجه الآخر
حمد الزيد

 

هذا الكتاب الطريف الذي صدر لجهاد فاضل وهو كاتب وأديب لبناني معروف، صدر بعد وفاة الشاعر في طبعته الأولى عام 2000م عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت ومما يزيد هذا الكتاب أهمية ومصداقية، أن مؤلفه كاتب مطلع ومتمكن ويوثق عمله، كشأن أي كاتب صحفي محترف.

قلبت صفحاته أخيراً بعد أن قرأته بعد صدوره في لبنان، لألفت النظر إليه، فهو كتاب مهم يتطرق لشاعر معاصر شغل الدنيا العربية، كما شغلها من قبله شاعر العرب الكبير (أبو الطيب المتنبي) الذي مات قبل ألف عام ولم يزل ذكره باقياً وشعره مقروءاً، والغريب أن نزار يشبه المتنبي في تكسبه بشعره، ولكن بطريقة أخرى معاكسة، فهو يذم دول الخليج الغنية ليبتزها، ويأخذ في النهاية جائزة الإماراتي (سلطان العويس) المقدرة بمائة ألف دولار أمريكي فقط! ولاحظ أنه يشتم أمريكا -كذلك- ويقبض بالدولار..!.

ونزار كما يرد في هذا الكتاب الشيق كبعض الصحفيين المرتزقة، الذين يهاجمون دولاً وأنظمة بعينها، لينالوا منها ثمن السكوت أو حتى التطبيل! بصرف النظر عن المبادئ والقيم والمصلحة القومية العليا!.

يبدأ الأستاذ/ جهاد في تعرية نزار قباني من ثيابه أولاً فيلقي الضوء على اسمه وعائلته، ونشأته وتربيته، وعُقده وبُخلِه ونرجسيته ويقول بأنه لو بقي على اسمه الحقيقي الذي هو: نزار توفيق آقبيق، لما اشتهر أبداً! ويفسر (آقبيق) بأنها كلمة تركية تعني الرجل ذو الشوارب البيضاء! وأنه من أصول تركية، فقد كان شاعرنا أزرق العينين، مشرباً بحمرة الروم! وربما لهذا السبب فهو كان يكره بحقد البدو والنفط العربي، الذي جعل الخليجيين أغنياء وهو أحق بالغنى منهم -في رأيه الناقص- لأنه حبيب أمه ابن بائع الحلوى الشامي المدلل.

ويتحدث الكتاب عن بُخلِه الذي لو عرفه الجاحظ (صاحب كتاب البخلاء) لوضع له فصلاً فيه، بل كتاباً منفصلاً له كما يقول المؤلف! وعن حرصه على المال، ودخوله في مشادات مع بعض المطربات لدفع ثمن أغانيه التي سرق (أو انتحل بلغة التراث) بعضها من الشعر الفرنسي كقصيدة إفطار الصباح ومع جريدة التي تغنيها المطربة اللبنانية ماجدة الرومي.

وقد كشفت جريدة عكاظ السعودية في 18/تموز/1996م هذه السرقة -كما يقول المؤلف- بالصدفة عن طريق باحثتين سعوديتين هما: سلوى با عارمة وأحلام علاقي، وكانتا تدرسان في أمريكا دراسات عُليا في ذلك الوقت في تخصص الأدب الإنجليزي.

يقول المؤلف:

(لم يجد الشاعر.. في دولة الإمارات التي أتاها لقبض المبلغ الذي أنعم عليه الثري الشاعر الإماراتي: سلطان العويس، لا أهلاً ولا سهلاً، وذلك استناداً إلى ما كتبه الكثيرون من أدباء الإمارات أنفسهم).

ويستطرد:

(... إن موجة من الغُبار غطت المطار يوم نزول الشاعر من الطائرة! وكأنها موجة احتجاج كل أهل الجزيرة العربية الذي لم ينظر إليهم الشاعر يوماً، بالجملة والمفرق!.. إلا من فوهة قصيدته، فأطلق عليهم ما لا يحصى من الطلقات العشوائية التي جرحت أعماق آدميتهم وإنسانيتهم.. وقد حافظ على هذا الموقف الإستراتيجي من العربي طيلة حياته فلم يحد عنه يوماً ابتداء من أول قصيدة سياسية له إلى آخر قصيدة. بل إنه خصص دواوين خاصة مثل ديوانه «قصائد مغضوب عليها» خرج منها العربي فاقداً الكرامة، فاقداً المقومات الإنسانية ذا طبيعة وفطرة منحطة، وكأنه أقرب إلى الإنسان الهمجي... وكأن العربي لم يكن صاحب تراث حضاري أضاء الدنيا أكثر من ألف سنة، فقال في هذا العربي ما لم يقله العربي في اليهودي أو اليهودي في العربي مثل قوله: أيا متشقق القدمين يا عبد انفعالاتك ويا من يأكل الجدري منك الوجه والمعصم!..

وقوله: لا تسافر بجواز عربي

لا تسافر مرة أخرى لأوروبا

فأوروبا كما تعلم ضاقت بجميع السفهاء!... إلخ

ومع ذلك فهو كما يقول المؤلف سافر لأوروبا وأقام فيها حتى مات بجواز عربي.

ولما مات في لندن رفض إمام جامع المركز الإسلامي إدخال (جثمانه) للمسجد! وصلى عليه صلاة الغائب وجثمانه مسجي خارج البوابة، ولولا وساطة الشاعر المرحوم: غازي القصيبي السفير السعودي في لندن -نذاك- لما تمت الصلاة عليه.

وقد صرح إمام الجامع بأن نزاراً لو كان مسلماً لصلى في الجامع يوم الجمعة على الأقل طوال أقامته الطويلة في لندن.

وأخيراً -كنت أتمنى على المؤلف الفاضل- لو أنه أشار إلى (شعوبية) نزار وقارنها لا بشعوبية بعض شعراء العصر العباسي كبشار بن برد وأبو نواس، وهذه النقطة أضيفها إلى ما كتبه المؤلف في 204 صفحات من كلام عن الشاعر الراحل، الذي أعجبنا ببعض شعره الغزلي وحتى السياسي ولا سيما قصيدته الحرة (هوامش على دفتر النكسة). وكل شاعر أو أديب له وعليه، وفوق كل ذي علم عليم.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة