Culture Magazine Thursday  14/03/2013 G Issue 400
فضاءات
الخميس 2 ,جمادى الاولى 1434   العدد  400
 
رؤية
عشر طعش يوم مما تعدون!
د. فالح العجمي

 

كثير منا قابل -بكل تأكيد- في حياته عينات، ممن يقولون ما لا يعنون، ويصرفون الكلم على غير ما يفهمه الآخرون، بل ربما يكون آخر اهتماماتهم أن يفهم غيرهم مقصدهم، أو كنه ما يتحدثون عنه، أو صحة ما يعدون به.

مضت سنون ونحن نسخر من مقولات «راجعنا بكرة»، كناية عن اللازمة التي حفظها الموظفون في كثير من القطاعات، وهم يحاولون إبعاد أصحاب الحاجات عن مكاتبهم، كما مل منها المراجعون، وهم يعرفون كذب ادعاء أولئك الموظفين في أن معاملاتهم تحتاج منهم إلى العودة في يوم آخر أو أيام أخر. وربما يكون هذا التأجيل مدخلاً إلى الضياع وعدم البت في الأمر، ليمتد زمن المراجعة ليس إلى يوم آخر، بل إلى شهور طويلة، وقد تختفي المعاملة بكاملها.

وللموضوع ثلاثة جوانب، أولها يتعلق بعدم الصدق الذي أصبح ملازماً لما نحكيه من مقاربات للواقع، وليس تماهياً معه، أو انطلاقاً من مقوماته. فأغلبنا يقول أو يسمع مقولات يعرف أنها غير صحيحة، مثل: استئذاننا من غيرنا بالقول: «ثواني... وأكون عندك!»، أو «بضع ثواني»، أو «شوي!»، دون أن يعرف القائل أو يرغب في إدراك واقع أن تلك الثواني تنتهي بمجرد إنهائه مقولته؛ وكذلك أن يُتفق على تحديد معنى «الشوي» من الوقت (إلى كم من وحدات الزمن يطول؟). وإذا قال لك صاحب المطعم: خمس دقائق، ونجهز لك الطلب، فقد تمتد هذه الدقائق الخمس إلى نصف ساعة، دون أن يحق لك الغضب.

الجانب الثاني عدم الإخلاص في العمل وفي القول؛ إذ لو كان هناك أدنى إخلاص من الموظف في عمله، لما حرص دائماً على تأجيل العمل، إلا أن يكون يعرف المراجع أو يؤمر بإنجاز معاملته مباشرة من الأعلى. وقد كنت شاهداً على محادثة بين موظف وأحد معارفه، يطلب فيها منه أن يأتي له بالورقة لينجزها حالاً في الوقت الذي طلب مني أن آتي له بعد انقضاء الصلاة (وهو أيضاً مفهوم زمني طعشي)، فقد تمتد إلى نصف ساعة أو أكثر. وعندما واجهته بما كان يعرض على رفيقه، قال: هو ما راح يجيبها على طول، وبعدين احنا نصلي في أي وقت، قلت: طيب، خلصني، وصلّ في أي وقت! فقال: هات الحيلة لله! طبعاً كان مستسلماً، لأنه أوقع نفسه في الحرج أمامي.

أما الجانب الثالث للموضوع، فهو عدم الدقة. فإذا قال لك أحدهم: تعال بكرة، أو بعد أسبوع، فالعاقل من المجربين يضاعف وقته، وقد لا يفلح في التقدير الصحيح لساعة هذا الموظف الزمنية، خاصة إذا كان الوضع مرتبطاً بأكثر من مكتب في الجهة الواحدة، أو بأكثر من جهة رسمية؛ فإن المضاعفات قد تمتد إلى العشرات. ففي إحدى التجارب، قال الموظف: راجعنا بعد أسبوع أو عشرة أيام تكون انتهت من التوقيع (يا بركات هذا التوقيع الذي يمتد كل هذه الأيام!). ومع كون المراجع مواطناً صالحاً فقد فكر وقدر، فأتاهم بعد عشرين يوماً، ليتأكد بأنه ليس بحاجة إلى أن يقولوا له: لم تنته بعد من التوقيع! لكن ظنه قد خاب أيضاً، فأخرجوا المعاملة من كرتون فيه معاملات كثيرة تنتظر التوقيع، وأخذها أحدهم، وذهب بها إلى مكتب آخر، ليسجل رقمها، ثم قال: ستوقع بعد يومين، وتأخذ رقماً بالصادر، وتذهب إلى الجهة الأخرى. وصاحبنا يقول: والله لم يكونوا بحاجتي في هذه الإجراءات؛ فلماذا أمضيت ساعات في الطريق ذهاباً وإياباً؟ قلت له: ما دام هؤلاء الطعشيون لا يحاسبون، فإن أيامهم ستبقى مختلفة عن أيامنا، وأيامنا مختلفة عن أيام غيرنا وزمانهم!

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9337 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة