Saturday 16/11/2013 Issue 417 السبت 12 ,محرم 1435 العدد
16/11/2013

الاسم والمسمى (*)

يستعمل بعض الناس لفظ (مسمّى) كما في قولهم (مسمّى الوظيفة) وهم يريدون اسمها، وثمة من يرى الصواب في استعمال (اسم) لا (مسمّى) بحجّة أنّ المسمّى هو الشخص أو الذات الذي جُعل له اسمٌ يعرف به، وأننا نعرف الأشياء متى سميناها بأسمائها؛ ولأنّ استعمال لفظ ليس من قبيل المشترك اللفظي خير من استعمال المشترك.

وهذا خلاف قديم عرض له العلماء بين يدي شرحهم لأسماء الله الحسنى، قال الغزالي: «قد كثر الخائضون في الاسم والمسمى، وتشعبت بهم الطرق، وزاغ عن الحق أكثر الفرق: فمن قائل إن الاسم هو المسمى؛ ولكنه غير التسمية، ومن قائل إن الاسم غير المسمى؛ ولكنه هو التسمية ومن ثالث معروف بالحذق في صناعة الجدل والكلام يزعم أن الاسم قد يكون هو المسمى، كقولنا لله تعالى إنه ذات وموجود، وقد يكون غير المسمى كقولنا إنه خالق ورازق؛ فإنهما يدلان على الخلق والرزق، وهما غيره، وقد يكون بحيث لا يقال إنه المسمى ولا هو غيره كقولنا إنه عالم وقادر؛ فإنهما يدلان على العلم والقدرة، وصفات الله لا يقال إنها هي الله تعالى ولا إنها غيره»(1).

ويحرر الغزالي أمر الخلاف في قوله «والخلاف يرجع إلى أمرين:

أحدهما أن الاسم هل هو التسمية أم لا؟

والثاني أن الاسم هل هو المسمى أم لا؟

والحق أن الاسم غير التسمية وغير المسمّى وأن هذه ثلاثة أسماء متباينة غير مترادفة»(2).

والْمُسمّى اسم مفعول من فعل يتعدى إلى مفعولين، قال تعالى» {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}[آل عمران-36]، فالأنثى مسمّاة أي جُعل لها اسمٌ، ومريمُ مسمًّى؛ لأنه جُعل اسمًا، قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم-23]، فالفعل (سمّى) له معنيان أحدهما وسم الشيء بعلامة، والآخر تحديد الوسم نفسه أي الاسم. ولكنّ التعدية إلى المفعولين ليست سواء، فالذات هي المفعول المباشر، والاسم مفعول غير مباشر؛ ولذلك يسوغ أن يتعدى إليه الفعل بحرف الجر، قال حسان بن ثابت(3):

أتَعْجَبُ أنْ أقصَدْتَ حَمزَةَ منهمُنجيبًا، وقدْ سمّيتهُ بنجيبِ

والشيء (المسمّى) يكون قبل الاسم، ولذلك علّم الله آدم الأسماء، قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة-31]، قال الزمخشري «{الْأَسْماءَ كُلَّها} أي أسماء المسميات، فحذف المضاف إليه لكونه معلومًا مدلولًا عليه بذكر الأسماء، لأن الاسم لا بدَّ له من مسمّى... فإن قلت: هلّا زعمت أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وأن الأصل: وعلّم آدم مسميات الأسماء؟ قلت: لأن التعليم وجب تعليقه بالأسماء لا بالمسميات لقوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ}، {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ} فكما علق الإنباء بالأسماء لا بالمسميات ولم يقل: أنبئوني بهؤلاء، وأنبئهم بهم، وجب تعليق التعليم بها. فإن قلت: فما معنى تعليمه أسماء المسميات؟ قلت: أراه الأجناس التي خلقها، وعلّمه أن هذا اسمه فرس، وهذا اسمه بعير، وهذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا، وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ثُمَّ عَرَضَهُمْ أي عرض المسميات. وإنما ذكّر لأن في المسميات العقلاء فغلّبهم»(4).

والذي ننتهي إليه أن الأوضح والأولى أن نقول اسم الوظيفة كذا، ويجوز أن نقول مسمّى الوظيفة كذا أيضًا.

** **

(*) مهداة إلى أستاذنا الكبير الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين.

(1) أبوحامد الغزالي، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، تحقيق: محمد عثمان الخشت (مكتبة القرآن/القاهرة، 1984م)، ص27.

(2) الغزالي، المقصد الأسنى، ص28.

(3) ديوان حسان بن ثابت، تحقيق وليد عرفات (دار صادر/بيروت، 2006م)، 1: 446.

(4) الزمخشري، الكشاف، (ط3، دار الكتاب العربي/ بيروت، 1407ه)1: 126.

- الرياض