Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
فضاءات
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
لكننا لم نرضَ عن (الثقافية) يامعالي الوزير ...!
خالد بن أحمد الرفاعي

 

1-لم أخفِ فرحتي بظهور القناة الثقافية كما لم يخف الكثيرون فرحتهم بها، ولم أتردّد في أن أقول مثلهم – من خلال شاشتها – في أول لقاء ضُيّفتُ فيه : «إننا لا نملك أمام انطلاقتها إلا خيارين: إما إن نباركها وإما أن نباركها..» .

كنتُ مؤمناً بأنّ مجرد انطلاقتها نجاحٌ يسوِّغ احتفالنا، وكنت على يقين من أنها لن تعاني من الجمود ولا الركود ولا البطء الشديد، ولا من الحاجة إلى الكفايات الإعلامية؛ فطول بلادنا تاريخيّ وليس جغرافياً فحسب، وقيمتها معنوية وليست مادية فقط، وعلى أرضها تقف -مثل النخيل- ثلاثون جامعة حكومية وأهلية (بل تزيد)، وفي كلّ جامعة كليات وأقسام علمية، تعنى بالأدب والنقد، والفكر، والثقافة، والفلسفة، والسياسة، والسياحة، والتشكيل، والإعلام...، ويتوزّع على ذراعيها ستة عشر نادياً أدبياً، في كلِّ نادٍ نشاط وربما أكثر في الأسبوع الواحد، وفي كل نادٍ سياقات متعددة للنشاط الثقافي...، ولدينا - من وراء ذلك كلِّه - عشرات المؤتمرات والملتقيات والمهرجانات، هذا بالإضافة إلى الصالونات الخاصة والجمعيات العلمية...، مما لا تستطيع الإحاطة به آلاف التقارير (التلفزيونية) ...

كنتُ واثقا من أنّنا نملك عوامل النجاح قبل إنشائها، وأننا لم نكن نحتاج على امتداد السنوات الماضية إلا قرار الإنشاء؛ لنمدّ به شرفةً واسعةً لصوت وطني مهمّ، لايقلّ – في أسوأ حالاته – عن الأصوات الأخرى كالرياضة والفنّ !! لذلك لم يكن أمامي ولم يكن أمام الكثيرين إلا الاحتفال بانطلاقتها، ومباركة ظهورها دون أن نمنح أنفسنا صلاحية الخوض في التفاصيل ...

لكنّنا – مع الأيام – اكتشفنا ما فرّق عنا هذه الفرحة، وجعلنا في متابعة أحلامنا كالذي يلتمس ماءً في سراب بقيعة...؛ إذ مازالت القناة الوحيدة التي تعبِّر عن صوتنا دون المؤمّل حتى وهي تسعى إلى الانتقال من حال إلى حال، ولقد فشلتْ – خلال المدة الماضية - في إنتاج برامج جاذبة، ومعالجة قضايا ساخنة، كما فشلت في صناعة جمهور (ضمني) خاص بها..، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إنّ العشرات ممن أعرفهم من الأدباء والنقاد والكتاب لا يتابعون برامجها، ولا يجدون فيما تقدّمه ما يتناغم مع أقلّ طموحاتهم (وسأتحمّل شخصياً مسؤولية هذا القول) !

2- إنّ أولى مشكلات (الثقافية) تكمن في أخذها الثقافة بالمعنى العامّ، وحرصها على توظيف هذه الرؤية المفتوحة في خططها وخرائطها، وسأضرب على ذلك مثالا بانصراف بعض البرامج (أو حلقات منها) إلى الاحتفاء بطرفٍ من الشعر العامي، وتخصيصها ساعات من البثّ لتقديم تسجيلات غنائية أو موسيقية..!

لم تسأل الوزارة نفسها عن مسوغات تمسّك (الثقافية) بالمعنى العام للثقافة في زمنٍ يأرز إلى التخصّص على المستوى الإعلامي، وهو ما تعبِّر عنه عشراتُ القنوات المتخصِّصة في التعليم، والرياضة، والاقتصاد، والفنّ ؟

لم تسأل نفسَها عن الإضافة التي ستقدِّمها (الثقافية) إلى الشعر العامي في ظلّ وجود قنوات معنيّة به كـ (الساحة) و(الصحراء) ؟ وما الذي ستضيفه إلى الفنّ بأنماطه المتعدّدة في ظل وجود قنوات غنائية تعليمية وترفيهية كثيرة ؟ وما الذي ستضيفه إلى الدراما أيضاً في ظلّ وجود قنوات متخصِّصة في الإنتاج والعرض من مثل مجموعة قنوات (mbc) وأبو ظبي وغيرهما ؟!

إنّ غياب هذه الأسئلة، أو عدم التحرّف للإجابة المقنعة عنها هو ما يولِّد القول بضبابية أو اختلال الرؤية في هذه القناة، وهو ما ترك (وسيترك أثراً واضحاً باستمرار) في المراحل التي مرّت أو ستمرّ بها، بل في كلِّ برنامج من برامجها على حدة...، ومن يتدبّر الملفات التي تفتحها القناة في برامجها، واختيارات بعض البرامج، ومواد التقارير، وطرائق طرح الأسئلة، ومستوى بعض المذيعين يجد جزءا كبيراً من آثار هذه المشكلة .

إن المخرج الرئيس لحالة الجمود التي تمرّ بها (الثقافية) يكمن في معالجة هذه الرؤية، وفي الانتقال من المعنى العامّ للثقافة إلى معنى خاص، من شأنه تمييز ما تطرحه هذه القناة عما تطرحه القنوات الأخرى .

إن التوجه إلى وضع رؤية دقيقة لـ (الثقافية) يتطلب – أولاً - إشراك المثقف في صياغتها، ويتطلب – ثانياً - عملا جادا مخلصا، لن يستطيع النهوض به إلا معني بالهمّ الثقافي، مسهم فيه، مؤمن بقيمته ومردوده المادي والمعنوي في كلِّ مرحلة تمرّ بها بلادنا.

3- ومن المشكلات الكثيرة التي تعاني منها (الثقافية) المشكلة الفنية، ويمكن أن نتلمّس بعضَ خيوطها في التداخل النسبي بين أفكار عدد من البرامج، أو بين طرائق تنفيذها، كالذي نجده بين برامج «صباح الثقافية» و»الثقافة اليوم» و»المنتصف»؛ الأمر الذي يتطلب منح كلِّ برنامج ما يستقلّ به عن غيره داخل القناة وخارجها.

كذلك يرصد المتابع خيوطاً أخرى للمشكلة الفنية في عجز الكلمة عن مجاراة الصورة، أو عجز العدسة عن مجاراة الحادثة، ويستطيع المشرف على القناة العودة إلى عدد من حلقات برنامج (متاحف خاصة) ليرى بعينيه ما لا يمكن قبوله ولا السكوت عليه.

أضيف إلى ما سبق بروز الشريط الإخباري واختفاؤه في اللحظة نفسها، واهتزازات (الكاميرا) في البرامج التي تتطلب عدسة متنقّلة بشكل لم أجد له مثيلا في أي قناة أخرى، ومن ذلك أيضاً انقطاع صورة التقرير مع استمرار الصوت، وتحدث المذيع دون (انفتاح) الصوت.. وقراءة الأخبار من الصحف مباشرة، والاعتباطية والرتابة التي تغلِّف عملية تصميم (ديكورات) عدد من البرامج.

ولقد أضرّت هذه المشكلات بعدد من البرامج القيّمة التي سعت القناة إلى إنتاجها أو عرضها من مثل «المتن والهامش» و»حديث العمارة»، و»فوتوغرافيا»، و»نخلة وزورق» و»الورشة» وغيرها من البرامج المهمّة والجديرة بالاحترام والتقدير.

إننا نتطلع إلى أن تفتح هيئة الإذاعة والتلفزيون حواراً داخلياً غايته وضع رؤية واضحة للثقافية، يمنحها (أو يمنح عددا من برامجها على الأقلّ) خصوصية قادرة على تشكيل جمهور خاص يجد فيها ما لايجد في غيرها، كما نتطلع إلى أن يكون فريق العمل في الثقافية أكثر صرامة في اختيار المقدمين والمذيعين والفنيين المبتدئين، وأكثر جدية في تدريبهم وتطوير قدراتهم، وأكثر تمسّكاً بالمذيعين الذين أبدوا تميزاً في إعداد وتقديم بعض برامجها.

ونتطلع كذلك إلى دعم مادي أكبر، نجد له أثراً في عمليات التصميم والإنتاج والإخراج والتنسيق والتسويق، وأن تحرص القناة على تفعيل حسابها في (تويتر)، ورفع حلقات برامجها مباشرة إلى (اليوتيوب) أسوة بما تنهض به القنوات كلُّها دون استثناء..

هذه أسطر معدودة تنقل إلى المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام عدم رضى الكثيرين عن (الثقافية)، ورجاؤنا أن يحتفلوا بهذا الصوت الناقد، كما احتفلوا – قبل أيام معدودة – بإشادة ورضى معالي الوزير، التي عبّر عنها في إجابته عن سؤال الزميل سعيد بن دحية الزهراني (انظر: المجلة الثقافية ذات العدد 398) !!

alrafai@ الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة