Culture Magazine Thursday  14/03/2013 G Issue 400
فضاءات
الخميس 2 ,جمادى الاولى 1434   العدد  400
 
مداخلات لغوية
وقفات لا تضير عند لهجات بابعير(1)
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

الأستاذ الدكتور عبدالله صالح بابعير علم شامخ في سماء العربية؛ إذ زويت له من علومها ومعارفها ما جعله أستاذًا قديرًا تخرّج على يديه أجيال من طلاب العربية في جامعة حضرموت، وكتب عددًا من البحوث والكتب العلمية المهمة في علوم العربية أصواتًا وصرفًا ونحوًا ودلالة، ومن أواخر كتبه ما أتحفني به مشكورًا وهو (انحراف اللهجات العامية الحديثة عن العربية الفصحى: مظاهر من لهجة المكلاّ)(1)، وقارئ هذا الكتاب يجده مرتكزًا على ثقافة لغوية تراثية عميقة ومعرفة بعلوم اللغوية الحديثة مع دقة ملاحظة لمفارقة استعمال الناس اللغة اليومية في حياتهم العامة وأغراضهم التواصلية للغة الفصيحة المعبرة عن الأدب والأغراض الرسمية؛ ومع ذلك يعن له من الوقفات ما تهبه النظرة المختلفة، وهي وقفات لا تضير ولا تقلل من قيمة هذا العمل الرصين، ولعل أول ما يستدعي التوقف هذا العنوان الذي يبدأ واسعًا بنسبته إلى اللهجات ثم يضيق في لهجة واحدة هي لهجة المكلاّ، ولعل الذي أجاء أستاذنا إلى ذلك ما لاحظه من اشتراك بين لهجة المكلا ولهجات أخرى في غير مظهر من مظاهر الانحراف، ويستوقف العنوان القارئ عند وصفه اللهجات بالعامية الحديثة؛ إذ نجده يعالج من المظاهر أو الظواهر ما لا يوصف بالحداثة فمنه ما هو لغة من لغات العرب القديمة كالقاف المجهورة التي استمر استعمالها فهي تسمع في المكلا وجنوب المملكة العربية السعودية ونجد، ومن ذلك كسر أحرف المضارعة الذي عزي قديمًا إلى قبيلة بهراء وسمي بتلتلة بهراء، والأستاذ حريص على التأصيل التاريخي فلا يدع مظهرًا له أصل إلا ذكر أصله. ومشكلة أخرى يثيرها العنوان وهي قضية انحراف اللهجات عن الفصحى، والمشكلة عندي في افتراض أن الفصحى كانت لغة الناس كلهم في يوم من الأيام ثم بدأت تختلف لهجات البيئات الجغرافية عن هذه اللغة الموصوفة بالفصحى، وهذا ما نفهمه من قوله (ص11)»تمثل اللهجات العامية الحديثة انحرافًا عن العربية الفصحى المشتركة، ولكنها ليست انحطاطًا عنها فهي فروع منشعبة عنها»، هذا الانشعاب أمر أتوقف فيه، فالفصيحة المشتركة التي استعملت في الشعر الجاهلي ثم عزز استعمالها نزول القرآن بها هي مستوى جمع مظاهر لغوية من لهجات (لغات) العرب؛ ولكنها لم تلغ تلك اللهجات ولم تستول على لغة الخطاب اليومي وظلت محافظة على سماتها بما كتب لها من ارتباط بالدين والدولة والتقعيد النحوي، أما اللهجات القديمة فهي التي استمرت إلى جانب الصيحة المشتركة في بيئاتها وإن نالها تأثر بالفصيحة فإنها لم تتخل عن مظاهرها الخاصة فاستمرت الإمالة والكشكشة والكسكسة والعنعنة والاستنطاء، والتلتلة، وغيرها من السمات اللهجية التي وصفها سيبويه في كتابه وذكر أنه لا يقرأ بها القرآن وإن كانت عربية، فإن يكن من انحراف في اللهجات الحديثة فهو انحراف للهجة في العصور الحديثة عن أصلها القديم المستمر إلى جوار العربية المشتركة، وليس انشعابًا عن الفصيحة المشتركة، ونحن اليوم نشهد تغيرات واسعة في اللهجات بسبب تأثر بعضها ببعض وهبته وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت اللهجات دُولة بين الناس، ووهبه تمازج أبناء البيئات الجغرافية المختلفة بانتقالهم من بيئة إلى أخرى انتقالا مؤقتًا أو دائمًا، وتأثرت اللهجات بانتشار التعليم وسيطرة اللغة الأجنبية على بعض جوانب التعليم وغلبتها في إدارة العمل وتوجيهه، وتلقي الناس منجزات التقنية الاستهلاكية المعتمدةِ الاستفادةُ منها على قدر من المعرفة باللغة الأجنبية التي بدأت تضيق الخناق على العربية فصيحها وعامياتها والعامية أسرع استجابة لها.

(1) الطبعة الأولى، عام 2012م، دار حضرموت للدراسات والنشر، ومؤسسة العون للتنمية، المكلاّ- حضرموت، الجمهورية اليمنية.

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة