Saturday 16/11/2013 Issue 417 السبت 12 ,محرم 1435 العدد

تعقيباً على مانشرته (المجلة الثقافية) حول «وفاة الأندية الأدبية»:

كَفَى (بكَ داءً) أن تَرَى الموتَ شافيا!
-

-1-

في الوقت الذي يلتفتُ فيه بسطاءُ الناس إلى حقوقهم، يطالبون بها ويتراكمون لانتزاعها، يتجلى المثقف - في المواقف العادية - مجللاً بالإحباط من ناصية رأسه إلى أخمص قدميه، عاجزا إلا عن البكاء المتقطّع، والكلام الذي لا يفيد..!

وفي الوقت الذي تسعى فيه المؤسساتُ والأحزاب والتيارات والأقليات - في العالم كلِّه - إلى المطالبة بثقة أكبر، وبالعديد من الفرص، وبالصفح عن الإخفاقات الطويلة، يتدثر المثقف هنا بالانكسار والانهزامية، ويبدو فارغاً من الداخل، فلا تراه يجيد غير (الكلام)، ولا تسمعه يهدد بغير (الاعتزال) أو (الانسحاب)، ولا تجده يطالب إلا بشهادة وفاته...، بإعلانها و(الإعلان كثير)!!

وفي الوقت الذي يأرز فيه العالم كله إلى البحث عن حلول للمشكلات حتى في سمّ الخياط، وعن فتح آفاق التجريب المدهش حتى في الهوامش المهجورة والزوايا المنسيّة، يبرز المثقف - في بعض المواقف - خامل الذهن، خالي الوفاض، لا يستطيع إيجاد حل لمشكلاته إلا بالعويل: بلطم الخدّ، وشقّ الجيب، ولعن الأيام...!!

وفي الوقت الذي يعوِّل فيه العالم كله على البحث الدقيق، والتنقيب الطويل، في توصيف الوضع وتحليله واقتراح الخطط لعلاجه، يعتمد المثقف عندنا على «الصورة الذهنية» بحجة أنها «لا تستقرُّ من فراغ، ولاتُستبدل بضغطة زرّ»، وربما توسّع فاعتمد على الوهم والفهم السقيم!

إنه (الانتحار الثقافي) ياسادة، وحسب (المثقف) داءً أن يرى الموتَ شافيا ً..!

-2-

لقد ساءني أن يتصدى الصديق الجميل الأستاذ سعيد الدحية الزهراني لملفّ الأندية الأدبية بهذه السطحية المدهشة (انظر: المجلة الثقافية ذات العدد415).. ساءني أن يخلط الأوراق من حيث جاء ليجمعها، وأسفتُ عليه كثيرا وأنا أراه يقرِّر وحده موتَ الأندية الأدبية، ويطالب بالإعلان عن وفاتها؛ مستهيناً - من حيث لا يدري - بأربعة عقود من الجهد الكبير... بستة عشر نادياً... بمئات المثقفين والمثقفات الذين يعملون (الآن) من خلالها... بأكثر من ألف إصدار... بما لا حدّ له من المحاضرات، والندوات، والجمعيات، والحلقات، واللجان، والملتقيات، والجوائز، والشراكات..

ساءني أن يختزل هذه النوافذ والشرفات في نافذة واحدة هي «النشاط المنبري».. ساءني كذلك أن يقوّي فكرته بمقالتي: د.حسن النعمي ود.إبراهيم التركي وليس فيهما حرف واحد يخفض لفكرته الجناح...! إنه (الانتحار الثقافي) ياسادة، وحسب ( المثقف) داءً أن يرى الموتَ شافياً..!

-3-

ولدت فكرة الأندية الأدبية في عام 1395هـ 1975م وفي العام نفسه أخذت طريقَها إلى التنفيذ، فرأت النور خمسة أندية، شكَّلت - مجتمعةً - القاعدةَ الرئيسةَ لتجربة هذه المؤسسة الثقافية، ثم توسعت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في إنشاء المزيد، وتابعتها في الاهتمام وزارة الثقافة والإعلام بعد تسلّمها الملفّ في عام 1426هـ 2005م حتى بلغت بها ستة عشر نادياً!

ولقد حققت هذه الأندية بعضَ أهدافها، وقصّرت في تحقيق بعضها الآخر، وتباينت فيما بينها في مستويات الأداء؛ لعوامل كثيرة ليس هذا مجال عرضها...، لكنها - رغم كلِّ مايمكن أن يُقال عن أدائها- احتضنت أهمَّ التيارات الأدبية في بلادنا، وأسهمت في كشف الكثير من الطاقات العلمية والإبداعية، وربما سبقت غيرها في استقطاب بعض الأسماء العربية الكبيرة، وأفادت من تكوينها المعرفي المختلف في قراءة الأدب السعودي ونقده. وربما كانت الأندية الأدبية المؤسسة الثقافية الوحيدة التي وظفت فكرة (الملتقى الثقافي) بشكل جيد، وطوّعتها لصالح الحركة الثقافية في بلادنا، فكان «ملتقى قراءة النصّ» بأدبي جدة (وهو أحد أهم الملتقيات النقدية في العالم العربي)، و»ملتقى الباحة» الذي توجه إلى خدمة الرواية إبداعا ونقداً، وملتقى أدبي الرياض الذي توجه إلى الاهتمام بالحركة النقدية، وتقاسمت الأندية الأدبية الأخرى هذا الاهتمام فخدمت بذلك وجوها متعدّدة من الأشكال الأدبية المختلفة، والسياقات النشرية المتنوعة، هذا بالإضافة إلى جوانب متعلقة بموضوعات الثقافة وتحليل الخطاب الثقافي.

وتجيء الإصداراتُ بوصفها إحدى النوافذ المهمّة في الأندية الأدبية، فقد أفضت بنا إلى أكثر من 1000 إصدار إبداعي ونقدي وفكري وثقافي وتاريخي وجغرافي، وتعدُّ بعض إصدارات الأندية مرجعاً رئيسا في دراسات الحقل الذي تُنْمى إليه، ولقد سبقت الأندية المؤسسات الأخرى في خدمة الإصدار الأول خاصة للشباب، ويمكن أن أشير هنا – على سبيل المثال – إلى «سلسلة الكتاب الأول» في (أدبي الرياض)، و»مبادرة عبداللطيف جميل للإصدار الأوّل» في (أدبي جدة)، وأعرف أن هناك اهتماماً أكبر بالإصدار الأول في عدد من الأندية الأدبية. واهتمت الأندية الأدبية في السنوات الأخيرة بالدورات التدريبية، فكانت الدورات المعنية بتأصيل الوع ي بإمكانيات الشكل الأدبي لدى فئة من المبدعين (كالدورات في مجال: تقنيات الكتابة الشعرية، والروائية، والقصصية، والمسرحية، والسيرذاتية)، والدورات المندرجة تحت أنماط أخرى من الفنّ كالخطّ والرسم والتصوير والإخراج.. هذا بالإضافة إلى دورات تربوية، ونفسية، واجتماعية، تتغيّا الأندية من خلالها تعزيز تعدّديتها وانفتاحها، كما نجد في (أدبي القصيم) - على سبيل المثال -.

وقد استطاعت الأندية الأدبية أن تغطي الفراغ الكبير في الجوائز المحلية، فكانت «جائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية» في (أدبي حائل)، و»جائزة كتاب العام» في (أدبي الرياض)، و»جائزة محمد حسن عواد»، و»جائزة جدة للدراسات الأدبية والنقدية» وكلتاهما في (أدبي جدة)، و»جائزة نادي الباحة الأدبي الثقافية»، وغيرها... وأجزم أنّ هذه الجوائز - مجتمعة - قد غطت إلى حد ما غياب جائزة الدولة التقديرية، وأحسب أنّ لبعضها امتداداً بحثياً كبيراً.. وما كان لهذه الجوائز أن تكون لولا الشراكة التي انتهجتها الأندية الأدبية - في السنوات الأخيرة - مع الوجهاء ورجال الأعمال والقطاع الخاص بشخصيته الاعتبارية، وأعرف أن هناك مفاوضات كثيرة بين أندية أدبية ومؤسسات أخرى لتوليد العديد من مجالات الدعم والتشجيع، وللأندية الأدبية الريادة في هذا المجال.

-4-

تُعدُّ الأندية الأدبية - بكلّ ما سبق - حلقةً مهمّةً من حلقات تاريخنا الثقافي، ويعدُّ منجزها المتعدِّد - على امتداد أربعة عقود - مغذياً رئيساً للأدب والنقد ولغيرهما من مسارات الفكر والثقافة؛ لذلك لا يختلف اثنان في أنها مكتسب ثقافي كبير، وكبير أيضاً، ولا يجوز أن نتيحَ لأحد الفرصة في أن يستهين بمثل هذا المكتسب، ولا أن يتلاعب بمصيره تحت ادعاءات تفضح نفسَها بنفسها.

إنّ جميع المشكلات التي تتعرض لها الأندية الأدبية تعود إلى ثلاثة عوامل رئيسة، هي:

1- ضعف المخصصات المالية.

2- عدم استقلاليتها (واقعياً).

3- ضعف الجانب الإداري.

ونقدنا الجادّ يجب أن يُستثمرَ في توصيف هذه العوامل وتحليلها، وفي البحث عن أفضل الطرائق المتاحة لمعالجتها... ومتى عجز المثقف عن اقتحام هذه العوامل أو غيرها، ومتى عجز عن معافسة المشكلات بالتوصيف الدقيق، والتحليل العميق، والموازنة والمقارنة، فمن الخير له ولنا أن يريحنا ويرتاح..!

إشارة :

الأندية الأدبية لا تشبه الأندية الرياضية، وفي كلّ خير!

- خالد الرفاعي @alrafai