Culture Magazine Saturday  28/09/2013 G Issue 413
ترجمات
السبت 22 ,ذو القعدة 1434   العدد  413
 
بحث نادر في التاريخ والعلاقات الدولية
لماذا تناصر إيران القضية الفلسطينية؟ 2-6
د. حمد العيسى

 

نواصل ترجمة هذه الدراسة الهامة للبروفيسور تريتا بارسي وهو باحث ومفكر أمريكي من أصل إيراني. وهي الدراسة المستمدة من كتاب بارسي «مثلث الغدر: التعاملات السرية لإيران وإسرائيل والولايات المتحدة» (نيو هيفن: قسم النشر بجامعة ييل، 2007).

لماذا تناصر إيران القضية الفلسطينية؟!

أما التغيير الثالث، كان تراجع طموحات مصر الإقليمية بعد هزيمتها في حرب عام 1967، وبدئها في استكشاف فرص إعادة توجيه سياستها الخارجية بعيداً عن الاتحاد السوفياتي. وكان لهذا تأثير كبير على تقييم إيران للتهديدات الخارجية، لأن تهديد القومية العربية لإيران خلال سنوات عبد الناصر كان جدياً؛ فقد كانت إيران تشعر بقلق بشكل خاص من احتمال حدوث توسع إقليمي ناتج من فكرة القومية العربية وحصول مطالبات عربية بإقليم خوزستان الغني بالنفط في جنوب إيران(8). ويرى السفير فريدون هويدا، سفير إيران لدى الامم المتحدة خلال السبعينيات: أن «الإيرانيين أدركوا أنهم محاطون بالعرب. وكان العرب دائماً يتخذون سياسات معادية لإيران»(9).

ولكن بينما كانت مصر تقوم بتطوير سياستها الخارجية نحو الاعتدال، كما اعترفت بدعم إيران للموقف العربي في مجلس الأمن الدولي بخصوص القرار الرقم 242، فقد كانت هناك دلائل تشير إلى أن التوترات العربية-الإيرانية يمكن تهدئتها(10). ومن خلال وساطة كويتية، استأنفت إيران ومصر العلاقات الثنائية في أغسطس 1970. وبعد شهر واحد، توفي عبد الناصر وحل محله أنور السادات، الذي سارع في تطوير وتعزيز العلاقات مع إيران(11). منهج الرئيس المصري الجديد أنهى فعلياً خوف طهران من احتمال تهديد زعيمة القومية العربية لتطلعاتها الإقليمية.

وفي يوليو 1972، قام الرئيس المصري بتحول كبير نحو المعسكر الغربي عندما طرد أكثر من 10.000 خبير روسي عسكري(12). وكان السادات قد تشاور مع الشاه قبل اتخاذ هذا التحول الراديكالي في التوجه الإستراتيجي، وشجع الشاه بقوة السادات على الابتعاد عن فلك الاتحاد السوفياتي وعرض تقديم حوافز اقتصادية لمصر مقابل ذلك(13). وأمر الشاه الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك بمساعدة المصريين في تأسيس علاقات مع أعضاء الكونغرس الأمريكي وزعماء الجالية اليهودية الأمريكية من أجل تسهيل انتقال مصر إلى المعسكر المؤيد للغرب(14). وبمجرد طرد المستشارين السوفيات وبدء تدهور علاقات موسكو مع القاهرة، حدث تحسن هائل في العلاقات المصرية-الإيرانية(15).

هزيمة أيديولوجية ناصر القومية وتدهور العلاقات المصرية-السوفياتية، أفقد الدول العربية أقوى تحد تملكه ضد إيران وأنهى البروباغاندا المعادية للفرس(16). انبثاق كتلة عربية معتدلة موالية للغرب كان له تأثيره الهائل على الحسابات الاستراتيجية الإيرانية.

أخيراً وليس آخراً، شهدت السبعينيات صعود قوة طهران. نما اقتصاد إيران بوتيرة لم يسبق لها مثيل خلال هذه الفترة، ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة في عائدات النفط الإيراني. وخلال الأعوام 1968-1973، نما الناتج القومي الإجمالي في إيران من حيث القيمة الحقيقية بمتوسط معدل سنوي قدره 12%، وبلغ متوسط زيادة الاستثمار المحلي الإجمالي أكثر من 15%. وفي عامي 1973 و1974، نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات أعلى من ذلك بلغت 34% و 42% على التوالي، وذلك بسبب الزيادات الكبيرة في أسعار النفط. وقفزت عائدات النفط الإيراني من 365 مليار ريال في عام 1973 (الدولار = 75.74 ريالاً في يناير عام 1973) إلى 1336 مليار ريال في عام 1974(الدولار = 66.62 ريالاً في يناير عام 1974) (17).

وأدت العوامل الأربعة الرئيسة التالية، إلى إحداث تغيير راديكالي في الإطار الاستراتيجي للشرق الأوسط وتحدت حاجة إيران إلى شراكة مع دول مثل إسرائيل لتحقيق التوازن بين العرب:

1 - سياسة الردع من القوة العظمى؛

2 - الانسحاب البريطاني من الخليج «الفارسي»؛

3 - نهاية أيديولوجية القومية العربية المتطرفة في مصر وبروز كتلة عربية معتدلة؛

4 - الارتفاع غير المسبوق في عائدات النفط الإيراني.

وفي حين أن الكثير من أسس سياسة إيران لتحقيق التوازن مع العرب من خلال التعاون مع إسرائيل بقيت صلبة، إلا أن تل أبيب رصدت مباشرة وبسرعة تغييراً فعلياً فورياً في لهجة الشاه بعد انتصار إسرائيل في حرب عام 1967. وخلافاً لتوقعات تل أبيب، فإن سحق جيش عبد الناصر لم يدفع الشاه إلى الاقتراب من إسرائيل والاعتراف بالدولة اليهودية قانونياً، بل بدلاً من ذلك، وعلى الرغم من التهاني الحارة المرسلة من الجنرالات الإيرانيين إلى المسؤولين الإسرائيليين، جمَّد الشاه جميع المشاريع الإيرانية-الإسرائيلية المشتركة واتخذ موقفاً عاماً أكثر صرامة ضد تل أبيب(18). وفي مقابلة مع صحيفة يوغوسلافية في أواخر عام 1967، أعلن الشاه أنه «... لن يعترف بأي احتلال لأر اضٍ بقوة السلاح. ولا بد من إيجاد حل دائم للخلافات القائمة بين الدول العربية وإسرائيل في إطار ميثاق الأمم المتحدة»(19). تولد قلق في طهران بأن انتصار إسرائيل السريع قد جعلها قوية جداٍ. وفي المقابل، زاد الارتياب في نوايا الشاه في تل أبيب(20). ومن منظور طهران، فإن حرب 1967، حولت إسرائيل من دولة محاصرة إلى دولة عدوانية.

وحث الدبلوماسيون الإيرانيون الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لاتخاذ موقف أكثر مرونة في مفاوضاتها مع العرب. وكان اعتقاد طهران أن إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة سوف يطيل ويفاقم النزاع(21).

إضافة إلى ذلك، وفي لقاء سري بين الشاه ووزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان، في طهران بتاريخ 14 ديسمبر 1970، ضغط العاهل الإيراني مراراً وبقوة على حليفه الإسرائيلي بوجوب التوصل إلى حل سلمي وأن الأراضي العربية يجب أن تُعاد إلى أصحابها(22).

كما تجلت المضايقات الشاهنشاهية حول السياسات الإسرائيلية بطرق مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، منع الشاه المسؤولين الإيرانيين من حضور الذكرى الـ 22 لتأسيس الدولة اليهودية في مقر البعثة الإسرائيلية في طهران عام 1971(23). إضافة إلى ذلك، أغضب الشاه حلفاءه الإسرائيليين بشدة عندما رفض دعوة رئيس جمهورية إسرائيل لاحتفالات إيران بمرور 2500 عام على تأسيس الملكية الفارسية في أكتوبر عام 1971، بحجة أن وجود الرئيس الإسرائيلي قد يتسبب في مقاطعة عربية للاحتفالات(24).

وبعد بضعة أشهر، وقبل طرد السادات للمستشارين السوفيات، قامت غولدا مائير، بأول زيارة لها إلى طهران بصفتها رئيس وزراء إسرائيل. ووفقاً لممارسة روتينية عند زيارة المسؤولين الإسرائيليين، هبطت طائرة مائير في الليل على مدرج خارجي في مطار مهر آباد. ومرة أخرى، حث الشاه إسرائيل على اتخاذ موقف أكثر اعتدالاً من مصر. وجادل الشاه أن نجاحات السوفيات مع النظام البعثي العراقي الجديد، تستلزم عزل مصر عن الكتلة السوفياتية.

ومن وجهة نظر الشاه فإن إسرائيل لم تفهم التغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط ولم تعِ بدرجة كافية احتياجات ومصالح حلفائها. وبعد الاجتماع بين مائير والشاه، شكت مائير لمساعديها، أن الشاه «بعدما طور علاقاته مع مصر، لم يعد كما كان!!»(25).

سعي إيران إلى الزعامة

(الهيمنة) الإقليمية

وبناء على موقف إيران الجيوستراتيجي، والموارد الطبيعية، والقوة الثقافية، وحجم السكان مقارنة بجيرانها، اعتقد الشاه أن إيران ينبغي أن تكون القوة المهيمنة الطبيعية في الخليج «الفارسي» (26). ووفقاً لمستشار الشاه غلام رضا أفخمي «لا أحد من دول المنطقة يمكنه أن ينافس قوة وموارد وحضارة وتاريخ إيران... من المهم أن ندرك هذا لنفهم لماذا فعل الشاه ما فعله. وأيضاً لماذا قال الجميع في العالم إنه متعجرف»(27).

كان الشاه يعتبر إيران واليابان أكثر الأمم تقدماً في آسيا، وشعر في المقابل أن اليابان ينبغي أن تقود شرق آسيا، في حين ينبغي أن تقود إيران غرب آسيا(28). ما كان الشاه يعتبره قيادة، كان يوصف من الآخرين بـ «الهيمنة»(29).

كانت جميع إصلاحات الشاه الاقتصادية الطموحة، وكذلك الإنفاق العسكري الضخم تهدف لتجسيد إمكانية إيران كأقوى دولة في المنطقة. وفي 12 فبراير 1971، كتب وزير بلاط الشاه أسد الله علم في مذكراته، أن إيران «بدأت تفرض قيادتها بسرعة ليس على الخليج «الفارسي» فحسب، ولكن على الشرق الأوسط والعالم المنتج للنفط بأكمله»(30).

ولكن الشاه كان يدرك جيدا أن تحقيق تفوق عسكري واقتصادي لم يكن كافياً لتأمين موقف إيران كقوة إقليمية عظمى؛ فعند بلوغ القمة من حيث القوة، أحس الشاه أن إيران سيكون لديها فرصة لتغيير شروط ممارسة الحكم الإقليمي لصالحها عبر التخلص من مبدأ «توازن التهديدات». وببساطة، شعرت إيران أنها أصبحت قوية بما يكفي لإنهاء لعبة التوازن وتبدأ العمل المجهد الحقيقي ألا وهو مصادقة أعدائها العرب من موقف قوة. وأوضح أفخمي: «إذا أصبحت إيران قوية بما فيه الكفاية لتكون قادرة على التعامل مع الوضع الإقليمي لوحدها، وتصبح علاقتها مع الولايات المتحدة صلبة لدرجة عدم الحاجة لإسرائيل، فإنه من الناحية الاستراتيجية سيكون الاتجاه المطلوب هو جذب العرب»(31).

اللعبة الإيرانية، كما علق مسؤول إسرائيلي كان مقيماً في إيران في السبعينيات: «كانت أن تكون لاعباً. إيران أرادت أن تكون مهمة لجميع الأطراف، أي أن تكون جزءاً فاعلا من اللعبة الإقليمية»(32). وقد أُكد هذا التقييم من قبل دبلوماسي إيراني كان يقيم في تل أبيب: «وبالنسبة إلى الشاه، كان إظهار القوة يهدف لأن يكون له دور ويستشار في جميع القرارات»(33).

ولكن لم يكن لإيران تحقيق هذا الدور من دون موافقة جيرانها. وأدت علاقات الشاه المتوترة مع الكتلة العربية، فضلاً على العداء التاريخي بين العرب والفرس، إلى إعاقة قدرة إيران بشكل كبير بالوصول إلى تطلعاتها.

كان العر ب يشكّون في دوافع الشاه ويشعرون بتردد في منح إيران الدور الذي تريده. وعلى الرغم من أن قوة إيران كانت تنمو أكثر من جيرانها العرب، إلا أنه كان يمكن حتى لأصغر مشيخة عربية أن تقف في طريق إيران وتحرمها من الحصول على شرعية لدورها كقائدة للإقليم(34).

وكانت العديد من محاولات الشاه السابقة لتوسيع دوره قد تمت إعاقتها من قبل العرب؛ ففي عام 1972، حاول الشاه إنشاء هيئة متعددة الأطراف لرعاية أمن الخليج «الفارسي»، من أجل خلق وإضفاء طابع رسمي على شرعية إقليمية لمبدأ نيكسون المعروف بـ «العمودين التوأم». وفشلت الحملة الإيرانية بسبب رفض العرب المشاركة، وهو رفض متجذر في شكوك العرب حول تطلعات الشاه للهيمنة(35). كما كان دور إيران في أوبك، وهي هيئة أخرى مهمة في التنمية الداخلية والخارجية الإيرانية، يستلزم أيضاً تحسين العلاقات العربية-الإيرانية(36). وبكل بساطة، من أجل أن تكون إيران معترفاً بها ومقبولة كقائد إقليمي، «كان يجب عليها مصادقة وملاطفة العرب»(37).

قامت إيران بمحاولات عديدة لرأب الصدع مع جيرانها العرب. ومع تحسن وضعها المالي بسبب الارتفاع الهائل في عائدات النفط، «بدأت إيران في استخدام القوة المالية لتحقيق أهداف سياسية» (38)، ولكن المساعدات المالية الإيرانية كان لها حدود معينة، وبخاصة لأن الحكومات العربية ذات الأيديولوجية القومية يمكن أن تتجه إلى المشيخات العربية في الخليج الفارسي للحصول على الدعم المالي.

يتبع في الأسبوع القادم بحول الله.

Hamad.aleisa@gmail.com - المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة