Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
فضاءات
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
رفيف
فسيفساء الذاكرة و المخيلة الشعرية 5-7
فاطمة الوهيبي

 

لقد تبنت دلال حازي في ديوانها (تشريح الأرنب الأبيض) كما أشرت في المقالات الماضية رؤية شعرية تحاول أن تزيح الغطاء عن الظواهر، وتضع الأشياء والمسلمات في تجاورها أو امتزاجها تحت ضوء المخيلة. كما أنها بهذه المحاولة لإزاحة غطاء الظاهر تسعى لوضع الأشياء والأفكار داخل إطار نسبية أو شكوكية واضحة. ثمة مسعى حاد في الديوان لهز الصور والأفكار السائدة، ومحاولة لرؤية الأمور من زاويتها الشعرية الخاصة، وهي زاوية جديدة وصادمة أحيانًا. ولكن من الواضح أن هذا مطلب فكري وشعوري وشعري في الوقت نفسه حرصت على بثه في القصائد كلها، وكأنما كانت رسالتها هي التشكيك وكشف خديعة الظواهر وعدم الثقة بالمعطيات الجاهزة سلفًا.

وقد عرضت في المقالة السابقة كيف نبشت دلال أديم الأرض ذلك الأديم الذي جاء في رؤية المعري لتبحث عن جثث خفية، وكيف عركت قطرة دم على البلاط لتحولها إلى ريش عصفور كان يقف ملحًا يحاول ثقب جلدها. وأضيف إن عنوان ديوانها (تشريح الأرنب الأبيض ) يحمل كلمة تشريح، والتشريح مسألة تتجاوز الجلد الظاهر لتغوص إلى النسيج الداخلي والأعضاء الخفية. التشريح يحتاج إلى مبضع أو شفرة، لذا لا نستغرب إذ تقول في قصيدة بعنوان (ما قلته للمارد):

«أريد اللغة التي هي نصل...../ أريد اللغة التي ليست لها سماكة الشيء / لكنها تعبر تمامًا عنه فيكون...../أريد لغة لها حكمة المحتضر والنسوة اللائي ينتظرن/ أريد لغة لها التفات الماء إلى مجراه /وسكون الحجر /لها المفاتيح والقوس واليد التي تهز الغصن / أريد اللغة /لكنها /تفلت».

إن اللغة التي تقف على حد الاحتضار هنا هي اللغة التي تحلم من بدء التكوين إلى الحاضر وآخر العمر الذي على وشك أن ينتهي، وفي الوقت نفسه ينقذف إلى المستقبل.إنها الحلم بلغة شعرية تجمع الماضي والمستقبل (أذكّر القارئ بمقولة إليوت ورؤيته التي عرضتها في مقالة الأولى من هذه السلسلة) حيث تصبح القصيدة ليست سوى (التفات الماء إلى مجراه) تلك الالتفاتة ليست سوى عودة حتمية إلى الماضي، وهي لحظة تشريحية تعود إلى الأشياء والأفكار تقف عندها بمبضع المساءلة والتشكك.

والماء نفسه الذي التفت إلى مجراه في القصيدة السابقة هو نفسه الماء الذي سيرتاب في أمر نفسه في قصيدة بعنوان (الأبدية الناقصة لأعمدة الكهرباء) تقول:

«الماء متعب ولا طاقة له في أن يناورنا بطوفان جديد/ ومع هذا نصنع بدأب زوارقنا الصغيرة المتهالكة/.... ها نحن نسير متثاقلين تحت الرمادي في المدينة/ لو أنك تكون ظلاً أيها الرمادي لنفهم أو نرتاح قليلاً/ يا دخان الأخضر عندما كان عشبًا/ يا دمًا في قاع المحيط/ يا أيتها السحابة العالقة بين أعمدة الكهرباء والماء الذي يرتاب في أمره/ يا أيها التفسير والتأويل والمتن والشواهد».

هذه النزعة التي لا تثق بقشرة الأشياء وظواهرها هي التي تلاحق زوراقنا المتهالكة بحثًا عن نجاة من طوفان لن يحدث، هذه هي المخيلة الشعرية التي تلاحق حتى نية الماء و السحابة العالقة بين أعمدة الكهرباء، هذا الماء الذي التفتت هي لمجراه هذه المرة، ورأت سحب الارتياب فيه عالقة في كتب التفسير بين المتن والشواهد !

الرياض Rafeef2010@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة