Saturday 23/11/2013 Issue 418 السبت 19 ,محرم 1435 العدد

في (التفصيل) يدخل الشيطان .. وكذلك في (الإجمال)

أمّا الثانية فهي التي بُلينا بها في عصرنا الحاضر!

* يرتكبُ أحدُهم خطأً، فيُعاب عليه؛ ثم على المنطقة التي يسكن فيها، أو القبيلة التي ينتمي إليها!

* يطرحُ ليبراليّ مشروعاً يراه جديراً، فتتكالب عليه وعلى مشروعه سباع التسخيف والتهجين، وتطال براثنها وأنيابها ذلك الفكر الذي يؤمن به؛ بكلّ من فيه.. وما فيه..!

* ينادي مُصلِحٌ بضرورة علاج مشكلة مُقلقة، ويقدّمُ مقترحه لذلك؛ فيُقابَل بالاستهزاء الذي لا يلبث أن يتّسعَ ليَسَعَ جميع المنتمين إلى ذلك التيار العريض، فيوصَف بالرجعي.. ذي النظرة القاصرة التي لا تفي.. ولا تكفي..!

لا يعنيني من هذه المواقف -وغيرها كثير- ما تحمله من شحناتٍ عاطفيةٍ سلبيةٍ سوّغتْ رَدّاتِ الفعل غير المبرّرة؛ بقدر ما تعكسه من ثقافة ثُنائيةٍ متطرّفة أُسِّسَتْ على أرضيةِ عداء (الآخرين) الخارجين عن دائرة (نحن)، والتشكيك بهم ومن ثَمّ بما يطرحونه أو ينادون إليه. وهي ثقافة تعتمد الحُكم المُوحَّد المُجمَل المُسبَق؛ لذا حاسبت (الكلّ) بجريرة (البعض) حتى ولو كان البعضُ صوتاً واحداً، وحتى ولو لم تكن جريرة أصلاً!

لقد نهضت هذه الثقافة على مبدأ التصنيف الأعمى، فاستحضرتْ -على الدوام- أصول الفرد الإقليمية والعرقية ومنطلقاته الفكرية..؛ لا لتقرأه بدقّة، بل لتجعل من ذلك أرضية للهجوم الواسع الذي يتجاوز -بوقاحة- ذلك (الآخر) إلى (آخرين) يختلفون عنه بالضرورة؛ فليسوا به، وقد لا يرون رأيه.

نعم، بُلينا بهذه الثقافة المُجْمِلَة التي لا تعي ما الطرح الخاص.. والرأي الفردي.. والعمل الشخصي.. ولا تُدْرِك إلاّ (دوائر) واسعة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، معتقدةً أن جميع من فيها مسلوبي الإرادة والرؤية الخاصة؛ فليسوا سوى أدواتٍ تُستعمَل وآلاتٍ تؤدّي أدواراً بالجبر والقسر، مستمدّةً طاقتها من قوة الدائرة التي تنتمي إليها؛ وكأنّ الفرد عاجزٌ عن أن يُكوّن لنفسه دائرة خاصة به، قد تقع بين دائرتين أو أكثر. لقد عملت هذه الثقافة على تحزيب المجتمع.. وتشتيته.. وتمزيق اللُّحمة الوطنية..، حتى مفهوم (الوسطية) غاب في ضباب النسبية؛ فلم يعد يجتمع عليه اثنان. حقّاً؛ لقد شاركَنا الشيطانُ أحكامنا في الإجمال، ولم تعُد مسالكه إلينا قاصرة على التفصيل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

د. عبد الرحمن بن صالح الخميس - جامعة القصيم - كلية العلوم والآداب في الرس تويتر azizinmm *** البريد azizinmm@gmail.com