Saturday 09/11/2013 Issue 416 السبت 6 ,محرم 1435 العدد
09/11/2013

عليك سلام الله حيّا وميتا

تعرفت إلى الأستاذ الدكتور عوض القوزي رحمه الله في منتصف عام 1410 هـ، وكنت آنذاك أشرف على الصفحات الأدبية بمجلة الدعوة، فنسّقت موعدًا للقائه ومحاورته حول بعض قضايا الأدب واللغة، فوعدني في مكتبه في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، وكان ذلك. فوجدت فيه أول وهلة قول أبي يعقوب الخُريمي:

أضاحكُ ضيفي قبل إنزال رحلِه

ويُخصبُ عندي والمحلّ جديبُ

وما الخصبُ للأضيافِ أن يكثُرَ القِرى

ولكنّما وجهُ الكريمِ خصيبُ

تلقاني رحمه الله ملاطفًا مؤانسًا، وكنت شابًّا يفَعًا حديث السن، فأشعرني بالاحترام والتقدير، وأهداني نسخة من تحقيقه لكتاب السيرافي (ما يحتمل الشعر من الضرورة) ومهره بتوقيعه.

وخرجت من عنده بعد أن طارحته عدة مسائل وعدني إرسال رأيه فيها، ثم طال انتظاري لما وعد، فأرسلت إليه خطابًا تمثلت فيه قول بشار بن بُرد:

أظلّتْ علينا منك يومًا غمامةٌ

ضاءت لنا برقًا وأبطا رشاشُها

فلا غيمُها يجلو فييأسَ طامعٌ

ولا غيثُها يأتي فتروى عطاشُها

فأجابني بخطاب أثنى فيه على حسن تمثلي بـالبيتين، وقال: ما أجمل أن يكون عند (الصحفي) حسٌّ أدبي!

ولم أكن في الحقيقة صحفيًّا وإن كنتُ إياه فأنا (أفشل) صحفي مرّ في التاريخ، ولكني كنت هاويًا للأدب متعاونًا في تقديم مادة أدبية. ومرت السنوات ولم يُقْدر لآراء القوزي التي استكتبتُه إياها أن تنشر لأنه لم يكتبها. ولقيته آخر مرة في مؤتمر الجامعة الإسلامية ( اللغة العربية ومواكبة العصر) الذي عقد في شهر جمادى الأولى عام 1433هـ، فذكّرته لقاءنا القديم ووعده التليد، فتبسم تبسم المتعجب، وجاذبني طرفًا من أخباره مع النسيان، وانصرافه عن الإعلام والصحافة.

كان القوزي رحمه الله محققًا متقنًا، وتحقيقه للكتاب المشار إليه، ولكتاب (التعليقة على كتاب سيبويه لأبي علي الفارسي) و(معاني القراءات للأزهري) دليل على أناته وحرصه على الإتقان ودقة المنهج، فهو من جيل يُهمّه جودة العمل ودقته، ولا يهتم بكثرة الإنتاج، وهذا يفسّر القلة النسبية لما بين أيدينا من نتاجه العلمي. وهو من جهة أخرى يفسّر ثقة مجمعي اللغة العربية بالقاهرة ودمشق في تعيينه عضوًا فيهما. والمأمول أن يحرص ورثته على إخراج نتاجه في كتب، حتى لا يخفى جهده العلمي أو يضيع. وبخاصة عمله الذي كان يدأب فيه وهو تحقيق كتاب (شرح كتاب سيبويه) لأبي سعيد السيرافي، وبحوثه المنشورة في المجلات المحكّمة، ومقالاته المتناثرة في بعض المجلات العلمية والثقافية.

تغمده الله بواسع رحمته، وتجاوز عنا وعنه بمنّه وكرمه.

- الرياض