Culture Magazine Thursday  21/02/2013 G Issue 397
فضاءات
الخميس 11 ,ربيع الثاني 1434   العدد  397
 
انطباعات أدبية
مذكرات معروف الدواليبي
د. حمد الزيد

 

من يريد أن يعرف تاريخ وأوضاع (سوريا) في القرن العشرين، بأسرارها وخفاياها، بل وخباياها، فليقرأ الكتاب القيم الذي نشرته مكتبة العبيكان في عام 1426هـ = 2005م أعده د. عبدالقدوس أبو صالح وهو أديب وشاعر سوري مقيم أو مستوطن في المملكة منذ سنين طويلة، وحرره المرحوم د. محمد علي الهاشمي وكان أحد أساتذتي في كلية التربية بمكة المكرمة بين أعوام 1384ـ 1388هـ وكان قوياً في علمه وشخصيته، وتزوج من سيدة سعودية، وأقام بجدة حتى وفاته قبل بضع سنين.

هذا الكتاب مهم جداً لمن لا يعرف سوريا وشخصياتها، في مرحلتي النضال والاستقلال، ولمن لا يعرف خبايا السياسة الدولية، وخلفيات بعض الشخصيات التي اعتقدنا أنها وطنية، وأسرار الانقلابات التي تتالت على سوريا المستقلة عن فرنسا بجهود هذا الرجل الفذ، وخيانات الانقلابيين، وتسليمهم أراضي سورية لإسرائيل، لأن تلك الانقلابات جاءت بهم لينفذوا إرادة دولية أنجلو ـ أمريكية لشد أزر إسرائيل وتقويتها، أما عبد الناصر الذي صفقنا له يوم اتحد مع سوريا، فقد كشف دوره هذا الكتاب وغيره من الكتب كلعبة الأمم لمايلز كوبلاند، إذ كان صنيعة للقوى العظمى ولا سيما أمريكا ويا للأسف؟!

فقد فرض الاشتراكية على سوريا بأمر من تلك القوى! وهذا ما أدى إلى الانفصال لأن سوريا مجتمع تجارُ وكسبة! وقبل الانفصال جرّد سوريا من ثروتها العامة، وسرق أسلحتها من معدات وطائرات، وتركها مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي!؟

هذا ما يقوله الدواليبي، وقد قال غيره من السياسيين السوريين مثل قوله؟!

أما فوزي القاوقجي فيظهر في الكتاب كعميل بريطاني إسرائيلي ويا للأسف أيضا، وساعد في تسليم اليهود أراضي مثلث الجليل! وإفشال الثورة الفلسطينية عام 1936م وقتل المناضل: عز الدين القسام! ومعظم الكتب والكتابات تنعته بالوطنية، والإخلاص للثورة الفلسطينية؟!؟

الدكتور معروف الدواليبي في هذا الكتاب يقول أشياء كثيرة ويكشف أسراراً خطيرة! وقد عايشها وأثبتها بالوقائع والأسماء والتواريخ! أما نزاهته ومواقفه الوطنية فمشهودة ومعروفة، منذ أن كان طالباً متديناً ومستقيماً يدرس في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، وزواجه من فرنسية أسلمت على يده، إلى أن جابه الأهوال واُسرَ وسُجنَ هناك ثم في سوريا المستقلة، التي كان له اليد الطولى في استقلالها كما يذكر في الكتاب، فقد أقنع الجنرال ديغول في جلسة خاصة معه، بإعطاء الاستقلال لسوريا و للبنان فجأة نكاية في بريطانيا التي يكن لها الجنرال عداء ومنافسة تجلّت بعد الحرب العالمية الثانية.

أسرار كثيرة يرويها الدواليبي عن تلك المرحلة الفاصلة في تاريخ بلاد الشام، ويشير باختصار إلى المؤامرات والدسائس، والسياسيين الخونة الذين أضاعوا فلسطين السليبة، وأضاعوا أمتهم وشعوبهم وبلدانهم التي ابتليت بوبائهم!

إن مواقف هذا السياسي الذكي والوطني الفذ، وصدقه وشجاعته ونزاهته تظهر في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب القيم الذي لم يكتب عنه، أو يدرسه المتخصصون في الدراسات السياسية والتاريخية حسب علمي، وبقي في الظل.. كبعض الكتب التي تقول الحقيقة المُرة.

استطاع الدواليبي بذكائه وحُسن تصرفه ووطنيته وعروبته أن ينقذ الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين) صديق ألمانيا، وأن يخرجه من السجن، ويوصله إلى مصر، بجواز وهيئة مزيفة! في خطة أشبه ما تكون بأفلام المغامرات السينمائية وبمساعدة زوجته الفرنسية (أم محمد )! وعندما وصل المفتي إلى الإسكندرية أسكنه الملك فاروق في قصر التين؟!

كما استطاع الدواليبي أن ينقذ غير المفتي الكثير من الوطنيين، الذي اعتقلوا في ألمانيا بعد سقوطها وفي فرنسا، وله أياد بيضاء كثيرة لا أستطيع تفصيلها في هذه العجالة، كما وردت في الكتاب.

في هذا الكتاب القيم الذي يقع في 259 ص ويا ليته كان في ألف صفحة!

يشير الدواليبي (رحمه الله) بل ويعطي الرأي في شخصيات سوريا المشهورة أيام الانتداب الاستقلال، مثل : إبراهيم هنانو وسعد الله الجابري وشكري القوتلي وهاشم الأتاسي وناظم القدسي وغيرهم من الذين رسموا وجه سوريا الحديثة.

فأين سوريا اليوم من سوريا الأمس؟!

ذلك الوجه المشرق بالوطنية والإصلاح والنقاء، تحول إلى وجه كالح مرعب ودموي طوال نصف القرن الأخير! فبعد أن تسلم البعثيون الحكم بالقوة والاغتصاب، وتحولوا من حزب قومي إلى حزب طائفي (علوي) بدأ تدمير سوريا، الأرض والإنسان، بل وأقسم مستبدها الدموي الوحش (وهو كنيته السابقة) على أن يدمرها حجراً.. حجراً.. كما أقسم لإيران الشيعية بأنه لن يسلمها للسنّة أبداً؟! وسيخيب فأله قريباً إن شاء الله تعالى.

يا لها من مفارقات تاريخية عجيبة ومضحكة بل هي في الحقيقة مبكية! ولكنه ضحك كالبكاء! كما قال الشاعر: المتنبي.

لكن الفرج آت.. وقد لاحت تباشيره.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!

الحديث عن مذكرات الدواليبي طويل، وقراءة كتابه ممتعة ومفيدة ومؤلمة في الوقت نفسه، وهذا الرجل الذي بدأ حياته وطنياً ثائراً على الاستعمار الفرنسي، وتعلم القانون في فرنسا، وتزوج من فرنسية، وكافح وهو في فرنسا وسجن وطورد من أجل استقلال سوريا، أصبح وزيراً، بل ورئيساً للوزراء فيها، حتى بداية الانقلابات المعروفة التي كانت تديرها السي. آي. اي من مكتبها في القاهرة لمصلحة إسرائيل، هذا الرجل الفذ، العالم الفقيه في الشريعة والقانون الأستاذ السابق في الجامعة، ومؤلف عدة كُتب، كسبته المملكة في عهد الملك فيصل (رحمه الله) كمستشار في الديوان الملكي، وكشخصية عربية ذات توجه إسلامي، أفاد حركة التضامن الإسلامي، والتعاون بين الدول الإسلامية، وترسيخ زعامة المملكة التاريخية للعالم الإسلامي، وكان مخلصاً لمبادئه ولعمله ومستشاراً أميناً.

رحم الله الدواليبي فقد كان من خيرة رجالات العرب في العصر الحديث.

- جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة