Culture Magazine Thursday  10/01/2013 G Issue 393
فضاءات
الخميس 28 ,صفر 1434   العدد  393
 
الهولوكوست الثقافي!
سهام القحطاني

 

هل نُدرك أن التلاعب بالخارطة الجينية للمفاهيم عبر « إستراتيجية المعادِل» قد تقتل صاحبها؟

وهل نُدرك أن الانقلاب الفجّ أو المتطرف أو المتوازن على مدونة المفاهيم الموروثة عبر» إستراتيجية العادِل» قد تدّمر صاحبها؟.

إن ما أقصده ليست (لعنة الكلمة) إنما هي «لعنة المعادِل» التي وقف من خلالها «فرعون» وقال «أنا ربكم الأعلى»، والذي وقف من خلالها «النمرود» وقال )أنا أحييّ و أميت(، وجادل من خلالها الكفار( قالوا ما هي إلا حياتنا الأولى نموت ونحيا».

كانت معادِلات للطغيان فاض بها البحر فأغرق الطغاة و المتكبرين، إنها «هولوكوست لعنة المعادِل»

إن إستراتيجية (المعادِل) تُبنى غالبا على «قصدية التصور»؛ و القصدية هنا هي التي تؤسس مفهوم التصديق و صدق القيمة، و الذي في ضوئهما يُنتج أثر الفاعلية.

«فالعلم ليس هو الحقيقة بل هو مُعادِل للحقيقة»، ولا يمكن في ضوء ذلك أن نعتبر العالم هو معادل للحقيقة بدلا عن العلم.

و «الدين ليس هو العقيدة بل معادل للعقيدة» ومع ذلك لا يمكن أن نجعل رجل الدين أو عالم الدين معادلا للعقيدة بدلا عن الدين، فالممثِل لا يُعوّض المعادِل،كما أن المعادِل لا يُستعوّض عبر آلية التمثيل.

لأن قيمة الصدق البشري غير نقية ووقوع الاشتباه بفسادها عبر النقص و التحيّز والتحزّب متاح و ممكن،إضافة إلى أن تجنب المساواة بين أصل القيمة و ممثِلها يرفع وهم الشمول.

ومن هنا جاءت فكرة رفض الدين الإسلامي لمبدأ «تقديس الأنبياء والأولياء والصالحين ورجال الدين» كمعادِلين للدين باعتبار وظيفتهم التمثيلية» لأنها توّرث الشرك وقوله تعالى « وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى».

وحكاية « الزلفى و التقديس» التي أوقعت البشرية في ظلمات الشرك ما هي سوى قصة قصيرة لتحوّل البشر كمعادِل للإقتداء الديني إلى معادِل للدين في ذاته، ثم مُعادِل تقنية الزلفى عبر «تقديس الحجر».

لأن تعتّق المعادِل بالتقادم يوقع العقل البشري في فخ «تقديس ممثل المعادِل» فيحوله إلى أصنام وآلهة.

قد يعتقد البعض أن فكرة إستراتيجية «المعادِل» مجرد «خدعة فكرية» نستغلها «لتنبيض» ماهو غير قابل للإحياء، لشرعنة تأثيره أو لشرعنّة توجيده بهدف مساواة «الحد والأثر» لكل ما هو «حيّ» على مستوى الاعتراف.

وأنا لا أريد أن أُخرجها من هذا الإطار كلية، ولا أريد أن أوثقها داخله أيضا كلية.

ما أقصده هو أن «إستراتيجية المعادِل» توظف غالبا في «مجالات صناعة التأثير و الرأي العام و المجازات الوجدانية، و مبالغات الفاعلية التأثيرية، والتهجين المصطلحي» .

كما يمكن توظيفها في «توطين التأثير السلبي أو الإيجابي» سواء على مستوى الرؤية أو التوجيه أو القبول أو الرفض أو التأييد أو التحفيز أو التحريض أو التثوير أو المقاومة أو اكتساب وعي أو سلوك.

وبذلك فإن تلك الإستراتيجية كبنية هي «مجموع آليات تفعيل» وتلك البنية تخضع غالبا «لنية قصدية التصوّر» التي تختلف وفق أمرين أولهما «الضبط»، والآخر «نوع الأثر».

وقد يرى البعض أن مفهوم البنية يتعارض مع مفهوم المجموع.

والصحيح أن البنية مفهوم في حين أن «مجموع آليات التفعيلة» دلالات تتوسع معها البنية ولا تنحلّ،كما أن تعدد الدلالات يُضيف للبنية ولا يُفصل عنها.

وبذلك تصبح إستراتيجية «المعادِل» آلية إضافة «للبنية الأم»،وقيمة الإضافة تلك هي التي تحمي «المعادِل» من صفة التعويض والترادف .

وخاصية التفعيل المحركة لديناميكية المعادِل لا تقلل من فاعلية تأثيرها أو استقلال دلالتها.

ويُحقق المعادِل وظيفته الدلالية من خلال آليتين للتفعيل هي؛آلية تفعيل قصدية التصور.

تقوم قصدية التصور على أساس حماية فاعل التأثير، و تحقيق تلك الحماية يتطلب بدوره ثلاثة أمور هي؛ «نمذجة الفاعل» «ترسيم تقديره» «قوننة نزاهته» و تلك الأمور هي التي تصنع فكرة» التقديس ناتج قصدية التصور».

والفاعل داخل قصدية التأثير ليس محصورا فيما هو بشري بل قد يكون دلالة أو مفهوما أو حقبة تاريخية أو مدرسة فكرية.

ولو تأملنا إلى ما نعتقده سنجد أكثره هو ناتج «قصدية التصور» الذي تحول إلى معادِل لإيماننا.

والآلية الثانية من مجموع آلية تفعيل إستراتيجية المعادِل هي آلية تفعيل مساواة وسيط المجاز المؤول .

المجاز في الاعتقاد يختلف عن المجاز في البلاغة والاختلاف يعود هاهنا يعود إلى دلالتي» المقاربة و الفاعلية».

فالمجاز في البلاغة يقوم على مقاربة فاعلية اشتراطية غير مستقلة و وظيفتها تكثيف الدلالة الرئيسة و ينتهي تأثيرها بمجر فك ما اشترطت به، في حين أن فاعلية المعادِل مستقلة وتملك القدرة على بناء إضافة دلالية.

وقد يرى البعض أن فاعلية المعادِل أُسست في الأصل وفق المقاربة، وهذا الرأي يخلط بين المقاربة كإستراتيجية توليد للدلالات و بينها كآلية بلاغية،وبالتالي فالمقاربة المعتمد عليها المجاز آلة بلاغية تُكثف الدلالة ولا تُوّلدها.

كثير ما نتعامل مع المعادِلات على أساس أنها مرادف للمجاز، وهذا التعامل يضر بوسيط هذه المعادلات وهو ضرر أشبه «بالكفر النائم».

عندما أنكر الكفار «قضية البعث و الحساب» على أساس أن «لا حياة أخرى بعد الموت» أي «لا حياة بعد حياة» باعتبار أنه من المستحيل تكرار «شيئين متطابقين» في مرحلتين مختلفتين زمنا و مكانا.

إنكار مبني على أن الحياة الثانية هي معادِل «بالتماثل» للحياة الأولى، في حين أن الحياة الثانية هي معادِل للحياة الأولى بأصل القيمة والتقويم و إضافة مستمدة من طبيعة اختلاف زمان و مكان الحياة الثانية.

إن منظومة المعادِلات في القرآن لا تدخل في باب المجاز كما فسرها لنا البلاغيون؛ إنما هي دلالات مستقلة بذاتها أو ما نسميها بنيويا «تفجيرا لغويا».

و تجميد البلاغين لمنظومة المعادِلات في القرآن بالبلاغة؛لأن فن البلاغة محدود القوى حوّل القرآن «كتاب تاريخي».

تُعلّمنا منظومة المعادِلات في القرآن كما أن فكرة «المعادِل» سحبت الطغاة والجبابرة و الكفار إلى هولوكوست أبدي.

فإن فكرة (شجاعة تجديد المعادِل» أيضا رافقت رحلة معرفة الهدى و الحق للأنبياء من خلال إبراهيم عليه السلام وقال «فاسألوهم إن كانوا ينطقون» وقال «ربي ارني كيف تُحيي الموتى».، و وقف من خلالها موسى عليه السلام «رب ارني أنظر إليك).

إنها معادِلات انقلبت على السائد فكشفت الغطاء عن الجهل و فتحت سؤال المعرفة والعلم، للاكتشاف من أجل تأكيد الحق لا للشك في الحق و اختباره.

إن مجدد المعادِل لا يسلم من محنة الحرق فإبراهيم عليه السلام ألقي في النار ليُحرق لأنه ثار على الخارطة الوراثية لمفاهيم قومه وجاء بمعادِل جديد، وأصحاب الأخدود أحرقوا لأنهم آمنوا بمعادِل جديد.

هل عرفنا الآن لماذا حُرقت كتب ابن رشد و قُتل الحلاج وتمنع الكتب و تصادر،إنها لعنة «المعادِل» التي يحتال بها المثقف لتمرير أبعاد جديدة لرؤيته أو للانقلاب على خارطة المعاِدلات العتيقة التي اعتقلت عقولنا ورؤانا .

ولذلك فعليه أن يكون مستعدا في أي لحظة للقذف به إلى (الهولوكوست الثقافي).

- جدة
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7333 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة