Culture Magazine Thursday  10/01/2013 G Issue 393
فضاءات
الخميس 28 ,صفر 1434   العدد  393
 
مداد ضوء
المقال الأول.. لا الأوغل.. ولا الأوجل!
علي عبد العزيز الجبيلان

 

* فكرة كتابةٍ أم كتابة فكرةٍ ؟!

ربما وجد المتأمّل بعض فرقٍ دقيقٍ بين الأمرين, وإن كانا قابلين جدًا للالتقاء بطبيعة الحال, في نصٍ أو شخصٍ ما، كما هو حال الهواية مع المحترَف, ويظل الفرق في تصوُّر الإجراء نفسه, فالمسكون بالكتابة كفكرةٍ مجرّدة همه أن ينجز لها الآثار باستمرارٍ - بغضّ النظر عن قيمة تلك الآثار حقيقةً - لا كالمهتم بمطارحتها مطارحةً وقتيةً – وإن يطل أمدها نسبيًا - قصدًا لغرضٍ بعينه يمكن اعتباره طارئًا, لا يقصد من خلاله تقديم نفسه مهمومًا بحمل قلمٍ قدر ما يرغب أن يحمله ذاك القلم إلى غايته ومبتغاه! أما احتمال الغايتين والجمع بين الهمّين بجعل الكتابة هاجسًا وجوديًا جوهريًا، يتطلّب تواردًا وتواترًا فكريًا يضرب في عمقٍ يليق بمستوى الوجود والورود والجوهر فلعله المرتقى الأصعب والمطلب الأعجب ومبلغ الشأو في هذا الشأن!

وعلى هذا فقضية الكتابة قضيةٌ شائكةٌ, من جهة امتناعها واستعصائها على التقليد والنمطية ومجرّد الدورية, وكذلك على الجدة لمجرّد الجدة, فلا يعني احترافها احترافًا بالضرورة، ولا تعني هوايتها مجرّد الهواية بالضرورة, فقد تحل هذه محل تلك والعكس, كما أنّ الفكرة هي الأخرى أمرٌ له نصيبه من التعقيد, لا يخضع لمقاييس الابتداع والاتباع بالضرورة.. فقد يتبادل المعنيان دوريهما في التعبير عنها وعن كينونتها, وقد لا يؤديان مجتمعين أي دورٍ يذكر رغم زعم وجود فكرةٍ مبدعةٍ أو متبعةٍ!

* فما الكتابة ؟!

لن يتبنّى هذا المقال زعم الإجابة على هذا التساؤل أو حتى الإحاطة بها, والأمور من جهة ثقفها وفلسفتها أو مَوْضَعَتها ستختلف - ولا شك - عن مجرّد النظرة المقررة وقوعها حدثًا لا حديثًا! ولا ريب كذلك في أن تصور الكتابة قضية ومفهومًا سيختلف ويتباين باعتبار غاية ممارسها منها ونظرته إليها، فطالبها غير المطلوب لها من حيث رؤية كلٍ! والساعي «لها» وفاءً بمطالبها غير الساعي «إليها» لتفي بمطالبه! ومن مجانبة المنطق محاولة التقريب أو حتى عقد المقارنات بين من عاش ليكتب.. ومن يكتب ليعيش! فلا شبه إلاّ في الإحداث شكلاً.. وكل الفرق والاختلاف في مضمون المجال.. والمآل والمنال!

ومن هذا المنطلق، منطلق أنّ كل زاعمٍ امتهان نقل الحرف - نقشًا أو نقضًا! - يحمل بالضرورة تصورًا عما يقوم به، فلعل الكتابة أجمل ما تكون حين تكون : « هاجس أرق.. يؤدي إلى مفترق طرق.. تنتهي كلها بالغرق !!»

فهي بهذا نزفٌ يصنع أبلغ عزف ؛ فلسفة ورود وقضية وجود ! إنارةٌ قبل كونها إثارةً, بكل اختصار ٍ أن يهدى القلم إلى الضمير ليكتب إن كان حيًا، أو رفعه عنه حتى يستيقظ إذا كان نائمًا !! وأما ما عداه فله الترحم عليه..! وهكذا يجب أن تكون «الكتابة فكرةً «.. بالنسبة للكاتب..!

* والفكرة ؟!

لا يلزم - في الأصل - استخلاصٌ واضحٌ لصورةٍ ما في الذهن مع بقائها فيه فضلاً عن سردها نطقًا أو تدوينًا, فلربما كانت تلك الصورة نفسها مزيجًا مشوشًا أو بناءً مختل الأركان من عناصر قد لا تتطابق أو تتناسق وتتساوق مجتمعةً بالشكل المطلوب, ولا يمكن التعويل عليها في الثبات بله الارتقاء, وقد تجيء أصلاً مقولبةً جاهزةً بلا أدنى إعمالٍ للفكر, فترهقها الأسئلة, وتُخلِقها كثرة الرد, ويُعجِز العمقُ حكمها المعطى عن طوله أو نوله! مع الانتباه إلى أن ضعف التدبُّر العقلي لا يستلزم مثيله في التدبير «النقلي!» .. من داخل «العقل المدبر!» إلى المحيط الخارجي, والعكس يصح تمامًا, وكلا الأمرين - في زعمي - غير وافيين بغرض الكتابة أو كافيين لأداء الفكرة، فأقنعة التجميل لمعنًى مشوهٍ لا تلبث أن تزول فتكشف ما كان مستورًا خلفها, والفكرة الزاهية لن تبدو مقبولة التقديم بأسمالٍ باليةٍ تمامًا كما تمج المبالغة في كسوها وإثقالها بما قد يؤول بها إلى أن تحتجب هي نفسها منه!

الكتابة جهدٌ عقليٌ عنيفٌ، والتفكير رياضةٌ ذهنيةٌ شاقةٌ, قد يجتمعان فيفترقان, وربما وقع النقيض من ذلك, ولا يتصوّر قبول فكرة دون تفسيرٍ أو كتابةٍ خلت من تفكيكٍ أو تفكيرٍ! من شأن النظرة والنبرة أن «تعصم» ظهور أقلام أو تقصم ظهور أخرى! مدى اتزان الفكرة مع دقة تدوينها زنةً وتزيينًا ربما كان من أنجع الطرائق لكتابة تلك الفكرة..!

• مبتدأ كتابة .. لفكرة مبدأ!

لعبة الكراسي..

لعبة المآسي..

لم تثر في أي يومٍ..

همتي وحماسي!

ذاك يجلس.. ذا يقوم

ذا يحث الخطو سعيًا..

آملاً أن يرتقي..

.. ليس هذا منطقي!

لم يرد في مثل هذا النصُّ

.. في قرطاسي!

جامعة الإمام – معهد تعليم العربية / @white_madness1 - الولايات المتحدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة