Saturday 09/11/2013 Issue 416 السبت 6 ,محرم 1435 العدد
09/11/2013

النقد والعقل الحر «2»

سبق القول في الجزء الأول في العدد السالف أن بينت المراد من كلمة: ناقد وأشرت هناك جزماً تعدد أنواعها، والفرق بين الناقد والمحقق.. والدارس. وإضافة إلى ما سبق القول حوله أبين تماماً إلى: أن المرء حتى يعرف بالعلم النقدي الجاد المركز ويعرف أنه ناقد من طراز جيد أن يكون ذا تجربة وأن يكون ذا تجرد تام من العصبية وآحاد الرأي.. والدعوة إلى حظوظ النفس تلك التي اراها ونراها من خلال التجريح.. والذم.. والحط من القدر شيئاً فشيئاً، وأحياناً الدخول في: النوايا، ولقد يكون كثير مما يكتب في مجال العلم أو مجال الأدب أو الشأن الاجتماعي.. إلخ..

أن هناك من يلصق صفة: ناقد على هذا وذاك أو يطلق عليه: صفة كاتب مميز وهو إنما ينشئ إنشاءً فيسطر ما يراه بحرارة وعجلة وجرأة بطرح إنشائي ليس ثمة اختلاف إنما يكتبه إنما هو من باب الإثارة, ولعل أخطر ما يواجه (سياسية النقد) منذ سبعين عاماً أو تزيد هو ما يدونه بعض من يميلون للثقافة أو يحترفون الأدب أو تحرير المسائل العلمية لعل أخطر ما يواجه سياسية النقد الصحيح هو أن الكثير من المتابعين يخلطون بين شيء وشيء بين نقد وسب بين نقد وذم بين نقد وتسفيه بين نقد وإلزام للطرف الآخر بما يراه من انتقد أو كتب.

لقد حاول ابن قتيبة وابن رشيق والترمذي والآجري وعلي بن المزيني ويحيى بن معين والعز بن عبدالسلام وابن نقطة وابن تيمية وابن كثير خاصة في: (التاريخ) و(أجزاء من تفسيره) حاولوا الجهد كله منذ قرون خلت رحمهم الله تعالى أن يبينوا معنى أساسيات النقد ولوازمه وضوابطه بعيداً عن كتابات السخرية أو: الأنا، أو الإلزام بما لا يلزم أو التهكم بما لو قرأ ما كتبه بعد سنين لبصق عليه وأنه ليته لم يكتبه، وها هم نفر جلة كثيرون يتم نقدهم وتسفيه الآراء التي قالوها ها هم أولاء لم يرددوا ولم يناقشوا مع معرفة عقلاء الناس أن هذا النقد وتلك الكتابات إنما هي من باب: (نشر النشار) وتسويد الصحف، وهذا مع استمراره يولد: عمى البال وعور العقل وإنشائيات القول ويحط بالعلم والثقافة والأدب والخطاب الاجتماعي إلى درك يصبح معه الأمر أنه يكتب كل أحد بما يريد، وقد تعج الكتابة بالقش والغث فلا يلتفت أحد إلى هذا، وحينما صنف ابن قتيبة سفره: (أدب الكاتب) وابن رجب في: (شرحه للعلل) والرافعي في كتابه: (وحي القلم) ومحمود بن شاكر في: (شرحه الشعر المتبني).

حينما صنعوا هذه الأسفار وأيم الحق لم يقوموا بذلك من فراغ، بل لعل قارئ العزيز يعود وسوف يفعل بإذن الله تعالى يعود إلى ما دونه ابن خلدون في: (المقدمة) المقدمة فقط سوف يدرك تواً كم هو بحاجة ماسة إلى فهم ووعي أمور وأصول وحقائق النقد في مجالات شتى ذلك إذا تمت قراءة (المقدمة) بنفس طويل وعمق تجرد تام وفقه للواقع بضرورة تقديم العقل على العاطفة مع شدة تأمل ومقايسه بعد: القراءة ولست مع تدويني هذا لمن يقرأ هذا الكلام إلا أناشد بضرورة احترام العقل فإن الكتابة بعد ظهورها تكون في حكم التاريخ وقد لا يتبين عورها إلا بعد دهر ودهر.

وهذا ما دعا الإمام الجليل محمد بن عبدالوهاب ما دعاه إلى كتابة (القواعد الأربع) و(الأصول الثلاثة) والإمام محمد بن عبدالوهاب حينما تتدبر ما أراد من ذلك كله يتبين لك هناك أنه أراد: (سلامة النية بسلامة المعتقد، وإذا صح هذا وهو صحيح حمداً لله تعالى، يكون هناك إذاً معرفة المرء قدر نفسه وعلمه وعقله ومداركه كلها حينئذ يكون له من نفسه كل الوعظ فينصف نفسه كما ينصف سواه ولو كان بينه وبينه أشد جفوة.

هنا كما هناك يستقيم الأمر.. جزماً.. فيكون التجديد وظهور الواقعية ومعرفة هذا من ذاك.

- الرياض