Culture Magazine Saturday  21/09/2013 G Issue 412
فضاءات
السبت 15 ,ذو القعدة 1434   العدد  412
 
البرامج (التلفزيونية) الثقافية في شهر رمضان المبارك:
مجموعة mbc وأثرها في توليد السياق الجديد
خالد بن أحمد الرفاعي

 

أسّست الفضائيات العربية لنفسها حضوراً كبيراً في شهر رمضان المبارك، يفوق – في السنوات العشر الأخيرة تحديداً – ما كانت سجلته من قبل، أو ما كان سجله (التلفزيون الأرضي)، ويعود هذا الحضور النامي إلى معطيات متنوّعة عرض لها بعض الراصدين.

ومن حيث الجملة يمكن أن نقسِّم المادة الرمضانية التي كانت تستأثر بساعات البثّ في شهر رمضان - على مدى عشرين عاماً - قسمين كبيرين، سعى أحدهما إلى تقديم توعية دينية مباشرة، في حين سعى الآخر إلى تقديم برامج ترفيهية من فئتي: الدراما (الكوميديا تحديداً) والمسابقات، وتقاسم الاثنان ساعات اليوم الرمضاني بالتساوي في (التلفزيون الأرضي)، وبنسب متغيرة ومتفاوتة في القنوات الفضائية..

هذه هي الخريطة العامة التي يمكن أن نتمثلَ بها المادة الرمضانية في كلّ منهما، ويبدو واضحاً للراصدين غيابُ البرامج الثقافية (بالمعنى الضيّق) عن هذه الخريطة جملة وتفصيلا، وغيابُ أو تغييبُ الهمِّ الدنيويِّ الواعي، الذي يعمّق في الإنسان إحساسَه بمشكلات الحاضر، وما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل.

ويجوز لي – بناء على هذه الرؤية - أن أقول: إن المتلقي كان يجد نفسه أمام البرامج الرمضانية بين خطابين: أحدهما: فقهي وعظي يخاطب في الإنسان علاقته بربه وما يتصل بهذه العلاقة من أقوال وأفعال وأحوال، والآخر: ترفيهي، تسيطر عليه المادة (الكوميدية) المحافظة، أو المسابقات المسترخية..

كلا الخطابين أسهم – من حيث لا يدري - في توسيع الفجوة بين المتلقي وقضاياه الملحّة والمصيرية، فأما الخطاب الديني فكان يخدم (بالصيغة التي قصدتُها) مصيرَ الإنسان في آخرته أكثر من خدمته وضعه الدنيوي، وأما الخطاب الترفيهي فكان ينقل المتلقي من دنياه الواقعية إلى أخرى افتراضية، وفي الحالين كان المتلقي يخرج من هذه الدورة البرامجية بغربة أكبر عن واقعه، وبحالة أكثر استرسالاً في الجهل به أو تجاهله...

2

في عام 2005م قامت مجموعة mbc بخطوة مهمّة، يمكن أن نتخذها إرهاصاً لولادة سياق ثالث للبرامج التلفزيونية في شهر رمضان، تتمثّل هذه الخطوة في عرضها برنامج «حجر الزاوية» للدكتور سلمان العودة، ورغم كون البرنامج في نسخته الأولى (تحديداً) محسوباً على سياق التوعية الدينية فإنّ سعةَ ثقافة العودة، وامتلاكَه رؤية قابلة للانفتاح والتفاعل (عُرف بها قبل هذا التاريخ) طبعتا البرنامجَ بطابع خاص، وجعلتاه مختلفاً حتى وهو مخلصٌ في انتمائه إلى السياق التقليدي...

وهذا ما وعته مجموعة mbc، فسارعت إلى استثماره - فيما بعد - بتضييفها البرنامجَ على مدى خمسة مواسم رمضانية (2006 – 2010م)، وبتقديم الدعوة إليه ليكون ضيفاً أسبوعياً باسم «الحياة كلمة» خارج شهر رمضان، وقد نجحت العلاقة بين القناة وفريق الإعداد في أخذ البرنامج بشكل متدرِّج إلى سياق جديد/ مختلف، حتى تجلى في دورته السادسة والأخيرة عام 2010م برنامجاً فكرياً، يتغيا بشكل مكشوف إحداثَ التغيير، وتوليدَ المعاني، واقتراحَ الإجابات التي لا تفتأ تقذف الأسئلة بالأسئلة...!

أصبح برنامج «حجر الزاوية» – بفضل التراكمية التي عايشها - من أكثر البرامج السعودية متابعة داخل المملكة وخارجها، وانتقل من دائرة (المشترك) إلى دائرة (المستقلّ)، فأصبح له منطقاً ثقافياً عالِماً، وأصبحت المادة الدينية – تبعاً لذلك – عنصراً مكوناً لرؤيته بعد أن كانت العنصرَ الوحيد، وأعادت موضوعاتُ البرنامج صياغة التوازن على مستوى التلقي، فحل الاهتمام بالدنيا إلى جوار الاهتمام بالآخرة، ونُظِرَ إلى كلٍّ منهما على أنه امتدادٌ ماديٌّ أو معنويٌّ للآخر، فطرح البرنامج – في موسمه السادس والأخير – أفكاراً مهمةً حول «مقاومة التغيير»، و«تغيير الذات»، و«تحول الخطاب الديني»، و«الثورة المعرفية»، و«العالم التِقَنِي»، و«المتغير الاقتصادي»، وما إلى ذلك من موضوعات لم يعهدها المتلقي في البرامج المندرجة تحت السياقَين السابقين (التوعية الدينية- الترفيه).

ومما يؤكد حرصَ مجموعة mbc، وتحركَّها المبكر بوعي إلى استحداث هذا السياق الثقافي تحرّفُها في السنة نفسها (2005م) إلى عرض برنامج آخر عُدّ لاحقاً من أهمّ برامج هذا السياق الجديد، بل من أهمّ البرامج التي قدمتها القنوات الفضائية العربية في شهر رمضان المبارك، ألا وهو برنامج «خواطر» للإعلامي المتألق أحمد الشقيري .

لم يكن هذا البرنامج من إنتاج المجموعة، لكنّ مادته واكبت توجهها العام، فكان عرضه على شاشة القناة ابتداءً من نسخته الأولى إلى النسخة التاسعة (2013م) تعبيراً عن جدية المجموعة في وضع أساس متين لسياق ثالث في مادة العرض الرمضاني، ولقد كان برنامج «خواطر» أكثر جرأة من برنامج «حجر الزاوية» في الإعلان عن ولادة هذا السياق، وفي المراهنة على انتشاره...

يقول الشقيري عن الفكرة العامة لبرنامجه: «برنامجي يقدم مبادئ عامة للبشرية وليست خاصة بالمسلمين، وغايته تحقيق حياة كريمة للإنسان...»!

3

احتفلت قنواتٌ أخرى بولادة هذا السياق الجديد على طريقتها الخاصة، وأخَذَنَا التنافسُ في توليد رؤاه وفنّياته إلى عدد من البرامج الثقافية الجادة، أحسبُها قادرةً على تأسيس وعي جيّد بالحالة الراهنة، وعلى الإفضاء بالمتلقي إلى المبادئ الرئيسة في صناعة مستقبل أفضل للحياة، فظهرت برامج تهتمّ بالجمال (جمال الكلمة، وجمال المعنى، وجمال الجسد، وجمال الشيء)، وظهرت برامج أخرى توظّف التقنية وتتعمق في فهم متكآتها الفلسفية، وتذهب بعيدا في مدارسة العلاقات التي كانت مهملة في السياقين السابقين.

ويمكن أن أشير هنا إلى مسارين مهمين من مسارات احتفال القنوات الأخرى بولادة هذا السياق الجديد:

المسار الأول: شراء البرامج الثقافية، ومن آخر الصفقات – بحسب متابعتي – إقدام قناة (أبو ظبي) على شراء حقوق عرض النسخة التاسعة من برنامج (خواطر)، ودخول قنوات أخرى مضمار التنافس على شراء البرنامج ولو بميزانية ضخمة، وقد نقلت بعض الصحف الإلكترونية عن أحد مسؤولي (قناة دبي) تفكيرَ القناة في إنتاج برنامج مشابه لبرنامج خواطر في حال فشلت محاولاتُها في شرائه.

وبعيداً عن دقة هذه الأخبار، فإن المخاطبات التي تتم بين المنتج والمجموعة من جهة والقنوات الأخرى من جهة أخرى تعبّر عن النجاح الكبير الذي حققه هذا السياق الجديد، والرسائل الفاعلة التي استطاع إيصالها.

المسار الثاني: إنتاج برامج يمكن أن تُنْمى إلى هذا السياق، من حيث اهتمامها بطرح الأسئلة، ومعافسة القضايا الشائكة، والاهتمام بالجماليات، فهناك على - سبيل المثال - برامج ذات طابع أدبي كبرنامج «درر الشعر» الذي عرض في رمضان الماضي على شاشة (نور دبي)، وبرامج ذات طابع فكري كما في برنامج «خذها قاعدة» الذي قدمه د.صلاح الراشد على شاشة (روتانا خليجية)، وبرامج حوارية في جوانب فكرية وأدبية ونقدية متعددة كما في برنامج «الصالون الثقافي» الذي قدمه د.صالح المحمود على شاشة (الثقافية السعودية)...، وثمة قنوات أخرى آمنتْ بأهمية هذا السياق، وسعتْ إلى إدراجه في خطتها البرامجية خلال شهر رمضان الماضي.

وبهذه المواكبة التي فاجأتنا في رمضان الماضي أستطيع القول إن السياق الثقافي قد أعاد صياغة خريطة البرامج الرمضانية، واستطاع أن يمنح المادة الثقافية ما يمكن أن تنافس به المواد التي قدمها السياقان التقليديّان، وأضيف إلى ما سبق أن البرامج الثقافية قد أقنعت الأطرافَ كلَّها :

- المنتج الذي وجد سوقاً مفتوحة.

- والمتلقي الذي وجد مادة جديدة وجريئة وثرية.

- والمعلن الذي وجد خلف هذا السياق الجديد جمهوراً عريضاً متفاعلاً.

ولم يتبقّ إلا إسهام المثقفين في دعمها بالرصد والتوصيف والتحليل...

تويتر : @alrafai - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة