Culture Magazine Thursday  18/04/2013 G Issue 403
قراءات
الخميس 8 ,جمادى الآخر 1434   العدد  403
 
هذا الكتاب
قد يحدث هذا الفراغ مرتين
لمياء السويلم

 

ليس الإهداء إلى بنادول نايت هو الدهشة الوحيدة التي يرسمها عبدالله العثمان على جبين القارئ، والاحتمال بأن «قد يحدث هذا الفراغ مرتين» هو ما يمتن بسببه العثمان لحبة الداوء هذه التي تعينه عليه، وهذا الديوان الذي يصدره العثمان باسم هذا الاحتمال، يقدمه للقارئ كمجموعة نصوص بعد أن صدر له في 2010 ديوان «ذاكرة متأخرة عشر ثوان».

صنف العمل الأول كديوان شعر بينما صنف الثاني كنصوص، وبين الديوانين ثلاث سنوات وقفزة في التجربة، مكمن إبداعية الشعر الحديث في موسيقى النص، أن لا يطغى فعل الصوت على فعل الصورة، وهو ما أنجزه العثمان في تجربته الثانية «قد يحدث هذا الفراغ مرتين»، وهذا العمل الصادر عن دار أثر يحمل للقارئ عشرين نصا، تتجلى فيها تجربة كتابة شعر الحداثة عند شاب سعودي، والحداثة التي تعطي أهمية خاصة للجسد كأساس للوجود وأساس للفكرة، يقترب العثمان منها باشتغال مميز هذه المرة.

قد يتحيز القارئ لنص دون آخر، قد تعلق فتاة في عبارة تمس وجودها، وقد يستفز رجل من سطر يعجزه فهمه، وقد هذه التي يعقد عليها الشاعر عنوان كتابه، هي الاحتمال الذي يكتب بقية النصوص، تبدو الكتابة عند العثمان فعل اشتباه واحتمالات لا نهائية، حتى ذاته تبدو غير أكيدة، كأنما هو غير متأكد من كونه موجودا، وها هو يكتب ليغلب ظن تواجده من عدمه:

(وأنا هنا في موقف تسلل، وحيدا ومهتما بالتحية التي تلقى دفعة واحدة في صفحتي الشخصية، وأني سأتضح بعد يومين).

يعرف عن نفسه بأنه فلاح مستعار «تعبه أنه عبدالله العثمان»، الشاب المريض بالبطء والتذكر، يكتب نصه الأول عن تمارين لإطالة البلادة في حين يذهب بقية الشباب في عمره إلى تمارين إطالة العضلات، وبينما يفكرون هم بالقفز من السماء «skydiving»، يفكر هو بالقفز من علبة بيبسي:

(سأقفز من علبة ببسي، ربما اسميها محاولة، لرصد المسافة وسيرتي الذاتية، والرغبة التي لم تتجاوز مشاهدة قصير صامت، ساقفز من علبة بيبسي، وهذه مسافة شاهقة، لشخصٍ مثلي مريضٌ بالبطء والتذكر، ليس في المسألة مزحة، لكي تُلقى بهذه البساطة، لست شاعرا ً ولست بنتاً وحيدة، تجيد تدبر أمر فسحتها. أنا خائف جداً..).

النملة ككائن يبدو غير مرئي في هذا العالم الذي يتحدى السماء في ارتفاع سقوفه، ينشغل فيها المؤلف في ثلاثة نصوص، كمن يقول للعالم شأني كشؤون الفلاحين، أكترث للنملة وأراها في أبعاد ثلاثة ككائن يماثلني في القامة، فتصرخ النملة الأولى به ليبتعد عن طريقها، وتخبره الثانية وهي تعلك العلكة أن الانتحار بملابس داخلية هو فعل التوازن غير المدرك بعد الانتهاء، بينما تحذره الأخيرتان بأن هذه اللحظة خطرة على الفلاحين في المدينة، خطرة عليه.

وحيد ليس اسما لشخص، إنما صفة للحظة بطيئة مدركة، وهذه اللحظة هي ذات المؤلف الشاب ابن السادسة والعشرين، ذاته التي تدخل معه في «غرفة وحيد»، أو يدخل هو معها، في إدراك هادئ للكينونة التي تعيش في ذاتين وربما ذوات، تذكر بما اجترحه درويش في الشعر العربي الحديث عندما كتب «أنا وهو» قاصدا بهما ذاته.

هنالك تقنيات ذكية في تجربة الكتابة عند المؤلف أوضحها ربما في تقنية الإنهاء المفاجئ للنص، كأنما يقع القارئ في السطر الأخير بشكل غير متوقع، كأنما سقط في حفرة مفاجئة فيلتفت بسرعة تلقائية إلى الأعلى لإعادة قراءة النص/ الطريق، ليعرف كيف ولماذا سقط دون أن ينتبه، ليتأكد من إن كان قد فاته شيء، أو إن كان شاردا أثناء الطريق/القراءة، ورغم جمالية التقنية إلا أن تكرارها يفقدها أثرها أحيانا، يتميز العثمان بشغف عال للتجريب، تجريب الفكرة والصورة وشكل النص، ينتصر الإبداع في كثير من النصوص، وتبقى نصوص أخرى عالقة بالتجربة فتبدو الآليات مكشوفة.

في أواخر النصوص تتكثف اللحظة الفنية بشكل فريد جدا، أنا هنا إلى بوكوفسكي عطسة تبدد غبار الرأس، تنضج التجربة في نص إبداعي رائع «CV لقلق دام يومين» :

(يبدو أني اقتربت من الشكل الذي رسمته، في مساحة مستأجرة من الفضاء برخص العبارة والأمل، في مدة شكي بجدوى الإخلاص، مع الوقت الكثيف الذي أقضيه سهراناً في إزالة الجلد النابت على أطراف أصابعي بسبب السهر على فكرة حادة تخص مستقبلي في الستين...).

lamia.swm@gmail.com الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 8789 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة