Culture Magazine Thursday  21/02/2013 G Issue 397
فضاءات
الخميس 11 ,ربيع الثاني 1434   العدد  397
 
مداخلات لغوية
هل أساء الدكتور المهيري التعبير؟
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

أتيح لي أن أداخل بعد كلمة الأستاذ الدكتور عبدالقادر المهيري في اللقاء المفتوح عن جهوده البحثية، وهو لقاء دعا إليه ونظمه مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية يوم الثلاثاء 2-4- 1434هـ، واستضافته مشكورة كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكان هدفي دعوته إلى مزيد من تعميق موقفه من تحديد مفهوم الجملة الاسمية، وهو موقف بدأه في العدد الخامس من حوليات الجامعة التونسية (1960م) سماه «مساهمة في تحديد مفهوم الجملة الاسمية»، عرض فيه لرأي الدكتور مهدي المخزومي رحمه الله الذي يخالف فيه رأي النحويين القائلين إن الجملة الاسمية ما صدرت باسم مرفوع، والفعلية ما صدرت بفعل، والقارئ لتلك المساهمة لا يحس رفض المهيري قول المخزومي؛ ولكنه ينبه إلى ما يثيره من مشكلات تعاند النحو التقليدي، وكأنه يدعو إلى تلك المعالجة، ثم عاد الدكتور المهيري إلى المسألة فزادها تعميقًا وبسطًا في كتابه (نظرات في التراث اللغوي،ط1، دار الغرب الإسلامي-بيروت، 1993م) بعنوان «قضية الجملة الاسمية»، وبعد عرضه لقول المخزومي ركز على مشكلة التصنيف النحوي للجملة فقال «ذلك شأن الجملة المستهلة باسم متبوع بفعل مثل (الولد نام)، ومن أغرب ما يلاحظ أنه بمجرّد تأخير الاسم يصبح التركيب الحاصل من قبيل الجملة الفعلية في نظر النحاة»(ص44). ثم وقف عند جملتين بدأتا باسم مرفوع هو مبتدأ عند النحويين، ولكن بين الاسمين اختلاف من حيث المعنى الوظيفي، والجملتان هما (الزائرُ حييته- الزائرُ حملت حقيبته)، وهو يرى أن الاسم المرفوع له علاقة معنوية بما بعده «إلا أن هذه العلاقة المعنوية لم تخضع للأحكام المتفق عليها؛ أي النصب بالنسبة إلى المفعول، والجر بالنسبة إلى المضاف إليه، فاتفاق الاسمين المبدوء بهما من حيث الإعراب يبرر غض النظر عمّا لكل منهما بما بعده من علاقة معنوية ويقتضي اعتبار كليهما مبتدأ»(47)، ونرى المهيري لا يوافق النحويين بمذهبهم الذي يهدر هذه العلاقة المعنوية، فيقول «ولا يمكن للدارس في العصر الحديث أن يسلم بهذه النظرة، وأن يقتفي أثر النحاة في تخريجاتهم المنطقية، والأسباب الداعية إلى ذلك عديدة؛ فمنها أنها تقتضي غض النظر عن نوع العناصر المكونة للجملة الفعلية؛ فالفعل لم يحسب له حساب وكأن وجوده لا يكسب الكلام صبغة خاصة ولا يمحضه لأداء معان لا تتسنى تأديتها بدونه»(ص47). ويزيد المهيري الكشف عن اللبس الذي تهبه النظرة النحية إلى عدّ الجمل المبدوءة باسم مرفوع بعده فعل من قبيل الجمل الاسمية، قال «ثم إن اعتبار هذا النوع من الجمل جملاً اسمية رهين إعراب صدرها في غالب الأحيان، فهي تعتبر فعلية بمجرّد تغير حركة هذا الصدر من الرفع إلى النصب، فجملة مثل:وأما ثمود فهديناهم? تعتبر اسمية إذا قرئت ثمود بالرفع، فعلية إذا قرئت بالنصب، والقراءتان موجودتان. وهكذا فالتمييز بين الصنفين ليس رهين الجانب الشكلي فحسب بل هو مدعاة إلى الالتباس إذ الجملة الواحدة يمكن إرجاعها إلى هذا الصنف أو ذاك بدون أن يطرأ عليها ما يُغيّر طبيعتها اللغوية»(ص47-48). وبعد تفصيل لجملة من الأمور الداعية إلى تجاوز التصنيف النحوي للجملتين ينتهي إلى تقرير موقفه أو ما يفهم القارئ أنه موقفهن قال «وهكذا يتضح أن اعتبار الجملة المبدوءة باسم أردف بفعل اسمية اعتبار لا تؤيده المعطيات الملموسة ولا يبرره الواقع اللغوي وليست له أية مزية منهجية سوى أنه يدعو إلى التشبث بالشكليات من ناحية أولى، ويتسبب في الالتباس من ناحية ثانية ويجر التعقيد من ناحية ثالثة، ويكفي دليلاً على أن هذه الطريقة في التمييز بين صنفي الجملة غير مقنعة أنها لا تمد الدارس بمقياس مضبوط يجنب الخلط بين هذين الصنفين. النتيجة من كل هذا أن الفصل بين الجملة الاسمية والفعلية ينبغي أن يقع على أساس آخر وهو نوع العناصر الأصلية المكونة لكل واحدة منهما، فلا تعتبر الجملة اسمية إلا إذا خلت من الفعل، وتوضع في صنف الجمل الفعلية كل جملة تضمنت فعلاً بغض النظر عن مرتبته»(ص48). وهذا القول يثير مشكلات تعاند أصولا قررها النحو التقليدي، ومن أجل ذلك حاول تقديم حل لها، قال «هذه المشاكل يمكن حلها في نظرنا إذا تخلينا عن مبدأين من المبادئ الملتزمة عند النحاة: المبدأ الأول هو اعتبار علامات الإعراب مرتبطة بالدور الذي تقوم به الكلمة في أداء المعنى، فالفاعلية حكمها الرفع والمفعولية حكمها النصب والإضافة حكمها الجر. إن التزام هذا لا يؤيده الواقع اللغوي فنوع إعراب الكلمة ليس في غالب الأحيان سوى نتيجة لمرتبتها في التركيب أو لورودها إثر بعض الأدوات»(ص49). وختم المهيري بحثه بجدول أعرب فيه جملاً مختلفة تبدأ باسم، منها (الزائرُ أخذتُ حقيبته) فأعرب الزائر بأنه «مضاف إليه بدئ به مرفوع» (ص51)، وكان سؤالي له كيف نفسر الرفع وكيف نفسر النصب وهو احتمال ذكره سيبويه في مثل هذا النمط وهو مشهور في باب الاشتغال (الكتاب،1: 83)؛ إيمكن القول (الزائرَ أخذتُ حقيبته)، ولست أدري إن كان الأستاذ فهم سؤالي؛ ولكن جوابه كان في غاية الغرابة؛ إذ أجاب بشرح علة تفصيله وبسطه المسألة، وهي أنه أراد بيان ما يثيره قول مهدي المخزومي، وختم بقوله إنّ ذلك لا يعني موافقته عليه، وأنه إنْ فُهم سوى ذلك فلأنه ربما أساء التعبير عنه. ولست أرى الأستاذ المهيري قد أساء التعبير بحال؛ فقوله في دراسته لا جمجمة فيه، ولكنّ جوابه في اللقاء جواب أحسن ما يقال فيه إنه جواب مجلسيّ لا أظنه يلائم ما جاء في الدراسة إلا أن يكون قد رجع عن ما قرره فيها، فلعله إن شاء أن يصرح بذلك تصريحًا لا مدخل لسوء التعبير فيه.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة