Saturday 14/12/2013 Issue 421 السبت 11 ,صفر 1435 العدد

كتاب «تاريخ القراءة» لمانغويل

العالم مزود ببطاقة تعريف

قد لايشعل شغفك بالقراءة مثل قارئ نهم، دفعه شغفه بالقراءة لتتبع خيوط تاريخ نشأتها، بيد أن هذا القارئ/الكاتب.

آلبرتو مانغويل في كتابه «تاريخ القراءة» يمكن أن يصدمك أيضا في بعض مقاطع كتابه عندما يخبرك بأسلوب أميل للمبالغة، أنه كلما التقى شخصا أو رأى مشهدا شعر أنه قد مر عليه من قبل، بسبب غزارة قراءاته.

ما يجعل البعض يتوهم أن القراءة قد تفقد المرء شيئا من طزاجة الحياة الواقعية وتفسد عليه متعة اكتشاف التجربة الأولى.

يقول مانغويل في كتابه:»استقيت تجاربي الأولى من الكتب عندما كنت مثلا أواجه حدثا ما، أو أرى مشهدا من المشاهد، أو أتعرف على شخص معين، فإن جميع تلك الأشياء كانت تذكرني بأمر كنت قد قرأت عنه، مما كان يولد عندي على الفور الإحساس بأنني كنت أعرف كل ذلك نظرا لأنني كنت أرى أن الحدث الحاضر كالشيء المقروء كان قد صادفني مرة من المرات». وقد يبدو هذا غير مقبول تماما لأن الحياة التي نعيشها ليست بهذه البساطة بحيث يتطابق مانقرأه عن حيوات آخرين مع مانعيشه، لأن لكل تجربة حياتية سماتها وظروفها وإن تشابهت الخطوط العامة أحيانا.

لكن مانغويل يعود ويؤكد في موضع آخر من الكتاب بأن» الكتب تستبق التجارب والخبرات، حيث تعرفت لاحقا على أحداث كنت قد قرأت عنها في كتب هربرت جورج ولز»، ويتابع في مقطع ثالث قوله:»على غرار أفلاطون انتقلت من المعرفة إلى الموضوع حيث وجدت في الفكرة واقعا أكثر من الشيء نفسه لأنني حصلت على الفكرة أولا التي كانت قد وصلتني كشيء. وفي الكتب تعرفت أيضا على العالم، مهضوما ومصنفا، ومزودا ببطاقة تعريف».

وبعد قراءة المزيد من مقاطع الكتاب يتأكد لك أن المؤلف الذي يعلي كثيرا من قيمة القراءة يورد مقولاته تلك على سبيل الإيجاب لا السلب، محاولا تكريس القيمة المعرفية لمخرجات القراءة، ودورها في تعريفنا بالحياة، حتى لكأننا عبر القراءة نحصل على بطاقة تعريف للعالم يمكن أن تكون واقعية أكثر من الواقع نفسه حسبما يقول! وقد صدرت الطبعة الرابعة من كتاب مانغويل»تاريخ القراءة» عن دار الساقي عام2013 بعد نحو 12 عاما من صدور طبعته الأولى.

وفي نوع من المغايرة استعاض مانغويل عن مقدمة الكتاب كما هو متعارف عليه بصفحة معنونة بـ«الصفحة الأخيرة»، مقسما الكتاب إلى ثلاثة أقسام هي:» فعل القراءة»، و«سلطان القارئ»، و«الصفحات الأخيرة».

وتبدو صيغ عناوين عدد من مواضيع فهرس الكتاب ذات فنية لافتة، من قبيل »قراءة الظلال»،»كتاب الذاكرة»، القراءة الوحدانية»،القارئ الرمزي»،القراءة الممنوعة»،القراءة خلف الجدران»،الكاتب كقارئ»،مجازات القراءة»،»الصفحة الأولى المفقودة». ويستهل المقدمة أو الصفحة الأخيرة كما أسماها بعبارة رائعة لاغوستاف فلوبير»إقرئي كي تحيي»، يليها عدد من اللوحات العالمية، تمثل صور أصدقاء القراءة، ومنها لوحة: «أرسطو الفتى»لتشارلس دجورج، ويتولى مانغويل قراءة حركة شخوص الصور.عابرا نحو تخوم نصيحة فنان مجهول:»إقرأ لتهدأ»، تظهر في الصورة التي رسمها على الزجاج لصياد السمك وكاتب المقالات إزاك ولتن الجالس على ضفة جدول إتش مستمتعا بمطالعة كتيب. كما تظهر إحدى الصور المدرجة في الكتاب الكاتب بورخيس الكفيف يكبس جفنيه المغلقين من أجل الاستماع إلى قارئ خفي بصورة أفضل.

علاقة مبكرة:

ومن ثم يعود مانغويل أدراجه ليسرد بدايات نشوء علاقته المبكرة بالقراءة يقول:»في الرابعة، اكتشفت فجأة أنني أستطيع القراءة...،وما أن تمكنت من ربط العلامات السوداء النحيلة بعضها مع بعض وتحويلها إلى حقائق حية، حتى أصبحت إنسانا جبارا، كنت أستطيع أن أقرأ»، محيلا إلى طاقة القراءة الفعالة ومقدرتها الجبارة على فعل التغيير مشبها فعل القراءة بأنه»كان الأمر بمثابة اكتشاف مفاجئ لحاسة جديدة، وكيف أن الأمور لم تعد تعني فقط ما كانت تراه العين، وما كانت تسمعه الأذن، وما كان يتذوقه اللسان، وما كان يشمه الأنف، وما كانت تحس به الأنامل، بل كل ما كان بمقدور جسدي برمته أن يحله من رموز وطلاسم وأن يستوعبه ويملأه بالحياة ويعطيه صوتا ليقرأ»، خالصا إلى أننا جميعا قراء في صفحات هذا الكون العظيم لأننا جميعا نشاطر: قراء الكتب»معرفة العلامات وتزويدها بالمعاني».

وعرف القارئ بأنه من» يتعرف في موضوع ما، أو مكان ما أو حادث ما، على القابلية المحتملة للقراءة.والقارئ أيضا هو الشخص الذي يستطيع أن يعطي معاني لمنظومة من العلامات من أجل فك رموزها فيما بعد».

نقرأ لنفهم:

وحول السؤال لماذا نقرأ، يجيب مانغويل»جميعنا يقرأ نفسه والعالم المحيط بنا من أجل أن ندرك من نحن، وأين نحن موجودون. إننا نقرأ كي نفهم، أو من أجل التوصل إلى الفهم»، معتبرا القراءة المعادل الوظيفي لفعل الحياة القائم على التنفس. «إننا لا نستطيع فعل أي أمر مغاير: القراءة مثل التنفس ، إنها وظيفة حياتية أساسية».

حيث مفتاح فهم العالم يكمن في قدرتنا على قراءة هذه الأحرف والأرقام بصورة صحيحة، وبذا نلحظ كيف يكرس مانغويل عبر فصول كتابه فاعلية مخرجات القراءة وأثرها في تشكيل وعينا مبكرا، بل ومنحنا بطاقة تعريف بالعالم وخارطة طريق.

شمس علي - الدمام