Culture Magazine Thursday  14/02/2013 G Issue 396
فضاءات
الخميس 4 ,ربيع الثاني 1434   العدد  396
 
البيوت
لا شيء
لمياء السويلم

 

إنها ليست مصائب تفطر قلوبنا، لكنها الخشاش التي تقتات على أرواحنا، إنها الصغائر التي لا نكف عن نعتها بالصغائر، نثابر في التحايل على أنفسنا بأنها لا تساوي شيئاً، كل مانتعثر به من ملل وخوف وعجز وقلق وحزن تساوي لدينا لا شيء، فليس في دنيانا مايستحق أن نعتبره إلا لا شيء، فكبرنا، وكبر اللاشيء فينا ومعنا، وحتى إذا أصبح ظله أطول من ظلنا، سألنا أنفسنا لماذا إذن هي الحياة لا تساوي شيئا لدينا ؟!

لماذا نذهب بكل مافينا إلى زوايا اللاشيء، إلى أن لا معنى ولا قيمة في الأشياء، نذهب جميعا إلى تقزيم شؤوننا كلها في قاموس الصغائر، حتى أصبح القاموس ترجماننا وحيلتنا في التعايش مع الحياة، لماذا نصر على تسفيه كل أحلامنا التي تذبل في قلوبنا من العجز، ورغباتنا التي تجف على شفاهنا من الخوف، وأيامنا التي تتساقط من أعمارنا من الصمت، لماذا نزفها جميعا إلى قاموس الصغائر التي لا تستحق، ولا تعني في ميزان الحياة شيئا، لماذا نعلق بعد كل هذا في سؤال ماذا إذن تعني الحياة إن لم تكن كل هذه الصغائر وقاموسها الطويل !

كيف نحتشد في الجواب الواحد لملايين الأسئلة، بأن لاشيء يستحق، كيف نستميت في إقناع الحرمان بأنه محق في سطوته علينا، ندافع عن الظلم الذي يحجب قاماتنا، يفتك بأمنياتنا، يخنق أصواتنا، ويطارد في أصعب وأبسط الأوقات أنفاسنا، ندافع عنه باسم اللاشيء وقاموسه الحكيم الذي يحفظ لنا أمننا وأماننا، نقدم له الطاعة باسم القدرية العادلة والحكمة الغائبة، نشد على يده القاسية ونردد في مسيرته، لك المشيئة أيها اللاشيء وعلينا التسليم.

من الذي سحب منا حق المقاومة، حق الرفض، وطعم اللاء، من كمم الصوت وجعل الصراخ غناءنا، من أدخلنا الجوقة وأخرجنا من الحرية، من كسر الأقلام وسرق المحبرة، من تركنا مشدوهين بالفراغ، محدقين بأنفسنا التي نراها ولا نعرفها، نصفق للضجيج والصراخ ونحسب الأنين أغنية، نقبل النقمة ونغرق بالفسحة حالمين، من زرع الخوف فينا، فما حصدنا إلا اللاشيء في كل المواسم، رغم جنون الفصول..

نحن الذين نعيش مع اللاشيء ونؤمن به ربا لكل شؤوننا، هذه الكلمة الساحرة التي تسترنا من الأسئلة، تغطي عوراتنا مايكفي أن لا نغضب من أنفسنا ولا ننقم على بؤسنا، مايكفي لنرضى على أخلاقنا ونحمد أولياءنا في البيت والقصر والمحكمة، تسترنا هذه «اللاشيء» الساحرة، فلا نرى أين نحن من الدنيا، وأين هي الدنيا نعيشها ولا نعرفها.

فيا إله الساحرة الساترة، احفظ لهذه البلاد قاموسها من اللاشيء، واحفظ بيوتنا بسحر اللاشيء، واسترنا بظل اللاشيء، فلا نرى ولا ندري بشيء.

lamia.swm@gmail.com - الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 8789 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة