Culture Magazine Thursday  14/03/2013 G Issue 400
حوار
الخميس 2 ,جمادى الاولى 1434   العدد  400
 
يراوح في كتاباته بين أشكال الشعر المختلفة
عماد غزالي: القصيدة العمودية لا تزال صالحة

 

الثقافية -القاهرة - أحمد عزمي

كانت بدايات الشاعر المصري «عماد غزالي» في إطار الشعر العمودي، وتحت تأثير التيار الرومانسي، خاصة مدرسة أبوللو، وعندما قرأ «مأساة الحلاج» لصلاح عبد الصبور أقبل على تجربة رواد الشعر الحر في مصر وخارجها؛ فقدم ديوانين في إطار تلك التجربة، هما: «أغنية أولى» و»مكتوب على باب القصيدة»، وعندما تخرج في الجامعة وبدأ حياته العملية، وترجم بعض القصائد عن الإنجليزية، بدا له النثر غير بعيد عن إمكانية الأداء الشعري؛ فصدر ديوانه الثالث جامعاً بين الشكلين التفعيلي والنثري، ثم قضى عشرة أعوام أو يزيد، يراوح بين هذين الشكلين.

* هل يؤثر المشهد السياسي على خارطة الإبداع في مصر؟

- الشعر فن شديد الحساسية تجاه اللحظة، لكنه مشغول أيضاً بما هو جوهري، أي أنه يحاول دائماً أن يصل عبر العابر إلى ما هو أكثر ثباتاً ورسوخاً، لا يستطيع الشاعر تجاهل تقلبات المجتمع وتفاعلاته من حوله، لكنه يبذل جهده للقبض على المعاني الأساسية في هذه التفاعلات، والمشهد السياسي في مصر مرتبك، ولا تزال حالة المخاض السياسي مستمرة، وأحاول أن أرى بالشعر ما لا أستطيع أن أراه بعيني.

* هل يمكن أن يقوم الشعر بدور ما في الحراك المجتمعي؟

- على الحركة الشعرية عبء القيام بمهام مؤسسات أخرى لم تقم بدورها، مثل المؤسسة التعليمية (المدارس والجامعات) تلك المؤسسات التي أفرزت أجيالاً لا تتقن اللغة العربية بل تخطئ في أبسط مبادئها؛ وهي بالتالي لم تتدرب على أبجديات التذوق الأدبي والفني. دور الشعر ومبدعيه أن يرتقوا بحالة تلك الأجيال التي لا تكفّ عن استخدام وسائط الاتصال الحديثة؛ لكي يصلوا إلى المستوى المأمول من التعامل مع اللغة وتذوقها.

* هل أفرزت الثورة المصرية فنوناً إبداعية جديدة أم أن ما نراه مجرد حالة تعبيرية؟

- من الطبيعي أن تفرز الثورة وجوهاً جديدة في كل المجالات، وأن يبرز من تلك الوجوه ما يستحق الالتفات؛ فالمجتمع الذي تكلس لعقود عديدة انفجر فجأة، وحالة التيبس والشيخوخة والجمود التي طالت المجالات الإبداعية المختلفة آن لها مع الثورة أن تتوارى وأن تظهر الوجوه الشابة من المبدعين الذين أسهموا في الثورة بشكل مباشر وبأدوار متفاوتة، لكنها مؤثرة.

* تراوح في كتابتك بين الأشكال الشعرية الثلاثة: العمودي والتفعيلي وقصيدة النثر. هل ما زالت القصيدة العمودية قادرة على استيعاب قدراتك الشعرية؟

- على مدار عام ونصف العام كتبت ديواني الخامس «لا تجرح الأبيض» مستخدماً طرقاً أدائية، وظفتُ فيها خبرتي الجمالية في الشكلين الأحدث، محاولاً خلخلة البنية العمودية من الداخل وليس على مستوى الشكل. كتبتُ القصيدة العمودية موزعة الأسطر بحسب الدفقات الشعورية والوحدات التكوينية، واعتمدت أكثر على الأبحر المركبة التي تنفي الإحساس بتواتر الإيقاع ورتابته، مثل المنسرح والخفيف والسريع. وقد رأيت أن تلك الأبحر تبث إحساساً نثرياً محبباً. واستخدمت القوافي الساكنة والغريبة أو النادرة. وفي اعتقادي أن تجربة ذلك الديوان كانت تفجيراً لطاقات مختزنة لم تعبر عن نفسها جيداً في تجربتي، واختباراً لحالة لم يكن سهلاً الوصول لنتيجتها إلا عبر خوض غمار الإبداع ذاته، ووصلت إلى إجابة ما، وهي أنّ القصيدة العمودية لم تزل صالحةً للحياة، وأنها يمكن أن تمتص بعضاً من الجماليات الأحدث وتصدر عنها، ويمكنها تشكيل بعض التجارب بالتوازي مع الأشكال الشعرية الأخرى.

* كيف تقيّم تجربة الشاعر ناقداً وقد خضت هذه التجربة؟

- النصوص النقدية التي يكتبها الشعراء، خاصة من يملكون الرؤى والخبرة والدافع للقيام بذلك، تكون نصوصاً في غاية الأهمية، وأزعم أنني استفدت عبر رحلتي مع الشعر من كتابات الشعراء النقدية أكثر مما استفدت من كتابات النقاد، فلكتاب «حياتي في الشعر» لصلاح عبد الصبور مكانة كبيرة عندي، وأعيد قراءته من آن إلى آخر، وأذكر كتباً أخرى مهمة مثل: رياح حجرية لمحمد علي شمس الدين، وكتابيْ «سياسة الشعر وزمن الشعر» لأدونيس، إضافة إلى مقالات نقدية كثيرة وشهادات على التجارب الشعرية لأحمد عبد المعطي حجازي وفاروق شوشة ومحمد عفيفي مطر ومحمد إبراهيم أبو سنة وشعراء مهمين من جيلي ومن جيل السبعينيات مثل عبد المنعم رمضان وأمجد ريان ووليد منير وروائيين كتبوا عن الشعر مثل يحيى حقي في تقديمه لرباعيات صلاح جاهين وإدوار الخراط.. كل هؤلاء مبدعون، كتبوا عن الشعر والشعراء ما أثرى ذائقتي وأغناها أكثر مما فعل النقاد، وهذا ليس قدحاً في جهود النقاد أو تقليلاً منها، لكن الناقد يتوجه بخطابه في الغالب الأعم إلى جمهور من الباحثين، ويهتم بالإجراءات والتقسيم والتصنيف والملامح الشكلية مثل البحث في ظاهرة ما، وهو غير حريص في الأغلب أيضاً على الالتفات إلى جوهر عملية الإبداع والتيمات الخاصة والذاتية أو الشفرات الرهيفة جداً التي ينتهجها أو يوردها الشاعر ليحقق إبداعه وخصوصيته، وكثيراً ما لا يهتم الناقد بجودة النصوص وتفردها قدر اهتمامه بالشكل أو الظاهرة التي يبحث عنها.

* لكل الأسباب السابقة وغيرها فإنني أجد ضالتي أكثر في كتابات الشعراء أنفسهم عن الشعر، سواء كتبوا عن تجاربهم أم عن تجارب غيرهم من الشعراء، وقد علمتني تلك الخبرة أهمية أن أتوجه إلى الكتابة النقدية أحياناً، وآخر ما أنجزته بحثٌ نقدي طويل نسبياً، عنوانه: آفاق الخطاب الشعري الكلاسيكي، يتناول ظاهرة إبداع القصيدة العمودية في مصر عند جيل جديد من الشباب، تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين، ويقدمون قصيدة لها فرادتها الجمالية وخصوصيتها، وتستفيد من المنجز الجمالي لقصيدة الشعر الحر وقصيدة النثر، كما يتناول البحث تحليلاً لنماذج من إنتاج ثلاثة شعراء من ذلك الجيل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة