Culture Magazine Thursday  23/05/2013 G Issue 407
فضاءات
الخميس 13 ,رجب 1434   العدد  407
 
عن (تجارة) المؤتمرات!
فيصل أكرم

 

في تعريف موسوعة (ويكيبيديا) لمسمى (مؤتمر) تقول: (هو تجمّع ثقافي تحت عنوان أو موضوع محدد يدعى إليه المتخصصون في مجال ما ويقدمون أبحاثاً وأوراق عمل تعالج قضية ما..) وتختم تعريفها بأنه (عادة ما ينتهي المؤتمر بتوصيات، وتكون أول توصية هي: شكراً للجهة المنظمة للمؤتمر)!

أما عن (المؤتمر الصحفي)، وهو موضوع مقالتي هذه، فتقول ويكيبيديا: (هو عبارة عن اجتماع بين الصحفيين من جانب وشخص أو عدة أشخاص من جانب آخر لديهم أخبار تهمّ الجمهور ويريدون نشرها، ويقوم الصحفيون عادة بطرح أسئلة على مقيمي المؤتمر بوصفهم صانعي الحدث)..

ذلك هو التعريف الأساسي الشائع لمصطلح التسمية (مؤتمر) بوجهيه الثقافي والصحافي، وقد ارتبط عند عموم الشعوب في العالم تطلُّعٌ بالغ الأهمية إلى كل (مؤتمر صحفي) يقيمه رئيس دولة أو أكثر، وكذلك الحال مع رؤساء المنظمات الدولية والأحزاب أيضاً، فإنهم حين يقيمون (مؤتمراً صحفياً) فهذا يعني أن ثمة مجريات جديدة وطارئة على الأحداث ويجب على الكل الانتباه لها والتركيز في كل حرف يطرحه المسؤول في المؤتمر، ناهيك عن التصريحات التي يدلي بها كإجابات عن الأسئلة التي يطرحها الصحفيون عليه..

نعم صحيح، كل ذلك (كان.. وياما كان!) حين كان المسؤول، في كل مكان من العالم، مسؤولاً بمعنى المسؤولية المطلقة، التي تخوله أن يبادر ويقرر ويلتزم بمبادراته وقراراته، أما الآن.. وفي السنوات القليلة الأخيرة فقط، فقد عمَّ بين المسؤولين الأوائل في العالم كله مفهومٌ يقضي بأنهم مجرد (موظفين)، تنصبُّ اهتماماتهم - الذاتية - أوّلاً في (الرواتب والمحفزات والبدلات) التي يقبضونها من خزائن دولهم أو تياراتهم، لذا نلاحظ كثرة المؤتمرات بصورة لم تكن معتادة في الماضي أبداً، والقاسم المشترك بينها أنها لم تعد تأتي بأيّ جديد أو مثير للاهتمام بما يكفي كمسوغ لإقامة مؤتمر صحفي (عالمي) تحضر لتغطيته كل وسائل الإعلام ووكالات أنبائها العالمية؛ فالكلام الذي نسمعه في معظم المؤتمرات ليس فيه ما يكفي ليكون خبراً عابراً أكثر من كونه (إقامة مؤتمر) لا أكثر..!

ما أحسبه وأظنه وأجزم بصحته، أن المسألة قد باتت تبدأ وتنتهي بغرض (التجارة) فالمسؤول أصبح تاجراً، وبضاعته لم تعد (الكلام) فهو لم يعد يملك مقدرات الكلام ولم يعد قادراً على الالتزام به وتسوية تبعاته، إنما البضاعة هي (الوقت) المتمثل في الحدث (المؤتمر) ففي مخصصات رؤساء الدول والمسؤولين الكبار - باعتبارهم موظفين - بنود تحقق لهم مداخيل مادية عالية جداً عن مؤتمراتهم الكثيرة، بما يفوق (الرواتب الأساسية) لهم (!) وهنا يكمن سرّ إشاعة المؤتمرات، حتى أصبحت المؤسسات الإعلامية (التجارية) تخصص قنوات تلفزيونية وإلكترونية تختص ببث تلك المؤتمرات على مدار الساعة!

أقول جازماً: القرارات الكبرى والمصيرية في العالم الآن تفرضها المصالح الطارئة والمفاجئة للكل، ولم يعد لدى أي أحد في العالم أي خطة من الممكن أن يشرحها أو يفصح عن بعض تفاصيلها في مؤتمر صحفي، غير المصلحة المتحققة له شخصياً كموظف يخصص له النظام مبلغاً من المال لقاء كل مؤتمر يقيمه، وهذا ما يفسر أيضاً ذلك التناقض العجيب بين ما يصرح به مسؤول في مؤتمر وما يتخذه من قرارات في اليوم التالي (!) وكنا نحسب أن تلك (سياسة) ولكن المتتبع جيداً سيكتشف أن المسؤول يكرر كلاماً بائتاً، تم إقراره سابقاً من فريق العمل المختص بتوجيهاته له، وأنه يترقب الأحداث لا أكثر.. ومع ذلك يحرص على إقامة مؤتمر كلما زاره نظيرٌ أو زار نظيراً (وهل للزيارات أهداف لم تعد تجارية)؟!

وحتى على المستوى الإعلامي والثقافي، فالمؤتمرات تحقق عوائد مرتفعة لكل المندوبين من مؤسساتهم للمشاركة فيها وتغطيتها والتعليق عليها، لذا يتسابق إليها الصحفيون والمراقبون والمحللون، فهي (التجارة) إذاً.. تجارة الوقت الذي يصل لأعلى تقييم حين يبذل في (مؤتمر) يتابعه الناسُ بإصغاء وتركيز فلا يجدون فيه ما يستحق المتابعة ولا الإصغاء ولا التركيز، سوى رؤية المؤتمرين وسماع أصواتهم!

ومن المعروف، على سبيل المثال، أن الراتب الشهريّ لرئيس الولايات المتحدة في حدود 33 ألف دولار (أربعمئة ألف سنوياً) غير أنه يتقاضى مكافأة عن كل مؤتمر داخل الولايات المتحدة قدرها ستة آلاف وخارج الولايات المتحدة قدرها خمسة عشر ألف دولار.. أليس في هذه المعلومة - أو المعادلة - ما يفسّر كثرة مؤتمراته الصحفية هناك وهناك..؟!

ffnff69@hotmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة