Culture Magazine Saturday  14/09/2013 G Issue 411
عدد خاص
السبت 8 ,ذو القعدة 1434   العدد  411
 
سعودة العمل التلفزيوني ومواجهة الرفض
علي داود

 

معالي الأستاذ جميل الحجيلان:

هو المطور والمؤسس الحقيقي للإعلام السعودى قياساً على الوقت الذى استوزر فيه من حيث:-

- الموارد المالية للدولة.

- رفض شريحة مؤثرة من المجتمع السعودي لتطوير الوسائل الإعلامية، وفي مقدمتها التلفزيون، وقد ذهب البعض منهم إلى تحريمه، ولولا توفيق الله ثم دعم المرحوم الملك فيصل للإعلام ووزيره.. لتأخر إعلامنا عشرات السنين.

وأذكر أن التلفزيون السعودي هو المشروع الوحيد الذي لم يفتح رسمياً في بدايه الأمر، لدرجة أن محطة تلفزيون الرياض وجدة لم تفتح رسمياً حتى الآن.. وإن كان الملك خالد يرحمه الله قد افتتح رسمياً محطة تلفزيون الدمام فى إشارة إلى جدوى هذا الجهاز ثم أكد هذا التوجه افتتاح الملك فهد يرحمه الله عام 1984م محطة تلفزيون المدينة وبعد عشرين عاماً تقريباً من انطلاق التلفزيون السعودي.

وكان التلفزيون حين انطلق فى منتصف الستينيات الميلادية تحت شعار «إذا كان مفيداً أبقيناه، وإذا كان مُضراً أوقفناه».

وقد مثل هذا الأمر تحدياً حقيقياً لمعالي الوزير الحجيلان.. فأخذ على عاتقه مسؤولية المدير التنفيذي المباشر لهذا الجهاز ونجح باقتدار فى قيادة التلفزيون إلى بر الأمان، مع ما كان يواجه من مقاومة ورفض من البعض كانت تقوي وتضعف من حين لآخر.. وبحسب الظروف والأحداث..

- وبطبيعة الأحوال وبحكم البدايات لم تكن هناك كوادر سعودية موجودة لبدء عملية التشغيل والانطلاق..

فلجأ معالي الوزير إلى الاستعانة بخبرات أجنبية للتشغيل والإشراف الهندسي.. وتمت الاستعانة السريعة بأطقم فنية في مجال الإخراج والتصوير من بعض العاملين في تلفزيون أرامكو بالمنطقة الشرقية وعدد من المصورين والمخرجين من مصر وسوريا.. وتبنى معاليه خطين متوازيين لسعودة العمل التلفزيوني فتم وضع برنامج لتدريب بعض الفنيين في محطة التلفزيون نفسها.. بالإضافة إلى إرسال أعداد كبيرة من الراغبين من الشباب السعودي إلى الخارج وبالتحديد الولايات المتحدة.. بينما تم الاعتماد شبه الكلي على الكوادر الوطنية الموجودة فى الإذاعة السعودية والصحافة المحلية فيما يتعلق بموضوع الإعداد البرامج والمذيعين.

ومما يحسب لمعاليه فى البداية، أنه لم يلجأ إلى الشريحة المعارضة لفكرة التلفزيون واستطاع بحنكةٍ وخبرة أن يبقيهم في خانة المتفرج.

وفاجأ الجميع بتقديم الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله كنموذج مثالي في حسن استغلال التلفزيون كأداة تنوير دينية وثقافية بشكل عصري جذاب بعيداً عن الغلو والتشدد.. ولم يقدم أي تلفزيون عربى برنامجاً دينياً مثل «نور وهداية» يتحدث عن الدين وأموره بهذه السلاسة والبساطة والوضوح.. حيث ظهر فيها الشيخ متولي الشعراوي يرحمه الله.. ولك أن تتخيل مدى الجهد الذي بذله معاليه فى هذه الناحية وفي ذلك الوقت.

وبالرغم من فترة الإطلاق.. ظهر التلفزيون السعودي منذ اليوم الأول بهويةٍ محلية عمقت صلة المشاهدين به سريعاً ومما يذكر لمعاليه دون شك، انتقاؤه الدقيق والمهني للقيادات في التلفزيون، تماماً كما فعل في الإذاعة.

فقد اختار بعناية فائقة (رغم الندرة) المسؤولين الهندسيين والبرامجيين والماليين وكلهم كان يتمتع بعقلية منفتحة ومنتجة.. وأذكر منهم المهندس، عبدالعزيز الصابري مدير عام الشؤون الهندسية، والأستاذ يوسف دمنهوي مدير عام التلفزيون.

الأول كان مهندساً وطنياً تخرج من ألمانيا، والثاني كان إعلامياً يعي تماماً خصوصية وحاجات المجتمع السعودي.. تماماً كما كان الحال في الإذاعة مع المرحوم الأستاذ عباس غزاوي مدير عام الإذاعة السعودية.

- وعلى ما أذكر كان معاليه وراء فكرة تغيير العمل بالتوقيت الغروبي، وبدء العمل بالتوقيت الزوالي الذي نتعامل به اليوم.. وقد بدأ الأمر بالاحتفاظ بالتوقيتين معاً وربما كان الهدف من ذلك أن نكون نحن والعالم على توقيتات متقاربة.

- وقد اشتهر معاليه بمتابعته الدقيقه جداً لكل ما يقال في الإذاعة أو يجري في الشاشة.. ولا أعلم حتى الآن كيف كان الرجل يجد كل ذلك الوقت.

وأذكر أنه أوقفني عن الإذاعة وقتاً قصيراً، ولأنني نطقت حرف (الجيم) باللهجة المصرية في كلمة (مجلس الوزراء) وكانت في موجز لأنباء الواحدة والنصف ليلاً.. وكان لتوه عائداً بسيارته بعد تلك الجلسة من الطائف إلى جدة.

أريد هنا فقط الإشارة إلى يقظة وزير لا تغفل حرفاً حتى بعد منتصف الليل.

- وأحفظ لمعاليه أنه من اكتشفني وأنا أقدم برنامج الرياضة التلفزيوني في جدة ورغم أنه فوجئ بي كمقدم برنامج، لأنه كان هو الذى يختار المذيع بنفسه، وحين حاول مدير محطة تلفزيون جدة أن يبرر له أن المقدم الحقيقي للبرنامج حالت دون وصوله ظروف قهرية لم يغضب وأمر بتحولي من مصور في التلفزيون إلى مذيع رسمي بدءاً من الليلة.

- وأعتقد أن الناس في وزارة الإعلام لم تتفق على وزير إعلام مثل ما اتفقت على الأستاذ جميل الحجيلان.. ولاحقاً الدكتور محمد عبده يماني يرحمه الله.

- ولعل ملامح الهيبة والوقار والأناقة واللباقة التي حباه الله بها سهلت هذا الاتفاق والالتفاف.

- كان رجلاً ميدانياً يتوقع أي موظف أن يجده في موقع عمله في أي وقت.

- وأذكر أن الإذاعة السعودية كان بها إلى جانب المذيعين الرسميين، مذيعون متعاونون.. يأخذون أجراً على ما يقدمون دون سقفٍ معين.. فكان بعضهم يكاد راتبه يعادل راتب الوزير.

وطلب يوماً واحدٌ منهم وكان أكثرهم دخلاً إلى مكتبه وحين دخل وكان من هيبة الوزير يرتعد.. وفوجئ بالوزير يقف مرحباً به جداً وطالباً منه بجدية بالغة أن يجلس على كرسي الوزير.. وحين ألح سأل المتعاون ليه طال عمرك.. فأجابه الوزير.. طبعاً لأن دخلك أكثر مني.

ولم يكن الموضوع شخصياً بل شعر الوزير أن هناك عدم مساواة بين المذيع الرسمي الملتزم والمذيع المتعاون.. وأعتقد أن الأمر وضع له بعد ذلك حداً أو سقفاً.. مع مراعاة أن ينال المذيع الرسمي مكافأة إضافية إذا تجاوز عطاؤه عدداً مضافاً من الساعات.

- وبفضل الشخصية القوية والقدرة على العطاء استمر معاليه يقدم خدمة متميزة لبلده في أكثر من وزارة وفي أكثر من سفارة.. وتواصل عطاؤه إلى قيادة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

- ومما يجعلني مديناً دائماً لهذا الرجل.. حينما كان سفيراً للمملكة في باريس وكان الأمير فهد بن عبدالعزيز رحمه الله قبل تولي المُلك في زيارة لفرنسا.. طلب من وزارة الإعلام السعودية إيفادي بالاسم وعلى وجه السرعة لتغطية هذه الزيارة.. وتوجهت إلى باريس ووجدت تأشيرتي في المطار مع زميلي المصور اشتياق معروف وأنجزنا المهمة.

وأذكر هذه الواقعة لأدلل على مدى قناعة الرجل عمن اختارهم حتى ولو كانوا بعيداً عن رئاسته.. ثم التدليل على قناعة الآخرين به حتى لو كانوا نظراء له.

- كان أمده الله بالصحة والعافية رجلاً تهابُ لقاءه حتى إذا قابلته أحببته وأعجبت به دون أن تزول آثار هيبته من مخيلتك على الإطلاق.. فتظل تهابه وتنتظر لقاءه رغم ذلك.

- وباختصار هو نموذج للقيادي الذي لا يختلف عطاؤه باختلاف موقعه.. ولا تتناقص قدرتُه وطاقتُه في أي موقع بسبب الكم الهائل من ثقافته واطلاعه.. وبأكثر من لغة.

- قبل الأستاذ جميل الحجيلان.. كانت الإذاعة ذكورية فقط.. ومن الطريف أن تعلم أن المرحوم -بإذن الله- الرائد الرائع طاهر زمخشري -بابا طاهر- وكان له صوتاً رقيقاً.. كان يقدم برنامج المرأة فقد كانت فكرة عمل مذيعة (وسعودية) أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً.. إن كان من شريحة الرفض أو من كثير من الأسر..

فما كان من الوزير الحجيلان.. إلا أن لجأ إلى فكرة في منتهى العبقرية والإقناع.. ففي الوقت الذي كانت الإذاعة تستعين بعطاء كبار الأدباء السعوديين ومشاركتهم الفعلية أحياناً في الجوانب الأدبية والفكرة السياسية..

استعان معاليه.. ببنات هؤلاء الأدباء وكُنَّ بالطبع من المثقفات والحاصلات على مؤهلات علمية بجدة فمثلاً كان هناك مع حفظ الألقاب شيرين شحاتة ابنة الأديب والشاعر المرحوم -بإذن الله- حمزة شحاتة، وكانت هناك نجاة العواد ابنة الأديب والشاعر المرحوم محمد حسن عواد وكانت هناك ولم تزل وهي مديرة مسؤولة في إذاعة جدة دلال ضياء ابنة المرحوم الأستاذ الأديب عزيز ضياء.. بل وكانت والدتها «ماما أسماء» تقدم برنامج الأطفال.

وإذا كان التاريخ سيذكر أن الأمير عبدالله الفيصل يرحمه الله هو المؤسس الأول والرائد للشباب والرياضة في المملكة، فإن الكل يتذكر أن الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله هو المطور الحقيقي للشباب والرياضة..

كذلك إذا كان التاريخ سيذكر أن إبراهيم الشوري وعبدالله بلخير ومحمد إبراهيم فودة يرحمهم الله هم المؤسسين للإعلام السعودي مع نفر غيرهم..

فإنني وغيري سيذكر أن الأستاذ جميل الحجيلان هو مهندس الإعلام السعودي الحديث ومطوره بلا جدال لأنه كان يرى في الوزارة منبراً للفكر والثقافات وليس مقعداً للممارسة سلطة أو التمتع بصلاحيات.

- إحساس الموظف بإبداع الوزير يظل دائماً أحد أهم إبداع الموظفين.. هذا ما شعرت به خلال عملي تحت قيادته.. ومعذرة إذا كنت قد نسيت بعد أربعين عاماً قياداتٍ عملت معها مباشرة ولكني أعترف أنني لا يمكن أن أنسى أنني عملت في زمن الحجيلان.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة