Saturday 16/11/2013 Issue 417 السبت 12 ,محرم 1435 العدد

رفيف

قلق التأثر في ديوان (نهّام الخليج الأخضر) لأحمد العلي (2-6)

تساءلت في آخر المقالة السابقة: أمن شأن الشعر والشاعر أن يلقي ببيان أو خطبة في افتتاحيات ديوانه؟ وكأنما هو مثقل بمهمة خطيرة يعلنها لمن حوله كهوية أو بطاقة مرور. وقلت: قد يبرر ذلك أن الشاعر شاب يقدم أول أعماله وهو يحمل توترًا وقلقًا، ومن الواضح أنه يحمل هاجس الإعلان عن اعتقاده بأن دور الشعر يتعدى الجانب الجمالي إلى الدور الوجودي في الكون.

ومن الواضح أن هذا القول يعكس الاعتقاد بأن الشعر يحمل رسالة أو التزامًا، وينبئ عن إحساس عارم بضرورة أن يكون للشعر دور في المرحلة المقبلة أكبر مما كان له في المراحل السابقة، تلك المراحل التي يرى الشاعر أن الشعر احترق فيها وترمد كما تشير عباراته. وهو يرى أن على الأجيال الشعرية الشابة أن تعيد صنع الأنقاض، وترمم الدمار الوجودي والجمالي. وعليها ألا تهادن، وأن تخرج من التقليد والتشابه حتى (تكتنه النقيض) في هويتها الجمالية كما يقول. وهذا البيان الشعري الذي تحدثت عنه في المقالة السابقة فادح وصعب، ويشير إلى وعي بالإرث الثقيل وبأهمية الدور الذي ينوء به، مع انعكاس واضح لقلقِ تأثرٍ كبير يقوم منذ البداية على نية الاختلاف، ومناوءة سوءات ذلك الإرث بسوداويته وهزائمه.

ولذا أحسب أن هذين البعدين (بعد السواد والدمار الذي يغلف العالم والبعد النقيض الذي سيوقد الجمر ويعيد ما احترق) سيكونان بالضرورة الجناحين اللذين سيحلق بهما أحمد العلي، وسيكونان الهم الشاغل الذي سينضم عقد هذه النصوص.

يقول في القصيدة الثالثة (عيون الضباب):

« قامَةُ البحرِ مكسورةٌ..

والأرضُ قَتَلوا غناءها

........

.........

و إنّي مُتنَبِئٌ:

الآتي غرابٌ أبيض

يلوّنه الأطفالُ باسمين..

وإني مُدارٍ شمعة الأرض بجناحي

علّها

تُنيرُ في خطوي

حروفَ دواتي..» (1)

فها هو البحر بقامته المكسورة وها هي الأرض التي قُتل غناؤها كلاهما يرفضان السواد في روح الشاعر، ولذلك فغراب المستقبل في القصيدة سيكون مختلفًا بلونه الأبيض، وسيداري الشاعر شمعة الأرض بجناح الشعر.

هذه روح متفائلة مصرة على حماية الأرض وتحويل خرابها إلى حياة، وإحالة ظلامها إلى نور يستلهم منها أحمد العلي في القصيدة الرابعة (فقه الليل) جذوته، حيث غضاضة الروح تحاول تعليمنا درسًا من الظلام، فليست العتمة مرادفة للموت، فخلف الظلمة إشراق؛ وهذا هو الفقه الحقيقي.. لذا يدعونا الشاعر للتأمل ويقول:

«يا قوّة الله!

أُسامِرُ صدرَ نوحٍ لأعرف

من أينَ لأخشابه هذا الجَلَد..

وجه ظُفار

ومهيار

وجوهَ الأرض الغائبة

وأسألُ:

متى إذن نوقد النار؟» (2)

هذه الروح الجافلة من الاستكانة تشيع كذلك في القصيدة الخامسة (شاهق النفس) بادئًا إياها بصيغة المخاطب الذي يُستحث، وليس الذي يُستحث سوى أنا الشاعر، يقول:

«غُص يا شاهِق النّفَسِ

مُكتنـزاً كُلّ الرياح العاتية..

ليس لأناملك

أن تربُتَ - الآنَ - على كتف المشيب»(3)

فاطمة الوهيبي - الرياض Rafeef2010@gmail.com