Culture Magazine Thursday  10/01/2013 G Issue 393
فضاءات
الخميس 28 ,صفر 1434   العدد  393
 
الفلسفة حياة.. حياة في الفلسفة!
بثينة الإبراهيم

 

تتماهى كل الكائنات على وجه البسيطة مع الظروف البيئية التي تحيط بها، فبعض الزواحف مثلاً منحها الله القدرة على تغيير ألوانها بحسب محيطها وتتخذ شكل هذا المحيط حجراً كان أم رملاً أم نباتاً، فلا تكاد العين تميز هذه عن تيك، وليس الإنسان بمنأى عن هذه الخاصية على نحوٍ ما!

وقد جرت العادة في النقد الأدبي أن يقال إن الأديب ابن بيئته، بمعنى أنه يتأثر بها ويؤثر فيها، ولكن الأمر يتعدى نطاق الأدب ليتسع فيصير قانوناً _إن صح التعبير_ في علم النفس، وكذا ليشمل الفيلسوف بدوره، ولا يمكن أن ينعزل الفرد- على اختلاف مهنته أو طبيعته- عن ظروفه البيئية أو المحيط الذي نشأ فيه، وقد يظهر تأثيره عليه إن سلباً وإن إيجاباً، ويعود ذلك لقدرات الفرد نفسه وما يمتلكه من مواهب.

كانت نقطة التحول الهامة لدى مصطفى محمود حين أعطاه إمام الجامع وغيرَه من المصلين آيات لطرد الحشرات من المنزل، وكانت المفارقة أن الحشرات ازدادت وتكاثرت وقد اتخذ النمل من الورقة مأوى له، وهنا كانت لحظة الشك منه، وربما ما زاد في ذلك رواج الفلسفة الوجودية في الستينيات من القرن الماضي، ولذلك فقد استغرق أعوامًا طويلة لينتقل من ضفة الشك إلى ضفة اليقين فيقول: «تطلب الأمر ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب على درب اليقين».

كانت تلك الأعوام الثلاثون رحلة مستمرة من السؤال والبحث والشك والسعي وراء الإجابات التي تمكن أخيراً من التوصل إليها، وكان أن وصف تلك الرحلة الطويلة الشاقة في كتاب أسماه «رحلتي من الشك إلى الإيمان»، كما كان لتخصصه في دراسة الطب الأثر الكبير في إثارة هذه الأسئلة حول الحياة والوجود والموت، وكان يقف أمام أجساد الموتى في المشرحة متأملاً، مثلما وقف قبله حيّ بن يقظان أمام الغزالة الميتة، وسعى إلى تشريحها ليتمكن من الوصول إلى سر الحياة/ الموت، وبالتالي إلى الإيمان الذي لم يتزعزع في قلب كل منها «ابن يقظان ومصطفى محمود». وربما تكون التساؤلات التي أثارها ذهن مصطفى محمود هي ذاتها التي ثارت في ذهن سيدنا إبراهيم عليه السلام حين كان يبحث عن الخالق، فتنقل بين الشمس والقمر والكواكب، رافضاً أن يكون مقلّداً لأبيه وقومه في عبادة الأصنام، وسعى في بحثه عن الله إلى استخدام عقله، وهي المهمة التي يُفترض بكل عقل أن يمارسها كي لا يغدو مجرد «إكسسوار» فائض عن الحاجة ما دامت الأجوبة مطية متوارثة لا يسأل عن عرجها أو عوج مسيرها!

وحين توصل محمود إلى بر الأمان أو الإيمان، مادام هذا كذاك وذاك كهذا، سعى بكل ما أوتي إلى نشر فلسفته اليقينية معتمداً على الأدلة والبراهين التي لا يمكن للعقل أن يشكك فيها إيماناً منه بحكمته: «قيمة الإنسان ما يقدمه للإنسانية من مولده وحتى وفاته».

- القاهرة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة