Saturday 28/12/2013 Issue 423 السبت 25 ,صفر 1435 العدد

الريال الإيراني إلى رحمة الله 1-2

نجاح ساحق للمقاطعة الاقتصادية ضد إيران

هنا ترجمة لمقالة الباحثة الأمريكية الشابة كيت مانباكي، التي تعد أطروحة دكتوراه عن نفوذ شبكات رجال الدين الشيعة في إيران الحديثة في قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون الأمريكية العريقة التي تأسست عام 1746 وجاءت عام 2013 في المركز الأول أمريكياً، وتليها جامعة هارفارد بحسب تصنيف مجلة (U.S. News الجزيرة World Report). نشرت المقالة في نوفمبر 2012 في نشرة (ميدل إيست مونيتر)، التي يصدرها بصورة غير دورية خزان التفكير الأمريكي الشهير (معهد بحوث السياسة الخارجية) (FPRI). ولعل خير افتتاح لهذه المادة هو المثل الفارسي الذي يحضرني الآن: (الثروة تأتي مثل سلحفاة وتهرب كأنها غزال)! وقد حذفنا قائمة المراجع الكثيرة التي وضعتها المؤلفة لأنها لا تناسب النشر الصحافي، وأضفنا هوامش للمترجم لتوضيح بعض الأمور الضرورية لاستيعاب القضية.

الإعلام الإيراني ينعى الريال الإيراني

في 11 يوليو 2012، حذر وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، سيد محمد حسيني، علناً الصحافة الإيرانية بعدم نشر أي مواد عن الآثار السلبية للعقوبات الغربية على الاقتصاد الإيراني. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها حسيني علناً بوجود رقابة على وسائل الإعلام، وبرر تحذيره بأن (بلادنا ليست في وضع يمكنها السماح للصحافة أن تنشر أي تحليل لا يتفق مع مصالح النظام والوطن). حدث هذا قبل ثلاثة أشهر من وقوع إيران في أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب بين إيران والعراق. وبحلول 3 أكتوبر 2012، انهارت قيمة الريال إلى مستوى قياسي مقابل الدولار، حيث انخفض سعر الصرف إلى ما يقرب من 38,000 ريال للدولار(1) - مع ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 40% وقيام التجار في بازار طهران بإغلاق محلاتهم احتجاجاً على ذلك.

حظر نشر أسعار العملات

ومع هذه التطورات الجديدة، زادت الحكومة الإيرانية رقابتها وقمعها للصحافة وحظرت حتى مجرد نشر أسعار العملات. ووصلت الرقابة إلى المواقع السيبرية الإيرانية التي تقدم أسعار صرف العملات الأجنبية على النت، مثل (Mesgal.com) و(Mazanex.com)، والتي تم إما إغلاقها بالكامل أو طلب منها طمس وحجب أسعار الدولار واليورو مقابل الريال. وقللت جميع فروع الحكومة من خطورة التراجع الحاد لقيمة الريال. وفي 2 أكتوبر 2012، صرح أحمدي نجاد، في مؤتمر صحافي أن مشكلة الريال لم تكن ببساطة بسبب العقوبات الغربية، ولكن بسبب المؤامرات الداخلية والحرب النفسية التي يشنها خصومه المحليين ضد حكومته ما أدى إلى تذبذب أسعار الصرف. وأعلن نجاد أن الأزمة الاقتصادية مؤقتة فقط، وأن الحكومة تبذل كل ما في وسعها، و(أن وسائل الإعلام قد فاقمت من سوء الوضع لإصرارها على نشر أسعار صرف الريال). وألقى المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، خطاباً في حشد يتكون من 10,000 من المؤمنين في محافظة خراسان شمال إيران، وشدد أن (الأخبار التي ترد من الغرب تجعل شبابنا محبطين ويائسين)، ولكن (أمتنا لم تذعن أبداً تحت الضغط، ولن تذعن أبداً). وقال رئيس الباسيج (الحرس الثوري) في 15 أكتوبر إن (الاقتصاد الإيراني سيزدهر بآفاق جديدة، وسوف تنهار أوروبا وأمريكا قريبا)! ومن المفارقات المضحكة، أن وزير الداخلية السابق تحت حكم أحمدي نجاد، صادق محصولي، قال (نحن لسنا في أزمة مطلقاً، ولكننا في الواقع في أفضل الظروف منذ انتصار الثورة الإسلامية، لا بل نحن بخير في كل مجال كالأمن الداخلي والاستقرار السياسي والرفاه العام، والتقدم العلمي، والنفوذ الروحي في البلدان الأخرى والعالم...). وأخيراً، أدلى وزير الاقتصاد، سيد شمس الدين حسيني، بدلوه مؤكداً للجماهير أن وسائل الإعلام تبالغ في وصف الوضع الاقتصادي وأن الحكومة سوف تحل بسرعة جميع المشاكل الاقتصادية (2). ولكن بالرغم من هذه التصريحات من قبل المسؤولين الحكوميين، فإن وسائل الإعلام الإيرانية لم تكن متماثلة في ردود فعلها على أزمة انهيار قيمة العملة.

الصحافة الإيرانية ليست متحدة بالكامل

على الرغم من المفاهيم الخاطئة الشائعة، إلا أن وسائل الإعلام الإيرانية ليست متجانسة تماماً. إنها تمارس رقابة شديدة ضد آراء المعارضين لنظام الحكم، ولكن وسائل الإعلام داخل الفصيل الحاكم متنوعة جداً، وبخاصة وسائل الإعلام المطبوعة اليومية . هناك تلك المطبوعات التي من الواضح تماماً أنها تدعم المرشد الأعلى، مثل كيهان، وجهاني جام جام؛ وتلك التي تساند أحمدي نجاد، مثل إيران، فارس، وإيرنا (وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، وهناك أسبوعية «الصبح الصادق»، التي تمثل الحرس الثوري. وهناك مطبوعات أخرى مرتبطة بأفراد أقوياء داخل النظام، على سبيل المثال، ترتبط «الخبر» مع رئيس البرلمان علي لاريجاني، و»ألف» مع النائب أحمد توكلي، و»بازتاب» مع المرشح الرئاسي السابق ورئيس الحرس الثوري محسن رضائي، و»شمس نيوز» مع مهدي كروبي، وأخيراً «كلام» مع مير حسين موسوي، المرشح الرئاسي السابق والسياسي الإصلاحي. هذه الانقسامات الفصائلية، داخل النظام السياسي وداخل الصحافة، هي في غاية الأهمية للفهم التام لما يطبع في وسائل الإعلام الإيرانية.

نجاد: نعم.. إنهار الريال ولكن (المؤامرة الاقتصادية ليست فعالة)

ولم يكن من العجيب أنه مع بداية الأزمة الاقتصادية، نشرت صحيفة «إيران» المؤيدة لـ نجاد مانشيتاً بعنوان: (المؤامرة الاقتصادية ليست فعالة)، مشيرة إلى أن 78% من الشعب الإيراني مقتنع وراضٍ بالوضع الاقتصادي الحالي للبلاد. وزعمت المقالة أيضاً أن الناس حتى الآن لا تفكر جدياً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأن دراسة استقصائية أولية أظهرت أن 57% ستصوت لصالح أحمدي نجاد مرة أخرى أو المرشح الذي يزكيه أحمدي نجاد. إضافة إلى ذلك، فإن وسائل الإعلام التي تدعم المرشد الأعلى، لا تكاد تذكر تراجع قيمة الريال مطلقاً، بل فضلت - بدلاً من ذلك - التركيز على زيارة آية الله خامنئي لمحافظة خراسان في الشمال. ولمدة أربعة أيام في مطلع شهر أكتوبر، كانت عناوين الأخبار في وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إيرنا) تركز جميعها على رحلة الشمال لخامنئي . ولكن مطبوعات أخرى لم تمارس هذا الصمت حول انهيار قيمة العملة وحمّلت أحمدي نجاد المسؤولية بخصوص مشاكل البلاد الاقتصادية.

الصحافة تهاجم أحمدي نجاد بقسوة

وفي الثاني من أكتوبر 2012، نشرت «فارس» افتتاحية حارقة بعنوان: (سيادة الرئيس أحمدي نجاد: كم ينبغي أن يساوي الدولار من آلاف التومانات(3) لكي تجد حلاً لهذه المشكلة؟). وفي اليوم التالي فقط، نشرت صحيفة «خراسان» افتتاحية لاذعة بعنوان (هل أنت رئيس البلاد يا سيد أحمدي نجاد؟!!). وجادلت كلتا الافتتاحيتين أن الرئيس يجب عليه تقديم خطة صلبة وسريعة للشعب للإصلاح الاقتصادي بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين بتسبيب تلك المشاكل. كما يجب عليه تحمل المسؤولية وأن يكون صادقاً مع الشعب الإيراني. ونشرت «ألف» مقالة تؤكد أن البرامج الاقتصادية لـ أحمدي نجاد قد باءت بالفشل، وذلك يعود غالباً لضخ السيولة في الاقتصاد عبر برنامج دعم السلع الغذائية. لهذا السبب - يقول الكاتب – يجب على الحكومة أن تعتذر للشعب الإيراني لمعدل التضخم الحاد، وتعتذر تحديداً للارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية.

مؤامرة أحمدي نجاد لإفشال من سيخلفه

ونشرت «بازتاب» مقالة قصيرة تتهم أحمدي نجاد بقيامه بمحاولة متعمدة لجعل الأمور الاقتصادية والسياسية أسوأ بالنسبة لخليفته في الرئاسة، ما يعني – ضمنياً - أنه ورفاقه كانوا يتحكمون شخصياً بتذبذب العملة.

روحاني: (البلاد بحاجة إلى مدير كفء، وليس خادماً)!!

وتلا ذلك هجوم حاد من أعضاء البرلمان أيضاً ضد أحمدي نجاد وحكومته. وقامت كل من «بازتاب» و(راديو فاردا) بنشر بروفايل لنائب في البرلمان اتهم الحكومة بإصدار (طبع) ملايين الريالات بما يعادل أكثر من 150 مليون دولار وترويجها من خلال تجار مشبوهين، ما ساهم في تفاقم انهيار الاقتصاد وزيادة معدل التضخم. وزعم نائب آخر أن برنامج إصلاح الدعم لـ أحمدي نجاد، هو السبب الرئيس في التدهور الاقتصادي وسأل ببلاغة خطابية: (إلى جيب من تذهب أموالنا؟) ونشرت «أفتاب» خبراً بعنوان (الحكومة تريد رفع سعر العملة بطريقة خاطئة)، نقلاً عن النائب أحمد توكلي الذي جادل بأن نظام أحمدي نجاد ضحى عمداً بالريال لتمويل برنامج إصلاح الدعم لأهداف سياسية شعبوية. إضافة إلى ذلك، جادل توكلي أن برنامج إصلاح الدعم (ليس له أي صفة قانونية). كما تحدث علناً عضو بارز في مجلس تشخيص مصلحة النظام، حسن روحاني (الرئيس الحالي لإيران)، ضد زعم أحمدي نجاد، مؤكداً أن الاقتصاد لن يتم إصلاحه بواسطة الشعارات والهتافات الشعبوية. وجادل روحاني أيضاً أن (البلاد بحاجة إلى مدير كفء، وليس خادماً)، في إشارة تهكمية إلى وصف نجاد المتكرر لنفسه بـ (خادم الشعب الإيراني). وحتى رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري، يد الله جواني، سخر من الرئيس أحمدي نجاد قائلا إن الـ (بي بي سي المعادية لنا أكثر أمانة من أعضاء حكومة أحمدي نجاد المخادعين).

الانتقادات المستمرة للرئيس وصلت ذروتها يوم 10 أكتوبر 2012 عندما وقع 102 نائب على عريضة لاستدعاء أحمدي نجاد إلى البرلمان للإجابة عن أسئلة تتعلق بالأزمة الاقتصادية. أحمدي نجاد، الذي استُجوب أيضاً في مارس 2012، هو الرئيس الوحيد في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يُستدعى من قبل البرلمان لاستجوابه.

هوامش المترجم:

(1) كان سعر صرف الريال الإيراني قبل الثورة الإسلاموية الإيرانية وسقوط الشاهنشاه محمد رضا بهلوي رحمه الله عام 1979 (1 دولار = 71.46 ريا لاً) ويبلغ سعر الصرف اليوم عند إعداد هذه المادة للنشر (1 دولار = 24,914 ريالاً) بحسب سعر موقع تحويل قيمة العملات على النت (www.xe.com) بتاريخ 7 نوفمبر 2013 (الساعة 21:00). وطبعاً هذا ما يحدث عندما يتدخل الملالي في شؤون الحكم من اقتصاد، وسياسة، وتخطيط ، إلخ. (العيسى)

(2) هذا التقليل من شأن انخفاض قيمة الريال هو خداع للمواطنين الإيرانيين البسطاء. ولتوضيح حجم هذا الانهيار المرعب في قيمة العملة الإيرانية لمن لا يتقنون المقارنة الحسابية، نقول إنه يعادل انخفاض سعر الريال السعودي الصلب، لا قدر الله، من السعر الحالي (1 دولار = 3.75 ر. س.) ليصبح: (1 دولار = 1900 ر. س.) وذلك مقارنة بالهبوط الأدنى للريال الإيرني وأما بالنسبة للسعر الحالي فسيكون النظير السعودي (1 دولار = 1200 ر. س.). (العيسى)

(3) التومان كان العملة الرسمية في إيران، حتى تم استبداله بالريال عام 1932. وكلمة تومان مشتقة من كلمة منغولية معناها عشرة آلاف. التومان كان يتكون من 10,000 دينار. وبين عامي 1798 و1825، تم تقسيم التومان أيضاً إلى 8 ريالات، وكل ريال يساوي 1250 ديناراً. وفي عام 1825، تم إدخال عملة القران، وقيمته 1,000 دينار أو عُشر (10%) تومان. وفي عام 1932، حل الريال محل التومان بمعدل 1 تومان = 10 ريالات وتم إلغاء التومان من التداول. والآن وبالرغم من أن الريال هو العملة الرسمية في إيران، إلا أن العديد من الإيرانيين يستعملون كلمة تومان في المعاملات اليومية لتعني 10 ريالات، أي كما كانت تستخدم بعض دول الخليج الروبية الهندية أو البيزة أو ريال ماريا تيريزا كعملة للتعاملات المالية. وفي بعض الأحيان قد يساوي التومان 1000 ريال بحسب سياق الحديث. (العيسى).

د. حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com