Saturday 14/12/2013 Issue 421 السبت 11 ,صفر 1435 العدد

بين الرفاعي والزهراني .. موت الأندية الأدبية يمتد

تحطيم المنجز في سكرة الاحتفال بالوعد (1)

يرى صديقي العزيز سعيد الدحية الزهراني أنني قدمتُ - في الردّ عليه - مقالة باكية/ مضحكة/ سطحية/ مثيرة للشفقة، وأنني قد تصدّيتُ للدفاع عن الأندية الأدبية؛ انطلاقاً من قلقي على أمان بطاقتي التعريفية (هكذا)، ومجاملة للمسؤولين أو القائمين على الشأن الثقافي، وممارسة لطقوس الحراسة المجانية على أفكارهم ومنجزاتهم...!!

لا بأس.. لا بأس..

سأنحيّ هذا كلّه؛ احتراماً لقلمي، وله، وللقارئ، وللثقافية، واحتراماً - من قبل ومن بعد - لقضايانا الملحّة، التي تتطلب منا (التركيز) على المتن، وتجنب التسيّب في الهوامش، والاسترسال خلف مناطحات لا تستمدّ قيمتَها - في الغالب - إلا من الشخصنة البغيضة، وسيظلّ صديقي الزهراني قريباً من القلب، وإن «يكن الفعلُ الذي ساءَ واحداً / فأفعاله اللائي سررنَ ألوفُ».

سأنحّي كلّ ما سبق، وسأبدأ في هذه المقالة من حيث يجب أن أبدأ:

-1-

قدمني صديقي سعيد الزهراني إلى قارئه الكريم كما لو كنتُ مصدّة للنقد الذي تتعرض له الأندية الأدبية، وعبّر عن هذه الفكرة الواهمة المتوهمة بـ «حارس الثقافة»..، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فالأندية الأدبية مؤسسة ثقافية، ومن أهمِّ عوامل نجاح المؤسسة الثقافية الجادة تعرّضها للنقد، وتطلّعها إليه، وإفادتها منه أيضاً..وقد كتبتُ هنا في الثقافية مقالة عن «نجاح د.الوشمي في أدبي الرياض» وأشرتُ - في مستهلّها - إلى ثلاث نقاط مهمّة، هي:

1 - وجود تفاوت كبير بين الأندية الأدبية في مستوى الحضور والفاعلية.

2 - إنّ نجاح بعض الأندية الأدبية يقابله إخفاقٌ كبير من بعضها الآخر.

3 - إنّ ما قدمه أدبي الرياض يفوق بمراحل ما قدمته أندية أدبية مجتمعة.

وفي ردي على الصديق الزهراني قررت أن هناك مشكلات تعاني منها الأندية، وأشرت إلى ثلاث مشكلات رئيسة، وأوضحت أيضاً أن الأندية تنشط في مسارات متعددة، وأن لكل مسار اعتباراته وعثراته؛ الأمر الذي يتطلب من الراصدين وضعَ تقويم خاص لكلّ مسار، فما يصدق على (النشاط المنبري) قد لا يصدق بالضرورة على (الإصدارات)، وهذه المنهجية مهمّة - من وجهة نظري - في توليد قراءات واعية وحصيفة للأندية الأدبية في بلادنا.

بعد هذا كلِّه لا أجد ما يسوّغ للصديق العزيز إفراغ كتابتي من هذه النزعة النقدية..، والزجّ بها في زوايا خرِبة لا تحتفل إلا بالمصالح والمكاسب!

-2-

حاول صديقي سعيد الزهراني التقوّي بآراء عدد من النقاد، ومن الطريف أن الآراء التي تقوّى بها تقف في الصفّ المقابل للرؤية التي يتبناها، وكما أخطأ في فهم مقالتي: د.حسن النعمي ود.إبراهيم التركي فقد أخطأ مرة أخرى، وبصورة أخطر، في فهم موقف د.عبد الله الغذامي، ومقالة د.سعيد السريحي، واستطلاع الزميل محمّد باوزير، وسأوضح ذلك بالتفصيل:

أولاً: لا أذكر - في حدود متابعتي - أن د.الغذامي قد قال بـ»موت الأندية الأدبية» أو ألمح إلى هذه الفكرة أو دافع عنها، وما استشهد به الزهراني لا علاقة له بقضية الأندية الأدبية، فالغذامي أمات (النقد الأدبي) ولم يمت (الأدب)، والأدب والنقد الأدبي غير الأندية الأدبية، وكيف يمكن أن يفهم الزهراني من الغذامي تقبله فكرة موت الأندية، وهو الذي أثنى على تجربة بعضها؟ ولا أدري كيف فهم منه ذلك وهو من طالب طويلاً بالانتخابات؟ وهو من كافأ أدبي مكة بكتابه «الجهنية»؛ لكونه النادي الأول الذي شهد مرحلة التحول إلى الانتخابات؟ وهو من شارك منبرياً في أندية مكة، وجدة، والطائف؟ وهو من سجّل على هامش مشاركته في بعضها إعجابه بالتنظيم والتفاعل والحضور؟

فإذا كان هذا كله مما يُستدلّ به على قناعة الغذامي بفكرة موت الأندية الأدبية، فما معنى الحياة؟! كيف سيكون معناها عنده وعند صديقي الزهراني؟

إن الخلط البائس هنا بين فكرة موت النقد الأدبي وفكرة موت المؤسسة الثقافية (الأندية الأدبية) هو الذي مهد لخلط أكبر وأخطر وأعمق بين عوامل أخرى سأشير إليها فيما يأتي، وهنا لا أنفي فكرة موت المؤسسة، بقدر ما أعترض على تنزيل هذا الحكم على حالة الأندية الأدبية في بلادنا!

ثانيا: استشهد الزهراني بمقالة د.سعيد السريحي: «الأندية الأدبية: تاريخ انتهاء الصلاحية» وهذه المقالة تقوم على طرح السؤال حول العمر الافتراضي للمؤسسة الثقافية، بل على البحث في إمكانية طرحه في الأصل، وهذه هي الوظيفة الرئيسة للمثقف: طرح الأسئلة واقتراح إجاباتها، وليس الإعلان عن حالات الوفاة، والمطالبة بـ (رسمنة) الإعلان في أسطر معدودة.

ثم إن السريحي علق الأمر على قافية رأس الوزارة، وحمّلها المسؤولية كاملة، وطالبها بالتحرك والاستدراك، ودعاها إلى البحث عن الصيغ العربية المتميزة في خدمة الفعل الثقافي، وهذا ما لم ينهض به صديقي الزهراني، فالسريحي ينطلق من ضعف الأندية إلى طرح السؤال، ومساءلته قبل العبور، ثم هو لا يجيب وإنما يدفع الوزارة إلى القيام بمسؤولياتها تجاه هذا السؤال المهم، في حين ينطلق الزهراني من ضعف الأندية - بحسب رؤيته - إلى ما هو أضعف وأجبن، إلى الموت، إلى لطم الخدّ وشقّ الجيب والاستعراض بالنحيب..، ولو فهم صديقي الزهراني المعنى العميق في مقالة السريحي لاختار لكلمته عنوان: «متى يعلنون ولادة المراكز الثقافية؟» وليس عنوان: «متى يعلنون وفاة الأندية الأدبية»!

ثالثاً: تقوّى صديقي الزهراني بالاستطلاع الذي أعده الزميل محمد باوزير، ونشرته الرياض بعنوان: «بمناسبة أربعين عاماً على تأسيسها: الأدباء يقيّمون دور الأندية الأدبية»، ورأى أنه يتبنى فكرة موت الأندية الأدبية، وهذا ضرب من الوهم (وربما التعدّي) لا يليق برجل قضى من عمره خمسة عشر عاماً في (الصحافة الثقافية)، ذلك بأن جميع المشاركين في ذلك التحقيق اتفقوا على أربع نقاط مهمة لا تحتمل معنى الموت، هي:

- الإيمان بالقيمة الكبيرة التي قدمتها الأندية الأدبية في مرحلة من مراحلها، وهذا ما أشار إليه بوضوح كبير د.حسن الهويمل، والشاعر محمد الحمد.

- الإشارة إلى التفاوت الكبير بين الأندية الأدبية في الرؤية والأداة.

- دعوة الوزارة إلى رصد المشكلات ومعالجتها (وهذا محلّ اتفاق بين المشاركين)، ودعوة إدارات الأندية إلى تحديث الرؤى والوسائل.

- دعوة أحد المشاركين إلى الانتقال من «الأندية» إلى «المراكز»، واتفاق بعضهم على أن ما تتعرض له الأندية الأدبية هو جزء من الأزمة التي تتعرض لها الثقافة والمثقف والفعل الثقافي.

جميع هذه النتائج المهمّة الواعية تتصل بما كنت عرضته في مقالة سابقة، ثم بما عرضته في ردي على صديقي سعيد الزهراني، وليس في هذه النتائج ما يعبر عن فكرة الموت إلا إذا كان الصديق يفهم فكرة التحوّل أو التحويل على أنها موت، فإن كان هذا فهمه فلا تعليق!

ينبغي هنا أن أسجل تقديري للوعي الصحفي الذي تحلى به استطلاع الزميل باوزير، لكونه قدّم المعرفة على الإثارة، وبنى الاستطلاع على أسئلة عميقة، واختار له عنواناً يعبّر بدقة عن اشتغال الأفكار داخل الاستطلاع وليس على رغبات المستطلِع، كما نجد في كثير من المواد التي بليت بها (الصحافة الثقافية).

وفي الآن ذاته أسجل استيائي من تحرف الصديق الزهراني إلى اختطاف التحقيق من سياقه ليخدم به رؤيته الخاصة، وإذا كنتُ أعذره فيما سبق فإنني لا أجد له هنا مخرجاً؛ لأنه احتاط لاختطافه بقوله: «أظنّ قارئه ينتهي إلى حقيقة واحدة مفادها الأندية الأدبية لم تعد تصلح للاستخدام المعاصر، وبعبارة أكثر لطفاً: يجب أن يعاد النظر في الصيغة والآلية والطريقة التي تعمل وفقها الأندية...»!!

إن الخلط بين المصطلحات، والسعي إلى الاستثمار الخاطئ لأفكار الآخرين (خاصة الرموز) في خدمة الإثارة الصحفية هو الذي جعلنا أمام إثارة مفردة، تجني على المؤسسة الثقافية من حيث تظنّ - أو تتظاهر - أنها في خدمتها؛ فأصبح نقد النشاط المنبري في مقالة د.إبراهيم التركي معبّراً عن القول بموت الأندية الأدبية، وصار نقد المثقف في مقالة د.حسن النعمي صورة من صور هذا الموت، وأصبح القول بـ (موت النقد الأدبي) قولاً بموت الأندية، واختلطت الأسئلة بالإجابات، والرؤى بالوسائل.. وسُكّت هذا القافلة من الأخطاء الكبيرة في فجّ صحفي ضيّق، يقول ولا يقول!

ولي في الحلقة القادمة حديث عن بعض المشكلات التي تتعرض لها الأندية الأدبية.

- خالد الرفاعي @alrafai