Culture Magazine Thursday  14/02/2013 G Issue 396
الملف
الخميس 4 ,ربيع الثاني 1434   العدد  396
 
الأصمعي المعاصر.. وأعماله المعلّقة الحادية عشرة
د. عبد الله الحيدري

 

هذه هي المرة الأولى التي أحاول فيها الكتابة عن أستاذي العزيز الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن محمد الفيصل، وهي مهمة شاقة إذ تتطلّب كدّاً للذهن لاستدعاء بعض الذكريات معه، ولا أدري تحديداً متى بدأت المعرفة به، وفي أي عام؟ لكن المؤكد أنّ الصلة به توطّدت في عام 1411هـ وكنت وقتها دارساً في السنة التمهيدية للماجستير بقسم الأدب بكلية اللغة العربية بالرياض ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فتتلمذت على يديه في مقرر « تاريخ الأدب» لمدة سنة كاملة، وكنا خمسة طلاب تقريباً أو ستة فقط، منهم الدكتور محمود الحليـبي، والدكتور عبد الحي الحوسني من الإمارات. أما في المرحلة الجامعية فلم أشرف بالتتلمذ على يديه؛ لأنني درست في جامعة الملك سعود، وليس في جامعة الإمام محمد بن سعود، مع أنّ الكثيرين يظنون غير ذلك!

وكان مقرر تاريخ الأدب هذا يتناول قضية الانتحال بالتفصيل، وجوانب عديدة من قضايا الأدب القديم، وهي في صلب اهتمام أستاذنا العزيز، ومدار عشقه وبحوثه، لذا كنا محظوظين بأن كنا تلاميذه في هذا المقرر، فقد كان يُعنى بالتحضير للمقرر مع الاستناد إلى خبرة طويلة في البحث والتدريس والإشراف على الرسائل في هذا الحقل من الأدب.

ومما لفت انتباهي في تلك المرحلة من طلب العلم عناية أستاذنا بعلم الأنساب، فلا يكاد يتحدث عن شاعر جاهلي إلاّ أشار إلى قبيلته ومساكن تلك القبيلة، متطرقاً إلى العديد من الأماكن بتسمياتها القديمة، ثم يشير إلى ما طرأ على هذه الأماكن من تغيير في التسميات من واقع المشاهدة الشخصية أحياناً للمواضع فيقول: وقفت على هذا المكان واسمه في الوقت الحاضر كذا.

وعلمت بعد ذلك أنّ أستاذنا الكريم رحّالة ومن هواياته التجوّل في أرجاء الجزيرة العربية للوقوف على بعض الأماكن، وبخاصة ما ورد في الشعر الجاهلي، وبخاصة ما ورد في المعلّقات، ونتج عن هذا الاهتمام تأليف كتابين في هذا الاتجاه، وهما: المعلقات العشر في جزأين، وشعراء المعلقات العشر، وصدرا عام (1423هـ-2002م).

ويشاء الله أن أتولى تدريس الأدب الجاهلي في المستوى الأول في كلية اللغة العربية في أواخر عام 1424هـ؛ ولأنّ المقرر ليس من تخصصي الدقيق، فقد كانت دراستي في السنة التمهيدية في الماجستير على يديه خير معين على معرفة جوانب مهمة من الأدب القديم، ولم أكتف بذلك بل ذهبت إليه في منزله مستعيناً بخبرته الطويلة في تدريس الأدب الجاهلي.

وتوثّقت عرى التواصل مع أستاذي العزيز فأصبحت أراه كل أسبوع في جلسة قسم الأدب كل سبت بدءاً من عام 1426هـ، حينما انتقل عملي من وزارة الثقافة والإعلام إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولفت انتباهي في شخصية أستاذنا العزيز الجد والهدوء والأدب الجم، فلا يمكن أن يتحدث في الجلسة إلا مستأذناً من رئيس الجلسة، وإذا أبدى ملحوظات على مخطط ماجستير أو دكتوراه ظهر أثر القراءة الدقيقة لا العابرة على المخطط.

وقد عُني أستاذنا الدكتور عبد العزيز الفيصل أشد العناية بشعر القبائل، وأصدر كتباً عديدة في هذا المجال، وشجّع طلابه في الدراسات العليا على جمع هذا الشعر وتحقيقه ودراسته؛ وأسهم بالكتابة في الصحف والمجلات المحلية والعربية، ومن المطبوعات التي نشر فيها إنتاجه: الجزيرة، واليمامة، والفيصل، والمجلة العربية. وقد كتب في جريدة الجزيرة زاوية أسبوعية بعنوان « رؤى وآفاق « لمدة عشرين سنة، وطبعت مادتها في كتاب من ثلاثة أجزاء، وشارك بكتابة الأحاديث الإذاعية بإذاعة الرياض مدة طويلة.

وله اهتمام بالتاريخ، وأنساب القبائل، ومعرفة البلدان، والشعر العامي، والتاريخ الشفهي، إضافة إلى مجاله الرئيس: الأدب والنقد.

إنّ الأستاذ الدكتور عبد العزيز الفيصل بأعماله الجليلة في خدمة الأدب العربي القديم « ضبيّ» جديد، و»أصمعي» معاصر، ولست مبالغاً إذا قلت بأنّ إنتاجه العلمي الرصين في هذا الحقل من الأدب يستحق أن يحتفى به على طريقة الأقدمين في إظهار الإعجاب والاستحسان بأن يعلّق في ممرات أقسام اللغة العربية تحت عنوان « المعلّقة الحادية عشرة»!

بقيت زاوية من شخصية أستاذنا الغالي أختم بها مشاركتي في هذا الملف عنه، وهي الكرم، مقتفياً أثر أصدقائه من كرماء العرب الذين أحبهم ودرس قصائدهم، فلقد وجّه الدعوة لي في السنة الأولى لمباشرتي في الجامعة مع رئيس القسم وبعض الزملاء ممن حصلوا على الدكتوراه حديثاً، وقال: سأحتفي بكم؛ في دلالة واضحة على فرحته الكبيرة بمنجزات طلابه وتدرُّجهم العلمي.

وأما منسوبو القسم جميعاً فقد جمعهم غير مرة في استراحته بشمال الرياض، وعندما علم عن رغبة قسم الأدب هذا العام 1433هـ تكريم عميد كلية اللغة العربية السابق الدكتور محمد الصامل بعد تقاعده وانتهاء عمله عميداً للكلية، طرح على رئيس القسم أن يكون التكريم في استراحته، وهكذا كان..

وبعد، فإنّ أستاذنا الدكتور عبد العزيز بن محمد الفيصل قامة سامقة، وشخصية فذّة، اتجه إلى الزوايا الأصعب في درس الأدب ونقده وتحقيقه فجمع وحقّق ودقق وأتقن، وبذل أقصى الجهد، وكوّن له مدرسة من الطلاب والطالبات، وجدير بالمؤسسات الثقافية الاحتفاء بجهوده والتنويه بها، وتكريمه وتتويجه بالجوائز التي تليق بعمله المتواصل طوال ما يقرب من أربعين عاماً.

أستاذ الأدب المشارك بكلية اللغة العربية ورئيس النادي الأدبي بالرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة