Culture Magazine Thursday  18/04/2013 G Issue 403
فضاءات
الخميس 8 ,جمادى الآخر 1434   العدد  403
 
مداخلات لغوية
وقف وأوقف سواء (1)
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

الوقوف ضد الجلوس، وهذا هو المعنى الأساسيّ للفعل (وقف)، ويعدّى بلفظه مجردًا، قال ذوالرمّة:

وقفتُ على ربعٍ لميَّةَ ناقتي

فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وأُخَاطِبُهْ

وَأُسْقِيهِ حَتَّى كادَ مِمَّا أَبُثُّهُ

تُكلِّمُني أحجـارُهُ وملاعبه

والفعل الثلاثي اللازم يُعدّى بتضعيف عينه (فعّل) وزيادة همزة قبل فائه (أفعل) وزيادة ألف بعده (فاعل)، تقول من جلس: جلّستُه، وأجْلستُه، وجالستُه، وهذا قياس عام، غير أنّ السماع ربما عاند القياس فأهمل بعض الإمكانات، أو خالفها، ونرى في هذا الفعل (وقف) كيف عُدّي المجرد والقياس تعدية المزيد، بل وصف المزيد منه بأنه لغة رديئة أو قليلة، جاء في الصحاح «وَقَفَتِ الدابةُ تَقِفُ وُقوفًا، وَوَقَفْتُها أنا وَقْفًا، يتعدَّى ولا يتعدَّى... وأَوْقَفْتُها بالألف لغةٌ رديئة»، وينسب إلى الكسائي في التهذيب قوله «وقَفْتُ الدّابة والأرضَ وكلَّ شيء؛ وأما أوقَفْت فهي رديئة». ولست أدري لأيّ أمر وصفت تلك اللغة بالرداءة وهي موافقة للقياس، فإن تكن القلّة فهي متوقف فيها؛ لأن الجمع اللغوي الذي اجتهد في أمره أهل اللغة لا يتصور فيه استغراق كلام العرب، وأما ما شاع في نصوص الشعر من استعمال (وقف) فدليل على تخير اللغة المشتركة لهذا الاستعمال المسموع، ولكنه، عندي، لا يدفع غيره متى كان مقيسًا، ولا تعاند ذلك مقولة لا سماع مع القياس؛ إذ الفعل (أوقف) وإن يكن قليلاً كما زعموا فهو مسموع معضّد بالقياس، وليس يخرج الأمر عن أن من الأفعال ما عدّيت عند بعضهم مجردة ومزيدة بمعنًى، مثل (رجع)، جاء في الصحاح «رَجَعَ بنفسه رُجوعًا، ورَجَعَهُ غيرُهُ رَجْعًا. وهُذَيْلٌ تقول: أَرْجَعَهُ غيرُهُ»، وهكذا وقفته وأوقفته. وإنّ مما يستأنس به ورود هذا الاستعمال في الحديث الشريف «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ فَوَطِئَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ»، وكذا في قول السيد الحميري(ت173ه):

تنحى يودعه خاليا

وقد اوقف المسلمون المطيا

ومن الغريب أن استعمال (أوقف) بمعنى الإقلاع عن فعل الشيء فصيحة عندهم، جاء في (العين): «ولا يُقال: أَوْقَفْتُ إلاّ في قَوْلِهمْ: أَوْقَفْتُ عن الأَمْر إذا أقلعت عنه، قال الطِّرِمّاح:

فتأيَّيْتُ للهوى ثمّ أَوْقَفْتُ... رضًا بالتُّقَى وذو البِرِّ راضي»

ويظهر لي أن اللغويين غير مقتنعين في أمر الوصف بالرداءة كل الاقتناع، فالجوهري ينقل قول الكسائي «ما أَوْقَفَكَ ها هنا؟ وأيُّ شيء أوْقَفَكَ ها هنا؟ أيْ أيُّ شيء صيَّرك إلى الوُقوفِ»، بل نجد أبا عمرو بن العلاء يذهب إلى حسن ذلك، جاء في التهذيب: «وقال أبو عمرو: ألاَ إنِّي لو مررتُ برجُل واقف فقلت: ما أوقَفَك هنا رأيته حَسَنًا». وقد تنبه لهذا أبو حيان في تفسيره فنقل قول أبي عمرو وعلل لمذهبه بأنه القياس، قال «وقد سمع في المتعدية أوقف وهي لغة قليلة ولم يحفظها أبو عمرو بن العلاء قال: لم أسمع في شيء من كلام العرب أوقفت فلانًا إلا أني لو لقيت رجلاً واقفًا فقلت له: ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسنًا انتهى. وإنما ذهب أبو عمرو إلى حسن هذا لأنه مقيس في كل فعل لازم أن يعدى بالهمزة ، نحو ضحك زيد وأضحكته». ونجد في القاموس «ووَقَفَ يَقِفُ وُقوفًا: دامَ قائِمًا. ووَقَفْتُه أنا وقْفًا: فَعَلْتُ به ما وَقَفَ كوَقَّفْتُه وأوْقَفْتُه». وبعد فلعله من المفيد أن نتابع ما جاء في معجم (لسان العرب) «وقيل وقَف وأَوقَف سواء».

(1) مهداة إلى الشيخ ماجد بن عبدالرحمن الخميس، فمنه اقتبست فكرة المداخلة.

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة