Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
قراءات
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
عبدالله العثيمين المؤرخ
أ.د. عبدالعزيز بن صالح الهلابي

 

لقد شرّفني الصديق العزيز الدكتور عمر عبد الله بامحسون أن ألقي بعض الضوء على جانب من إنجازات عالم علم من أعلام المملكة العربيَّة السعوديَّة هو الزميل الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين الذي يحتفي منتدى بامحسون بتكريمه بصفته شخصيَّة العام.» 1»

الدكتور عبد الله العثيمين شخص متعدِّد الجوانب العلميَّة والثقافيَّة وله إسهامات جلية في ميادين متنوّعة، وأنا سأقتصر في حديثي على بعض إسهاماته في ميدان التاريخ.

ولكني سأبدأ بالجانب الشخصي بيننا، حيث تشرّفت بمزاملة الدكتور عبد الله أثناء ابتعاثنا لبريطانيا، فكلانا كنَّا ندرس بجامعتين في مدينتين باسكتلندا هما إدنبرة وسينت أندروس ويفصل بينهما قرابة المئة كيل. وبما أن إدنبرة هي عاصمة اسكتلندا مدينة كبيرة وجميلة ونحن في مدينة سانت أندروز الصَّغيرة فكنا كثيرًا ما نحل ضيوفًا عليه وعلى زملائه بإجازات الأسبوع ونسعد بصحبتهم الجميلة التي نستمتع بذكرياتها الطيبة التي لا تنسى، ثمَّ تشرّفت بمزاملته بقسم التاريخ بجامعة الملك سعود بعد ذلك لمدة ناهزت الثُّلاثين عامًا فأفدت - كما أفاد غيري من زملائي - ولكنِّي حظيت بالنصيب الأوفر من علمه الجمِّ وحكمته وسداد رأيه وسعة أفقه وحلمه وسماحته وطيب معشره.

فالمرء يتشوق إلى جلسته لما فيها ظرف وتشويق وحسن حديث فإنّ تحدث في التاريخ فهو المبرز فيه، وإن تحدث في الشأن العام فهو المهموم به العارف لأبعاده، وإن تحدث في شؤون الأمة فهو المستوعب المتابع لأحوالها، وإن كان حديث ظرف فهو يتجلَّى مرحًا وأنسًا ودعابةً.

عبد الله العثيمين تولى منذ تعيينه بالجامعة بعد إنجازه الدكتوراه بجامعة إدنبرة تدريس تاريخ المملكة بقسم التاريخ مع زميلنا طيِّب الذكر الأستاذ الدكتور محمد بن سعيد الشعفي أمده الله بالصحة، ثمَّ تولى رئاسة قسم التاريخ ونظرًا لتميزه فقد تَمَّ اختياره عضوًا بالمجلس العلمي بالجامعة لعدد من السنوات.

شارك في وضع المناهج والخطط الدراسية في القسم والكلية، كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وباختصار فهو أستاذ جيل.

بالرغم من أن الدكتور عبد الله العثيمين كان، بحكم خبرته وعلمه وسداد رأيه، مرجعًا لكثير من المؤسسات العلميَّة والجهات المعنية بإدارة المجتمع يستشيرونه في أمور كثيرة أو يطلبون منه تقديم دراسات عنها، إلا أن كل ذلك لم يحلُّ دون كونه باحثًا نشيطًا دءوبًا أثمر إنتاجًا علميًّا يتصف بالغزارة والعمق.

والحجر الأساس في بنائه البحثي يتمثَّل في رسالته للدكتوراه، وعنوانها: «الشيخ محمد بن عبدالوهاب - حياته وفكره».

إن اختيار مثل هذا الموضوع يدل على شجاعة إن لم نقل على تهور.

لماذا؟ لأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- كتب عنه أنصاره عشرات الكتب وكتب عنه خصومه ربَّما أكثر مما كتب عنه أنصاره على المستوى المحلي والإقليمي والعالم الإسلامي، كما كتب عنه الكثير من المستشرقين بلغاتهم المختلفة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى من يكتب عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا بد أن يدرس ويستوعب كتبه في العقيدة (التوحيد) والفقه ومراسلاته وفتاواه، بل عليه أن يدرس كتب أسلافه من العلماء سوى القريبين زمنًا منه أم البعيدين زمنًا مثل ابن تيمية ليلحظ مدى التواصل الفكري والعلمي بينه وبينهم، وهل كان يتسق معهم في كلِّ الأحوال أم كان يفارقهم في بعض الأحيان.

وكان عليه أن يدرس أوضاع مجتمع المنطقة التي نشأ فيها الشيخ بِكلِّ أبعاده ليفهم تأثيرها على تكوين الشيخ العلمي والاجتماعي وعلى مواقف أمراء البلدان، وطلاب العلم فيها وعامتها من دعوة الشيخ.

ويدرس النَّاحية العملية لدعوة الشيخ، بجانب ما أودعه مؤلفاته نظريًّا، وذلك من خلال الأساليب التي سلكتها الدَّوْلة السعوديَّة الأولى إما بمباشرة أو بتوجيه من الشيخ في حياته.

إن كلَّ ذلك حِملٌ ثقيلٌ على طالب تاريخ ولكن عبد الله العثيمين لم يكن هيابًا ولا متقاعسًا، ونجح في كتابة رسالة متميزة وفق منهج علمي نقدي صارم.

وتجنبًا لأثقال هذا الحديث بالاقتباسات فسوف اقتبس موقفًا واحدًا فقط من هذه الرسالة.

ففي الحديث عن أول عمل عسكري قامت به الدَّوْلة السعوديَّة الأولى ضد خصوم الدعوة، يقول(2): « تختلف المصادر حول بداية القتال بين أنصار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وخصومهم، فأحد هذه المصادر يقول: إن أول غزوة خرجت من الدرعية كان قوامها ستة عشر رجلاً على ثماني من الإبل... ويقول الرحالة السويسري بوركهارت الذي كان موجودًا في الحجاز في نهاية الدَّوْلة السعوديَّة الأولى أن عدد الإبل في الغزوة الأولى كان سبعًا..

أما المصدر الثالث ابن بشر فيقول: إن أول جيش غزا من الدرعية كان سبع ركائب موجَّهة لبعض الأعراب، ويضيف ابن بشر: إن الغزاة كانوا غير مدرِّبين على ركوب الإبل لدرجة أنهَّم سقطوا من أكوارها حين أسرعت بهم.

ويقف العثيمين موقف الناقد لهذه المصادر المشكك بصحة رواياتها ويبيِّن أن الأول والثاني بعيدان عن مركز الدعوة وسير الحوادث، أما ابن بشر فتفاصيل روايته تدل على ضعفها.

ويرجّح العثيمين أن قادة الدرعية سوف يبذلون أقصى ما في وسعهم لإظهار الغزوة الأولى بمظهر القُوَّة من حيث التَّخْطِيط لها وانتقاء رجالها وتسليحها واختيار هدفها حتَّى يعطوا انطباعًا قويًّا عن أنفسهم لدى خصومهم وأنصارهم على حدِّ سواء وليس كما زعم أصحاب الروايات الثلاث السالفة.

وطبيعي أن دراسته لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وللدَّوْلة السعوديَّة تستدعي معرفة الخلفيات التاريخيَّة السابقة لدعوة الشيخ، ومن خلال تتبعه ورصده لتاريخ نجد أثمر ذلك كتيبا صغير الحجم كبير الفائدة عنوانه: «نجد قبيل ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب».

عبد الله العثيمين ليس باحثًا فحسب، بل هو صاحب رسالة، لا يكتب أبحاثًا للنخبة الأكاديمية، بل رسالته أن يتواصل مع طلاب العلم والنَّاس على مختلف مستوياتهم وأن يقرِّب ما يكتب إلى القارئ حسب مستواه، فقد كتب لطلاب المرحلة الابتدائية ولطلاب المرحلة الثانوية راعي فيها مستوياتهم، فقرب إليهم المعلومة التاريخيَّة بأسلوب سلس شيق محبب، وانتقل بعد ذلك للكتابة للطالب الجامعي ولأيِّ قارئ متوسِّط الثَّقافة فألف كتابًا من جزءين عنوانه: «تاريخ المملكة العربيَّة السعوديَّة» خصَّص الجزء الأول لتاريخ الدولتين السعوديَّة الأولى والثانية، والكتاب الثاني: تاريخ المملكة العربيَّة السعوديَّة.

بدءًا من تأسيسها وحتى وفاة الملك عبد العزيز -رحمه الله- ودرسها من حيث التأسيس والتوحيد والتطوّر في جميع المجالات.

ولا أدل على نجاحه في رسالته أن كتابه عن تاريخ الدَّوْلة السعوديَّة طبع (ستَّ عشرة 16 طبعة) ولا أظن كتابًا بالمملكة العربيَّة السعوديَّة حظي بمثل تكرار هذا الطبعات.

وللتاريخ العسكري نصيبٌ طيبٌ من أبحاث المؤرِّخ العثيمين، فقد كتب دراسة قيمة عنوانها: في التاريخ العسكري للدولتين السعوديتين الأولى والثانية»، على أنّه خصّ «معارك الملك عبد العزيز المشهورة لتوحيد البلاد» بكتاب أبدع فيه من جميع النواحي، وأقدر أن إنجازات الملك عبد العزيز -رحمه الله- العسكريَّة المتتابعة منذ أولى معاركه التي استولى فيها على الرياض سنة 1319 وحتى آخر حروبه التي كانت على جبهة اليمن ما بين سنتي 1352-1353هـ من حيث التَّخْطِيط الإستراتيجي والتكتيك الحربي واختياره التوقيت والمكان وسياساته في اختيار القادة وفي استقطاب المحاربين ورعايتهم، وشهامته ومروءته في إكرام خصومه المهزومين قادةً وأفرادًا وتألفه لهم بحيث يتحوّلون إلى أشد النَّاس حبًّا وإخلاصًا له، كل ذلك انعكس في هذا الكتاب مادة وأسلوبًا وعرضًا ومنهجًا وزوّده بخرائط ملونة ودقيقة لِكُلِّ معركة.

وخفف فيه كثيرًا من جفاف المنهج الأكاديمي بحيث أصبحت قراءته سلسة وشيقة.

وامتدادًا لدراساته تلك توسع من النَّاحية الجغرافية والموضوعية فألف كتابًا عن «نشأة إمارة آل رشيد» التي أصل نشأتها تعود لتعيين الإمام فيصل بن تركي أحد قواده عبد الله بن علي بن رشيد أميرًا على جبل شمَّر أواخر سنة 1250هـ الذي أخذت سلطته تنمو حتَّى صار مستقلاً، ثمَّ منافسًا للدَّوْلة السعوديَّة ومرَّت إمارة آل رشيد بفترات صعود وهبوط حتَّى صارت نهايتها على يدي الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود بدخول حائل ضمن منظومة المملكة العربيَّة السعوديَّة سنة 1340هـ.

دراسة الدكتور عبد الله العثيمين هذه تُعدُّ رائدة من حيثِ منهجُه ومصادرُه وتحليلاتُه فقد اعتمد على الروايات الشفهية لكثير من الرواة ذوي العلاقة المباشرة أو القريبة من الأحداث، كما وظف نصوصَ الشعرِ الشعبي بصفتها وثيقةً تاريخية وهو أول من قام بذلك فيما أعلم بحيث أثرت بحثَه.

أما تحليلاتُه فتتَّصف بالعمق وفهم خلفيات الأحداث وبيئاتِها ومسبِّباتها وتحريه الحقيقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا غرو في ذلك فقد حصل هذا الكتاب على جائزة مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة في أولى دوراتها كأفضل كتاب ألف في دول الخليج في العلوم الاجتماعيَّة (في حقل التاريخ) عند صدوره.

لم يتوَّقف العثيمين عند هذا الكتاب وإنما أخذ يتابع ما ينشر من أبحاث عن نفس الموضوع سواء كانت دراسات شاملة عن إمارة آل رشيد أو تناولت جانبًا منها، وكان أهمها ثلاثة كتب، كتب عنها العثيمين دراسات نقدية اتسمت بالثَّراء والموضوعية وشكَّلت هذه الدِّراسات الثلاث كتابًا بعنوان: «قراءة في دراسات عن إمارة آل رشيد».

العثيمين المحقق: لم يكن عبد الله العثيمين باحثًا في التاريخ فحسب، بل محقق يمتلك كل أدوات التحقيق من حيث منهج التحقيق النقدي، وتمكنه من اللُّغة العربيَّة تمكنًا يتفوق فيه على كثير من أصحاب الاختصاص، وقدرته على قراءة الخطوط القديمة فيجمع نسخ مخطوط الكتاب الذي يشتغل على تحقيقه ويقرأ نصوصه بعناية وأناة سعيًا منه ليخرج النص كما كتبه مؤلفه.

وهو انتقائي في تحقيقاته فالأصل عنده أن يكون الكتاب الذي يقدم على تحقيقه ذا قيمة علميَّة تضيف إلى موضوعه إضافات مهمة.

وسوف أشير إلى عناوين تحقيقاته فالوقت المتاح لي لا يسمح بأكثر من ذلك.

أول تحقيقاته كان كتاب «كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب؟» سنة 1403هـ، والثاني كتاب «كتاب نبذة تاريخية عن نجد» أملاها ضاري بن فهيد الرشيد، وكان أول من حققها أستاذ الجميع حمد الجاسر -رحمه الله- ولكن العثيمين حققها على المخطوط وأضاف إليها تعليقات وشروحات، والثالث «لَمْع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب» وقد سبق نشر هذا الكتاب مرتين، مرة في خارج المملكة وأخرى في داخلها على أن الكتاب مجهول المؤلِّف، ومضمون الكتاب مخالف لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب متحامل عليها، لكن العثيمين قام بتحقيقه تحقيقًا علميًّا ورَدَّ على مؤلفه فيما أخطأ فيه متعمدًا أو غير متعمد، وأماط اللِّثام عن اسم مؤلفه وهو حسن بن جمال بن أحمد الريكي الذي فرغ من تأليفه سنة 1233هـ، وهي السنة التي سقطت فيها الدَّوْلة السعوديَّة الأولى على يدي القائد إبراهيم باشا.

العثيمين المترجم: البعد الثالث في أعمال العثيمين التاريخيَّة هو التَّرْجمة فلقد ترجم عن اللُّغة الإنجليزية القسم الخاص بالدَّوْلة السعوديَّة الأولى من كتاب الرحالة السويسري يوهان لودفيك بوركهارت «البدو والوهابيون» بعنوان «موادّ لتاريخ الوهابيين»، وكان هذا المؤلِّف من أكثر الرحالة الأوروبيين إلى البلاد العربيَّة دقة وتحريًّا للمعلومة الصحيحة.

وكونه منذ في بداية القرن الثامن عشر في بلاد الشام ويتتبع أخبار الدَّوْلة السعوديَّة، ثمَّ مجيئه إلى الحجاز سنة 1230هـ -1814م جعله شاهد عيان على بعض الأحداث وعلى صلة قريبة جدًا من الأحداث الأخرى بحيث أصبح مصدرًا مهمًا لتاريخ الدَّوْلة السعوديَّة الأولى.

أما العمل الثاني الذي ترجمه عن اللُّغة الإنجليزية كذلك فهو «بعثة إلى نجد» 1917-1918 = 1336-1337هـ لسانت جون فيلبي.

وقدم العثيمين لهذه التَّرْجمة بدراسة بلغت 60 صفحة.

وتأتي أهمية هذه الرحلة من كونها تقدم لنا معلومات عن أوضاع المملكة والمنطقة في وقت مبكر نسبيًّا.

وفيلبي كان ضابطًا إنجليزيًا أرسل من العراق لاستكشاف الأوضاع في المناطق التابعة لابن سعود لكن لقاؤه لابن سعود كان آسرًا لم يستطع الفكاك منه طيلة حياته، [إذ لم يلبث بعد فترة أن ترك الخدمة في الجيش البريطاني وعاد إلى الرياض واستقر في بلاط ابن سعود مستشارًا، ثمَّ اعتنق الإسلام وأصبح من مواطني المملكة العربيَّة السعوديَّة وخلف مؤلفات كثيرة عن رحلاته وما اكتشفه من الآثار بالمملكة وعن الأوضاع بالمملكة بعامة]. اعتذر عن التقصير بحقٍّ أستاذنا فالوقت لا يسمح بالتوسُّع أكثر من ذلك.

1- ألقيت هذه المشاركة بمناسبة تكريم منتدى بامحسون الثقافي الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين بصفته شخصيَّة العام (1434هـ -2013م) برعاية صاحب السمو الملكي تركي الفيصل في مساء يوم السبت 1-7-1434هـ- 11-5-2013 بقاعة مكارم -فندق ماريوت -

الرياض

2- العثيمين، الشيخ محمد عبدالوهاب

- حياته وفكره ص65

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة