Culture Magazine Saturday  14/09/2013 G Issue 411
عدد خاص
السبت 8 ,ذو القعدة 1434   العدد  411
 
هكذا رأيت الشيخ
أسامة السباعي

 

في السنة التي تخرجت فيها من جامعة القاهرة كان معالي الشيخ جميل الحجيلان قد تم تعيينه وزيراً للإعلام، وكان والدي يرحمه الله قد أصدر مجلة «قريش» من مكة المكرمة وكانت إلى جانبها الصحيفة اليومية «الندوة» الوحيدة التي تصدر من مكة وصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ صالح جمال رحمه الله وذلك بعد أن دمجها مع صحيفة «حراء».

وقبل أن تطأ قدماي أرض المملكة عائداً من الجامعة بعد أن حصلت على ليسانس صحافة وصلتني رسالة من والدي يقول إن عباس غزاوي يرحمه الله مدير عام الإذاعة في ذلك الوقت طلب إليه أن أتصل به بمجرد عودتي من القاهرة ليتم تعييني في الإذاعة وكذلك فعل غالب أبو الفرج يرحمه الله مدير عام الصحافة في ذلك الوقت، من جهة أخرى فإن معالي الشيخ جميل الحجيلان بحكم صلته الرسمية برؤساء تحرير الصحف والمجلات المحلية أخبروا والدي أن الوزارة في حاجة إلى الشباب من خريجي الجامعة، وأن ابنك أسامة عليه أن يلتحق بوزارة الإعلام.

وما أن وصلت إلى المملكة حتى أخبرني الوالد بذلك فأجبته أنني أرغب العمل معه في مجلة «قريش» وانضممت فعلاً إلى أسرة المجلة سكرتيراً بعد علي الشنواح الذي ترك العمل فيها قبل مجيئي من القاهرة ببضعة شهور.

ومضى عام على عملي في «قريش» كان خلالها الشيخ الحجيلان يجتمع برؤساء التحرير لعدة مرات، وكان يردد لوالدي في كل اجتماع: مر ابنك ينتقل إلى وزارة الإعلام، وكان الوالد يجيبه بأن رغبتي أن أظل معه صحفياً في المجلة، حتى إذا أقام والدي حفل عشاء لأحد زملائه من رؤساء التحرير دعا إليها معالي الشيخ جميل الحجيلان وفي ذلك المساء قال معاليه لوالدي أن أخبر أسامة أن يأتي إلى الوزارة فوراً وإذا لم يفعل فسوف نحضره (بصحبة عسكري)!!

وفي البيت خاطبني الوالد بقوله: يا أسامة لقد آن الأوان أن تلتحق بوزارة الإعلام، فالوزير جاد في طلبه وليس من اللائق أن لا تستجيب له.. يا ولدي توكل على الله فقد يكون الخير في التحاقك بالوزارة وأصغيت إلى نصيحة الوالد، وتوجهت إلى جدة (حيث مقر وزارة الإعلام قبل أن تنقل إلى الرياض) وقابلت سعادة الأستاذ محمد عبد الرحمن الشيباني يرحمه الله باعتباره صديقاً للوالد (ويحتل منصب مدير عام الشؤون المالية والإدارية) لأستشيره عن الجهة التي أتوجه إليها في الوزارة فأجابني أن معالي الوزير يرغب أن يعين من الشباب الجامعي في المديرية العامة للصحافة والنشر خاصة وأنت خريج صحافة، واتجهت إلى مديرية الصحافة وقابلت الأستاذ غالب أبو الفرج فطلب إليّ أن أباشر العمل في المديرية اعتباراً من ذلك اليوم وباشرت وباشر معي في الشهر نفسه ثلاثة من خريجي جامعة القاهرة هم: عبد المجيد الدويري ومحمد علي مصلي يرحمه الله خريجا الصحافة وعبد الله قاضي خريج قسم الاجتماع، وتم تعييننا في إدارة العلاقات العامة (تابعة لمديرية الصحافة) وكان عملنا مصاحبة الوفود الإعلامية التي كانت الوزارة تدعوها من مختلف الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية ليطلعوا على معالم المملكة ويتعرفوا على مظاهر التقدم الذي وصلت إليه المملكة، ولم تمض ستة شهور على تعييننا حتى أصدر معالي الوزير أمره بابتعاثنا نحن الأربعة إلى بريطانيا لتقوية لغتنا الإنجليزية، وتفرقنا في أربع مدن بريطانية وكان من نصيبي الدراسة في مدينة لندن، وعدنا بعد سنة تحسنت بعدها لغتنا الإنجليزية واستأنفنا العمل في العلاقات العامة ليصحب كل منا وفداً إعلامياً يظل معه منذ وصوله المملكة وحتى مغادرته إلى بلده.

وبعد عام علمنا أن معالي الوزير رغب في إصدار مجلة للإذاعة والتلفزيون بدلاً من مجلة الإذاعة التي كانت الوزارة تصدرها ويرأس تحريرها الأستاذ سليمان قاضي يرحمه الله وتوقفت عن الصدور قبل إنشاء التلفزيون في المملكة ووجه معاليه الأستاذ غالب أبو الفرج ليرشح له من يتولى رئاسة تحرير المجلة الجديدة فتم ترشيحي على أن أقدم خطة لإصدارها، وانبريت أخطط وأجهز للمجلة وكان من بين التجهيز إعداد رسائل إلى شخصيات الأدب والفكر أدعوهم للإسهام بالكتابة في المجلة المنتظرة والتحق معي في تلك الأثناء الأستاذ أحمد محمود للعمل سكرتيراً للمجلة، وحان موعد مناقشة خطة المجلة مع معالي الوزير فتوجهت مع الأستاذ غالب إلى الرياض لعرض الخطة على معاليه وتلقي توجيهاته بشأنها، وتمت الموافقة على الخطة، وكم كان إعجابي شديداً بمعاليه وهو يناقش ويوجه بلغة عربية بليغة وسماحة تخللها جدية ممزوجة بكثير من اللطف والمرح، وانتهى اللقاء مع معاليه على أن أضع «ماكيتا» شاملا يحتوي على إخراج المجلة ومواقع الأبواب والتحقيقات الصحفية ومقالات الكتاب في الماكيت، وفجأة صدرت الأوامر السامية بانتقال وزارة الإعلام إلى الرياض لتلتحق بباقي الوزارات التي سبقتها بسنوات ولم يتبق في جدة سوى وزارة الخارجية التي انتقلت إلى الرياض فيما بعد، وخيم على الوزارة بعد ذلك أزمة مالية لم يكن في مقدور الوزارة معها أن تنفق على المجلة فتوقف مشروعها ولم أكلف حينها بعمل آخر، حتى اختارني سعادة الأستاذ فهد السديري (وكيل الوزارة للشؤون الإعلامية) مديراً لمكتبه على إثر استقالة مدير مكتبه في ذلك الوقت، واستمريت كذلك لمدة أربع سنوات كنت أثناءها أكلف بمهام خارج الوزارة مندوباً وممثلاً للوزارة إما من قبل معالي الوزير أو سعادة الوكيل وكانت المهام مثل: معرض الدار البيضاء الدولي، معرض جاكرتا الدولي، اللجنة الإعلامية بجامعة الدول العربية بالقاهرة، الأسبوع الثقافي السعودي في ألمانيا عضواً في الوفد برئاسة سعادة الأستاذ محمد عبد الرحمن الشيباني الذي أصبح في ذلك الوقت وكيلاً للوزارة (للشؤون المالية والإدارية) ولقد حدث موقف مع معالي الشيخ الحجيلان لا أنساه منذ ذلك اليوم الذي استدعاني فيه معاليه إلى مكتبه وطلب مني أن أسافر إلى خارج المملكة لحضور إحدى المناسبات على أن أقوم بالسفر خلال يومين، فتجرأت وخاطبت معاليه بقولي: معالي الوزير سأفكر في الأمر وسوف أرد على معاليكم غداً إشاء الله، فلم أفاجأ إلا ومعاليه يقول بكل حزم وجدية: يا ابني نحن عندما نقرر لا ننتظر من الموظف.

هكذا رأيت الشيخ جميل الحجيلان شخصية فذة يظهر الجد وقت الجد ويطلق الابتسامة العريضة وقت المرح حتى لتبدو قطعة السلك الفضية في جانب من جوانب أسنانه اللؤلؤية.

كم كان يبهرني في حديثه عندما يتحدث بطلاقة باللغة العربية، ويدهشني عندما يتحدث بطلاقة باللغة الإنجليزية ويدهشني أكثر عندما يتحدث باللغة الفرنسية، فهو كالحمام تنساب بالأنغام خارج شفتيه ويأسرني بأخلاقه العالية ويعجبني «بمرزاب» غترته المجنحة كالصقر طائراً بجناحيه المشدودين مشرئباً في عزة وشموخ.

كم كان معاليه شخصية إعلامية تتميز بحس إعلامي منقطع النظير واستطاع أن ينهض بالوزارة وقطاعاتها الرئيسية الثلاثة»: الإذاعة والصحافة والتلفزيون الذي أطلق أول بث له من جدة والرياض في عام 1385هـ كما أنشأ برنامجاً باللغة الإنجليزية وما لبث أن استقطب الكوادر الإعلامية من إذاعيين وفنيين وأرسل البعثات من الشباب السعودي للتقوية في اللغة الإنجليزية وتعلم فنون الإذاعة والتلفزيون والتدرب عليها وفتح المجال للفتاة السعودية لتقديم البرامج والمسلسلات الإذاعية، وأطلق الأغنيات العاطفية من الإذاعة السعودية لأول مرة.

حقاً إنها لخسارة كبيرة حين ترك معاليه وزارة الإعلام، ولا أجد ما أضيفه بعد هذا إلا أن أدعو له بالتوفيق حيث كان وأن يلبسه الله حلل الصحة وثوب العافية.

رئيس تحرير جريدة المدينة السابق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة