Culture Magazine Thursday  18/04/2013 G Issue 403
فضاءات
الخميس 8 ,جمادى الآخر 1434   العدد  403
 
لماذا نكره؟
عبدالله العودة

 

في مقهى بأمريكا جمعني بصديق متخرج من إحدى الكليات الشرعية، حدّثني هذا الصديق عن «الولاء والبراء» ظانّاً أن ذلك يعني أن يكره المسلم كل من ليس بمسلم.. فالتفتُّ إليه مشيراً لكل من في المقهى وللمارّة «يعني تكره كل هؤلاء؟، وتكره المعلمين الذين يعلمونك هنا؟ وتكره التلاميذ والزملاء؟ وتكره المشرفين والعاملين والكبار والصغار، وتكره حتى تلك المرأة الكتابية التي أباح الإسلام لك الزواج بها؟ وتكره حتى لوكان قدراً أحدهم قريبك أو صديقك الذي أمرك الإسلام بالإحسان إليه والقول الحسن؟».. فتوقّف.. ثم ذكر آيات تنهى عن موادّة المحادين لله ورسوله من مثل قوله تعالى: «لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله»، وهي آيات ليس فيها على الإطلاق النهي عن موادة عموم الناس لاختلاف أديانهم بل عن موادة المحادّين والمحاربين منهم وهذا أمر طبيعي فحالة المحادة والمعاداة بدأ بها هذا الطرف المعاند المحادّ والمحارب، لكن عموم غير المسلمين أثبت القرآن أصل الإحسان في قوله تعالى: «لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» وختمتها الآية بخبر أن الله يحب المقسطين لتدلّ على أن معنى أن حب الله للإحسان والبر والإقساط غير قابل للنسخ لأنه خبر والاخبار لاتنسخ.

ثم حدثني صديقي عن الآية الثانية في قوله تعالى: «قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومماتعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده» وهذا يبدو في حالة المحادة والعداوة فهو ربط ذلك البغض بحالة «العداوة» ومعلوم أن العداوة لايمكن ابتداء المؤمن بها لمجرد اختلاف الديانة وكذلك البغض. بل في المقابل ورد في القرآن إثبات حب الرسول صلى الله عليه وسلم لمن هو على غير الإسلام.. ففي نفس الآية أثبت الله حب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له وأثبت عدم هدايته وعدم إسلامه فقال تعالى مخاطباً نبيه عليه الصلاة و السلام «إنك لاتهدي من أحببت»، وإذا كان هناك من سيئوّل هذه الآية بمعنى «من أحببت هدايته» فإنها تأويل لامبرر له مع اتساق معاني الآيات كلها في عدم موادة المحادين لله ورسوله.

وأيضاً في إثبات معنى المودة ورد في القرآن إباحة الزواج بالكتابيات وهي العلاقة التي حدثنا القرآن عنها بأنه تعالى «جعل بينهما مودة ورحمة» أي بين الزوجين؛ فإباحة الزواج تعني إتاحة المجال شرعياً لارتباط موضوع المحبة والعلاقة البشرية الفطرية بغير المسلمين، وهذا ماينسجم مع أصول مبادئ الإسلام في القول الحسن كما قال الله: «وقولوا للناس حسنا» قال ابن عباس «قولوا لليهودي والنصراني الحسنى»، وتتفق مع قيمة الدعوة للدين وقيمة الرحمة للعالمين التي بعث الله نبيه بها فقال «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

فأين قيمة هذه الرحمة والدعوة والموعظة الحسنة التي قامت عليها العلاقة مع الآخرين في الإسلام من قيم الكره والبغضاء لكل أحد ومخالف, فالمسلمون يفترض أن يكونوا هم أرحم الناس بالناس وأقرب الناس للناس وأحب الناس للناس.. وهذا معنى التبشير والتيسير الذي أوصى حبيبنا عليه وآله السلام علياً ومعاذ حين قال «بشرا ولاتنفرا، ويسرا ولاتعسرا»، فأعظم أشكال التبشير والتيسير هو الحب والرحمة والسعة ، وأعظم أشكال التنفير والتعسير هو الكره والبغضاء والضيق.

وبعد كل هذا، فكيف لمبتعث يحرث في أرجاء الأرض لأجل العلم عند مختلف الثقافات والديانات أن يحمل هذا الكره المطلق في قلبه لكل المختلفين وغير المسلمين وكيف يمكن له أن يتعامل معهم أو أن يستفيد منهم أو أن يتاجر أو يكتسب الخبرة والعلم؟ ولعل تجربة الابتعاث عموماً تكون فرصة مهمة لتجاوز المشاعر المسبقة تجاه الآخرين، ومجالاً جيداً لنشر ثقافة التبشير والتيسير التي أوصى بها نبينا عليه الصلاة و السلام.. والنهي عن ثقافة التنفير والتعسير.

الولايات المتحدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة