Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
حوار
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
الكاتب الإعلاني الجندي المجهول خالد السالم لـ الثقافية :
ما السر خلف أشهر العبارات الإعلانية التي نحفظها عن ظهر قلب

 

الثقافية- خلود العيدان

مالذي يجري خلف كواليس الإعلان؟ و من هو مبدع النص الإعلاني؟ النص الذي ربما أمضى معنا الكثير من السنوات دون أن نعرف من هو مبدعه! بعض تلك النصوص الإعلانية الشهيرة، امتزجت بأحاديثنا العائلية، صاحبت ضحكاتنا وتعليقاتنا، ارتبطت بمراحل معينة من حياتنا وربما كانت محور نقاش جدي في عالم الأعمال ولعلها في مكان آخر تمثل حملة إنسانية أو تتصدر قضية ساخنة. ولكن لماذا لا نعرف الكثير عن الكتابة الإعلانية في عالمنا العربي رغم أننا نحفظ الكثير والكثير من النصوص الإعلانية الشهيرة ؟

(الثقافية) التقت بالكاتب الإعلاني السعودي خالد السالم ليروي حكايته مع كتابة الإعلان ويشفي غليل الأسئلة عن عالم الكتابة الإعلانية Copywriting في السعودية، معرفاً إياها بأنها عملية إبداع النصوص للإعلانات التجارية وصياغتها بأسلوب جذاب من أجل شد انتباه الجماهير المستهدَفة إلى وجود منتَج ما، وترغيبها أو تذكيرها به، فالكتابة الإعلانية - كما يرى- مهنة إبداعية في الأساس، ولكنها موجهة لأهداف تجارية. فالكاتب الإعلاني يكتب كل ما من شأنه الترويج للمنتجات على تعدد أشكالها وأنواعها. و تتضمن تأليف الإعلانات بكل أشكالها، المرئية (المتلفزة) والمسموعة (الإذاعية) و المقروءة (الصحفية وإعلانات الطرق وغيرها). كما يقوم الكاتب الإعلاني بتأليف الأغاني أو الترانيم الترويجية الخفيفة التي ترسخ في أذهان المتلقين، مثل: «أووه.. ما أطيب قودي»، أو حتى الإعلانات التي تقوم على أفكار غنائية كما يقوم الكاتب الإعلاني أيضاً بابتكار الأسماء التجارية للمنتجات والخدمات والمشروعات والمنظمات، ويقوم كذلك بكتابة جميع النصوص الموجودة على المنتجات، وبكتابة المطبوعات الترويجية والتقارير المؤسسية.

موضحاً أنه قد يخلط بعض الناس بين مصطلح الكتابة الإعلانية Copywriting ومصطلح آخر هو Copyrighting وهو مصطلح قانوني يعني حفظ الحقوق الفكرية للمصنفات الفنية والأدبية، أما المصطلح الذي نتحدث عنه هنا فهو مصطلح إعلاني تسويقي مختلف تماماً، ولكن تشابه المصطلحين في طريقة النطق والكتابة بالإنجليزية قاد البعض إلى هذا الالتباس والخلط.

وللإجابة عن تساؤلنا السابق لماذا لا يعرف الكثيرون في عالمنا العربي عن الكتابة الإعلانية فقد أوضح السالم أن عملية صنع الإعلان برمتها عملية تتم خلف الكواليس، فلا يرى الجمهور إلا المنتَج النهائي وهو الإعلان مع اسم الشركة (أو الماركة) الظاهر فيه، ويعتقد معظمهم بأن الشركة أو الماركة هي من ولّد فكرة الإعلان ونفذها و هذا هو الجزء الظاهر من عملية صناعة الإعلان، أما الباقي فهو غائب تماماً عن الأنظار، فلا يعرف الناس كيف تم إبداع الإعلان، ولا يعرفون عن الوكالات الإعلانية، ولا عن طبيعة عملها.. فمن الطبيعي إذاً بألا يعرف الناس الكثير عن الكتابة الإعلانية كما أن مجال الكتابة الإعلانية ليس بذلك المجال المعروف كمهنة واختصاص، حتى في الغرب، ولا يعرفه في العادة إلا أهل الصنعة والمقربين من مجال التسويق والإعلان.

مضيفاً أن الكتابة الإعلانية مجال جديد نسبياً من مجالات الكتابة، ولم ينشأ ويصبح مجالاً قائماً بذاته إلا في القرن الماضي على يد الأمريكان تحديداً. وسُمي هذا المجال في الإنجليزية بذلك لأن كلمة Copy تعني نص الإعلان كما تعارف أهل الاختصاص على ذلك ممن أسسوا هذه الصنعة. ونص الإعلان هو مجموع الكلمات التي يحملها الإعلان التجاري، سواء أكان الإعلان مقروءاً أم مرئياً أم مسموعاً. والكاتب الإعلاني Copywriter هو الشخصية المركزية التي تضطلع بدور رئيس في إبداع الفكرة الإعلانية وصياغتها وتقديمها بشكلها النهائي.

و في الكتابة الإعلانية يأتي الإلمام بقواعد اللغة ودقائقها لاحقاً عند تقييم قدرة الكاتب الإعلاني ولايكون هذا الإلمام مهماً إلا عند كتابة النصوص الطويلة كالمطويات الترويجية والكتيبات التعريفية والتقارير المؤسسية والأفلام الوثائقية - حسب رأيه - مؤكداً معرفته الشخصية بالكثير من الكتاب الإعلانيين ممن ليس لديهم إلمام جيّد بقواعد اللغة وأصولها، لكن هذا لم يمنعهم من إبداع إعلانات مبهرة. وقد يعتمد بعض هؤلاء أحياناً على مدققين لغويين، أو على أي فرد آخر داخل الوكالة الإعلانية يكون لديه إلمام لغوي جيد.

وعن المحلي من النصوص ذكر « أنه كثيراً ما تكون الرسالة الإعلانية بالدارجة المحلية، فلا تحتاج إلى تدقيق.. لأن اللغويين يرفضون استخدام العامية في الكتابة إجمالاً، وهو موقف أحترمه، لكن ا ستخدام العامية في الإعلان قد يُعد أسلوباً مشوقاً يزيد من جاذبية رسالة المعلِن» .. موضحاً ذلك بمثال عن إحدى شركات رقائق البطاطس المعلبة التي كانت رسالتها الأصلية بالإنجليزية:(Once you pop, you can›t stop) ، فكان الكاتب الإعلاني العربي موفقاً جداً عندما واءم هذه العبارة ثقافياً وصاغها بالعامية: (لـمّا تُفك.. ما حتصُك)، وانتشرت هذه الرسالة سماعياً ولاقت نجاحاً كبيراً. مضيفاً أن «المقدرة الجوهرية التي يتطلبها عمل الكاتب الإعلاني أينما كان هي الإبداع في صياغة الرسالة الإعلانية (العناوين الرئيسة للحملات، والكلمات الرنانة والشعارات اللفظية، والأسماء التجارية)، وهذا أمر يتطلب ذكاء في الصياغة - حسب رأيه - مع فهم عميق للثقافة التي ينتمي لها الجمهور الذي يستهدفه الإعلان».

وبالحديث عن مدى تأثير قلة معرفة الناس بهذا المجال في صناعة الإعلان السعودي أوضح أن قلة المعرفة بها يؤثر أكثر على الشركات والمؤسسات المعلِنة وسمعتها لا على الناس، لأن هذا الجهل -حسب قوله - يقود إلى إغفال أهم عامل في صناعة إعلان مميز وهو النص الإبداعي المؤثِّر، فتنخفض فاعلية الإعلان، أو ربما تسيء الشركة المعلِنة إلى نفسها بصنع إعلان رديء.

التقدير الذي يبحث عنه أغلب الكتّاب يبدأ من وسم اسم الكاتب على غلاف كتابه أو في ختام مقالته ولكن للكاتب الإعلاني قصة أخرى، فالسالم أشار إلى أن قدَر الكاتب الإعلاني أن يكون دوماً في الظل، بسبب طبيعة صناعة الإعلان، حيث كل شيء في النهاية يُنسَب للمُعلِن (الشركة أو الماركة) ويخرج للناس باسم هذا المُعلِن و يرى أن هذا الأمر عادي، فالكتابة الإعلانية ليست فناً إبداعياً محضاً كالتشكيل والنحت، لكنه فن موجه لتحقيق أهداف تجارية، والكاتب الإعلاني و وكالة الإعلان يأخذون من المُعلِن حقهم المادي كاملاً وهذا هو التقدير الذي يبحثون عنه في الحقيقة مضيفاً أن التقدير الآخر الذي يبحث عنه كل كاتب إعلاني هو أن تُرشَّح أعماله الإبداعيه في المسابقات الدولية وأن ينتشر صيته، لكن هذا لا يتأتى إلا من خلال العمل لوكالات إعلانية كبرى.

أسر السالم لـ( الثقافية) بأن المزيج السحري الذي يصنع كاتباً إعلانياً متميزاً هو المزج بين حب اللغة وفهم طبيعة التسويق والأعمال التجارية موضحاً أن الكتابة الإعلانية مثلها مثل أي فرع آخر من الكتابة؛ لا تحتاج إلا إلى ملَكة الإبداع، وشيء من أدوات التمكن اللغوي، وكثير من القراءة والاطلاع وفهم الثقافة مشيراً إلى أن أغلب الكتاب الإعلانيين اليوم يتخرجون من كليات الإعلام والاتصال أو الآداب واللغات.

وفي الحديث عن التخصصات الدراسية التي تعنى بالكتابة الإعلانية أكد عدم تأييده لذلك لكون الفرص الوظيفية لهذا التخصص نادرة جداً، فالكاتب الإعلاني لا يعمل غالباً إلا تحت مظلة وكالة إعلانية، وهذه الوكالات عدد المتميز منها محدود، ودخلها كذلك، وتمر بالكثير من الأزمات المالية الخانقة بسبب التغيرات التي تعصف حالياً بطبيعة صناعة الإعلان، نظراً لتوجه مجمل الصرف الإعلاني على بدائل إلكترونية تفاعلية متطورة، لا على الأشكال التقليدية من الإعلان كما كان سابقاً.

وبسؤاله عن دور التعريب في العملية الإعلانية أوضح أن ما يقوم به الكاتب الإعلاني ليس الترجمة ولا التعريب، لكنه يقوم بما أطلق عليه «المواءمة الثقافية»، ويعد نقلاً للمعنى الأصلي للرسالة الإعلانية من لغتها الأجنبية إلى العربية، ولكن بأسلوب إبداعي يتوافق مع ثقافة المتلقين ويوضح رسالة المعلِن الأساسية. متبعاً ذلك بمثال عن «لا دموع بعد اليوم» أو (No more tears) لشامبو الأطفال من جونسون آند جونسون فقد كان شعاراً فاعلاً من الناحية التسويقية، إلى درجة أنه لم تستطع أية شركة من اختراق هذا السوق (سوق شامبوهات الأطفال) حتى الآن، وبقي حكراً على جونسون آند جونسون لعقود.

وأضاف «أن المواءمة الثقافية تتطلب من الكاتب الإعلاني السعودي فهماً جيداً للغةٍ أجنبية (الإنجليزية في العادة)، مع فهمٍ عميق للثقافة المحلية التي يخاطبها النص الإعلاني المنقول». فقد قام السالم بمواءمة كثير من الإعلانات الأجنبية وإدخالها إلى العربية بنجاح، وعمل على نقل كثير من الأفكار الإعلانية لعدد كبير من الشركات والماركات الأجنبية في مجالات وقطاعات متنوعة كإعلانات شركة نوكيا أثناء فترة تسيدها للسوق، حيث كانت تأتي إعلاناتها من أوروبا باللغة الإنجليزية، ليعمل على مواءمتها ثقافياً لنشرها في السوق السعودية.

و بالتطرق للأسماء اللامعة في مجال الكتابة الإعلانية في عالمنا العربي أشار السالم إلى فيليب سكاف، صاحب شعار قناة العربية «أن تعرف أكثر»، و نزار الهندي صاحب شعار «مصر.. البيت بيتك» في الحملة السياحية الشهيرة لجمهورية مصر العربية، و طارق نور صاحب حملة «الضرايب.. مصلحتك أولاً» لصالح مصلحة الضرائب في مصر، كما ذكر من السعودية محمد عسيري مؤكداً أنه أستاذ في الصنعة و رمز ومن المتميزين في المجال، مضيفاً أنه عمل معه وتعلم منه الكثير.

وعن تجربته كان لا بد «أن نعرف أكثر» .. روى السالم لـ(الثقافية) تفاصيل الحكاية وكيف بدأ و أين أوصلته خطواته في عالم الكتابة الإعلانية:

« في الحقيقة كان الأمر مستغرباً أن تجد سعودياً يعمل في هذه الصنعة، فأغلب الكتاب الإعلانيين الموجودين هم من إخوتنا اللبنانيين، وعدد السعوديين كان وما يزال قليلاً جداً جداً، درستُ تخصص التسويق في الجامعة، وأخذت كورساً كاملاً عن الإعلان خلال دراستي، تشربت من خلاله العملية الإعلانية وفهمتها كما نشأتْ وتطورتْ في الغرب، وعرفت حينها الكتابة الإعلانية ودورها الأساسي في صناعة الإعلان، كما أخذت في الجامعة عدداً من الكورسات الاختيارية في اللغة العربية فزاد عشقي لها، درسني فيها عمالقة في العربية من أمثال الدكتور جابر قميحة والدكتور عبدالمجيد المبارك. وتخرجت.. وكان حلمي أن أعمل في وكالة إعلانية بعد التخرج، لكن بدا الأمر صعباً في البداية. فعملت عندما تخرجت في الجانب الإداري من عملية التسويق، في إدارة المنتجات وتطوير الماركات تحديداً. وكنت متابعاً جيداً للصحف، وفي أحد الأيام وجدتُ إعلاناً صحفياً عن عدد من الوظائف في وكالة إعلانية دولية مكتبها في الرياض. فقمت بجمع كل ما عملته من أعمال إبداعية نفذتها بعد التخرج وأثناء مسيرتي العملية في التسويق ووضعته في ملف، وقدمته مع سيرتي الذاتية، وذهبت به إلى مقابلة وظيفية بعد أن اتصلت بالرقم الموضح في الإعلان. وفي هذه المقابلة، سألني المسؤول إذا كانت هذه الأعمال من إبداعي أو تمت بمساعدة أحد، فأقسمت له بأنها من إبداعي.. فابتسم، وقال لي بإمكانك أن تنضم إلينا من الغد. وبهذا دخلت إلى عالم الإعلان، عبر عملي ككاتب إعلاني مبتدئ في وكالة إعلانية دولية، إلى أن وصلت فيها لمنصب مساعد مدير القسم الإبداعي.. ثم خرجت بعد ذلك بعدة سنوات، وعملت بمفردي في المجال الإبداعي، ثم خضت عدداً من التجارب التجارية في تطوير الماركات. وما زلت أقوم بالكتابة الإعلانية والاستشارات في مجال التسويق والاتصال التسويقي لحساب مشاريع خاصة حتى الآن، وقد كتبتُ مؤخراً نصاً لفلم تعريفي لمؤسسة الملك خالد الخيرية، وقد تم نشره في اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعية، ولاقى صدىً جيداً». بعيداً عن الكتابة الإعلانية التقليدية وقريباً جداً من الكتابة الإعلانية لمواقع الإنترنت، أوضح السالم الفرق بكونهما يختلفان في نقطة جوهرية ؛ وهي أن الكتابة الإعلانية لمواقع الإنترنت ذات نزعة انتقائية للكلمات، بحيث يُضمِّن الكاتبُ في كل مقطعٍ نصيٍ الكلمات المستهدَفةَ من قبل المتصفَح عند بحثه في محرك البحث، بحيث تكون هذه الصفحة أو الموقع من ضمن الخيارات الناتجة له عند إجراء بحث عن موضوع ما، وذلك بهدف زيادة زاور ومتصفحي الصفحة أو الموقع. فمثلاً، لو افترضنا أن متصفحاً للإنترنت من الرياض يبحث عن خدمة تأجير سيارات، فالموقع الذي يُكتَب فيه عبارتي «مدينة الرياض» و»تأجير سيارات» بشكل مكثف، سيكون من ضمن نتائج الصفحة الأولى في محرك البحث لهذا الشخص عندما يبحث عن هذه الخدمة.

ومن الجدير بالذكر أن للسالم كتابا (سيرة ذاتية وانفتحت) قيد الطبع حالياً ، ويعمل أيضاً على ترجمة كتاب (اعترافات رجل إعلانات) و هم أهم كتب أسطورة الإعلان الإسكتلندي ديفيد أوغلفي David Ogilvy، وفيه يعرض المؤلف سيرته الذاتية بأسلوب روائي.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة