Culture Magazine Thursday  23/05/2013 G Issue 407
فضاءات
الخميس 13 ,رجب 1434   العدد  407
 
انطباعات أدبية
تفكيك هيكل
د. حمد الزيد

 

هذا كتاب ضخم يقع في حوالي (600) صفحة صدر قبل سنوات وألفه المؤرخ العراقي د. سيار الجميل، وهو كتاب مهم لأنه علمي موثق كتبه أستاذ جامعي، ووثقة بالعشرات من المصادر العربية والأجنبية، ولأنه يفكك شخصية صحفية كانت لامعة في الماضي، ولكنها تهافتت في الأكاذيب، وانكشفت في السنوات الأخيرة وفقدت مصداقيتها عند القراء وحتى المشاهدين لمقابلاتها في التلفاز، إن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل الذي شغل الصحافة العربية وخاصة المصرية بضجيجه وعجيجه، ومقالاته، وادعاءاته، وانفعالاته وسهامه المسمومة! هذا الكتاب لا يفضح ظاهره (هيكل) فقط، ولكنه يفككها بالنقد المستند على المراجع، ثم يحطمها في النهاية!.

والواقع أن هيكل أو غيره من الكُتاب والصحفيين وحتى السياسيين والفنانين... إلخ هم ضحايا - كذلك - لنزعاتهم الشخصية وأمراضهم النفسية، والظروف الخاصة والعامة، والصدف والحظوظ.

بدأ هيكل كما يقول المؤلف حياته الصحفية في مجلة آخر (ساعة) عام 1944م وكانت لسان حزب الوفد المصري ويرأس تحريرها الصحفي الكبير محمد التابعي، وبعد سنتين التحق بالعمل عند الأخوين (مصطفى وعلى أمين) في أخبار اليوم حتى عام 1957م، وقد رد هيكل للأخوين الجميل بأنه تسبب في إدخال (مصطفى أمين) السجن لعدة سنوات، وهروب (علي) من مصر إلى الخارج؟! وهذا طبع اللئام في كل زمان ومكان! ودارت الأيام بهذا الصحفي (البراغماتي) الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، ويجيد حبك المؤامرات، ليقفز على ظهور زملائه، بل وأساتذته ومن أحسنوا إليه وساعدوا في بروزه.

أما قصة التحاقة بالخدمة في معية (الريس) عبدالناصر، والضجيج الذي دار في الوسط الصحفي وحتى الشعبي بأنه يسيطر على الزعيم فيقول عنه المؤلف :

[... إن كل حياة الرجل أي هيكل ارتبطت باسم كاريزما زعاماتية خطيرة ممثلة بالرئيس: جمال عبدالناصر، ولم ترتبط بالوطن الأم مصر أو بالوطن (الخارجي) العربي! وهذا ما يتوضح جلياً في جملة الكتابات التي نشرها على امتداد حياته الخصبة.. بدليل أنه كان ولم يزل يشعر بهذا الشعور في أعماقه، مما دعاه إلى أن يطلق على واحد من كتبه اسم: (لمصر.. لا لعبدالناصر) وكأنه يريد القول إن ارتباطه بمصر أقوى من ارتباطه بعبد الناصر]! وهكذا تنكر (هيكل) لولي نعمته الكبير، ويستطرد المؤلف:

[وهناك جانب آخر طالما انتقده عليه منتقدوه يتمثل بعمليته الذكية بخلط الأوراق والقضايا بعضها بالبعض الآخر، وإدخال القارئ في متاهة فكرية ضائعة المعالم، وتركه هناك كما سجّل عليه أكثر من معترض ومعقب وناقد أنه رجل يتسم بالتعالي والتكبر على أقرانه وعلى الآخرين... وأنه لا ينظر إلى العرب بطريقة سوية، إذ يصف طرف منهم بالتقدم والذكاء، وطرف آخر بالتخلف والجهالة، وطرف ثالث بالأنانية والأحقاد... إلخ].

وقد تعود (هيكل) أن يهاجم الزعماء والملوك بعد موتهم لأنه جبان! ويبدو متوهماً أنه كشف عن أسرار لم يكن يعرفها غيره، وهذا هو سر عقدته كما يقول المؤلف وهو يوحي بأنه يشارك في صناعة التاريخ وليس كتابته، كما أنه يكذب على الأموات ويقولهم ما لم يقولوه لأنهم ببساطة لا يستطيعون الرد عليه، ويعبث في الوثائق، ويدعي كذباً أنه قابل ذلك الزعيم ونصح ذلك الرئيس وطلبه ذاك الملك، وكل ذلك قاله بعد وفاتهم؟! والميت يكذب عليه كما يقال!

ويفصلّ المؤلف عن علاقة (هيكل) بالزعيم: عبدالناصر، مع أنه لم يصنفه من ضمن الطاقم السايسي له، ويوحي (هيكل) للناس بأنه كان مريده! ويصور لقرائه أنه المسيطر الحقيقي على عبدالناصر وقراره! ولكن الحقيقة مخالفة تماماً لما ادعاه (هيكل).

ويقول عنه صحفي كبير عمل بمصر في الصحافة وزامل هيكل أحياناً وهو الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي (رحمه الله) في كتابه: سنوات في مصر [كان هيكل سكرتيراً لمجلة آخر ساعة الصادرة عن (أخبار اليوم) وكان يأخذ مني الريبورتاج الصحفي المعد للنشر ويخزنه في درج مكتبه السري بدلاً من نشره! ولا أعرف صحافياً تفترسة الغيرة مثل زميلي هيكل! وعندما أعطاني عبدالناصر مقابلة صحفية مدوية في إحدى المناسبات المهمة قرر هيكل أن يقتلها بدلاً من نشرها. وليس سراً أن أقرب الصحافيين لهيكل كما يزعم هيكل نفسه هو أكثر الصحفيين الذين لم يحمل لهم هيكل إلا الحسد! وأعني: أحمد بهاء الدين.

وفي دمشق سرق هيكل مني مقابلة تاريخية أجريناها مع فارس الخوري قبل انقلاب الشيشكلي بساعات، ونشرها في (أخبار اليوم)!].

وعندما مات الزعيم وجاء السادات للحكم، لم تنطل عليه أساليب هيكل وأحابيله، ولعب السادات بهيكل بعض الوقت، قبل طرده من الخدمة العامة! وأكبر ضربة تلقاها هيكل على رأسه المليء بالغرور والعجرفة هو إبعاده من جريدة الأهرام إدارة وتحريراً، وأصبح لا يستطع الكتابة فيها بعد أن كان كالطاووس يصول ويجول على صفحاتها.

وإذا كان حبل الكذب قصيرا؛ كما يقول المثل، فإن الزمن ولو طال قليلاً كفيل بفرز الغث من السمين، وتحويل الذين ظهروا لنا كالعمالقة إلى أقزام، بعد أن ينكشف أمرهم، وتنطفئ شعلة شهرتهم المؤقتة؟!.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة