Saturday 23/11/2013 Issue 418 السبت 19 ,محرم 1435 العدد
23/11/2013

السيف والشراع

عندما يكون السينمائي كاتبا روائيا، فإنه بالضرورة يكتب روايته سينمائيا، وأتذكر أنني في حوار مطول جمعني والكاتب غسان كنفاني حيث عملنا سوية في مجلة «الهدف» تحدثنا عن الروايات التي تشبه السيناريو السينمائي الأدبي وضربنا أمثلة من رواياته التي تحولت إلى أفلام سينمائية بدون إضافات من قبل السينارست حيث الكثير من رواياته تشبه الفيلم السينمائي. ومنها رواية «ما تبقى لكم» التي تحولت إلى فيلم يحمل عنوان «السكين» وأيضا رواية رجال تحت الشمس التي تحولت إلى فيلم يحمل عنوان «المخدوعون» ورواية «عائد إلى حيفا» التي تحولت إلى فيلم سينمائي بنفس الاسم.

فرانسواز ساغان كتبت رواياتها بصيغة السيناريو اليسنمائي. أنا أيضا أكتب رواياتي بصيغة السيناريو السينمائي الأدبي. هذا النوع من الأدب له طعم نادر فهو رواية سفرة قطار أو استراحة محارب أو يوم ملل في مقهى وهو مادة لفيلم سينمائي ممتع.

بهذا المعنى كتب السينمائي والكاتب كاظم الصبر روايته المعنونه بـ «السيف والشراع» التي هي الآن تحت الطبع. أهداني الرواية كي أقرأها بعين سينمائية. فوجدت فيها سيناريو سينمائيا أدبيا متكاملا. وهذا هو الشكل من الرواية السينمائية غير المعروفة في الأدب العربي. هذا لا يعني أنها لا تنتمي للأدب الروائي، فهي تحتوي الميزتين. تقرأ كرواية وتنتج كفيلم سينمائي.

يعيش السينمائي والكاتب كاظم الصبر في المغرب منذ عشرات السنين بعد أن درس السينما في رومانيا. عمل في المغرب وعايش السينما المغربية والأدب المغربي ويتحدث اللهجة المغربية بلكنة عراقية وأحيانا يتحدث العراقية بلكنة مغربية. ويشكل حضوره هناك في المغرب جزءاً من الإشكالية العراقية للمغتربين العراقيين نتاج التحولات السياسية المتلاحقة والمتناقضة التي جرت وتجري في العراق حتى إشعار آخر إذ لم تتضح معالم الدولة العراقية وبالتالي المجتمع العراقي. فكاظم الصبر يكتب أعماله الروائية والأدبية اليوم كمغربي، فأحداث التاريخ المغربي والمعاصرة المغربية تجدها في أعماله حتى يخال المرء معتقداً أنه مغربي وليس عراقيا. وهنا تكمن أيضا إشكالية من نوع آخر في الأدب والحياة الاجتماعية. لذا فنحن الآن نتحدث عن رواية سينمائية مغاربية.

تثير هذه الرواية إشكالية العلاقة مع الآخر. الدول ذات المصالح الاستعمارية، إسبانيا، إنكلترا، هولندا، وطبيعة التعامل معها في اإطار مرحلة من مراحل التاريخ التي تزدحم بالتضارب والسعي للحوز على مناطق النفوذ والثروات. وتطرح الرواية تساؤلا ذا بعد سياسي واجتماعي واقتصادي عن المتسبب في كل ما جرى منذ الحقب الاستعمارية المباشرة حتى غير المباشرة في يومنا هذا. وهو سؤال خطير تأتي الإجابة عنه في لغة مرحة تقترب من كوميديا الموقف تارة وكوميديا ملابسات الأحداث. تكتشف في النهاية النجاح النسبي والإخفاقات النسبية في مسار المجتمع وغياب الوعي الاجتماعي الذي يقود إلى عملية متصاعدة في مفهوم الحرية والاستقرار والاستقلال بمعناه الإنساني وليس السياسي فحسب. لتكتشف في سياق الأحداث هيمنة القدرية التاريخية بدلا من قدرة الشعوب على صناعة التاريخ. كل ذلك ينجز وفق حبكة روائية مرحة.

الأحداث غير مدقق فيها تاريخيا ولكن بدايات القرن السابع عشر هو زمن تلك الأحداث والمكان هو الرباط أو «سلا» تحديداً. وأن عدم الإشارة إلى تاريخ الأحداث أو مكان الأحداث قد تكون وراء إخفاء الإحداثيات التاريخية بشكل محدد للهروب من الالتباس ويصبح تحرير الرواية من الزمان والمكان ووضعها ضمن افتراضات تمنح الكاتب حرية التوغل في بناء الرواية ورسم شخصياتها.

السيف والشراع رواية ممتعة للقراءة وللمخيلة السينمائية. تطبع ضمن إصدارات وزارة الثقافة لمناسبة عام بغداد عاصمة الثقافة العربية.

إضافة إلى متعة الرواية فإنها كتابتها ونشرها تطرح ضمنا إشكالية الغربة الوجودية التي يعيشها المثقف، والمثقف العراقي تحديدا منذ عشرات السنين، بل مئات السنين وحتى إشعار آخر!

- هولندا