Culture Magazine Thursday  30/05/2013 G Issue 408
فضاءات
الخميس 20 ,رجب 1434   العدد  408
 
متى بدأت الكتابة بأجر؟!
(قرشونا نقرشكم)!
محمد عبد الرزاق القشعمي

 

سبق أن قرأت لأستاذنا عبدالكريم الجهيمان - رحمه الله - في مذكراته أنه عندما انتقل عمله من وزارة المعارف إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني بطلب من وزيرها سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز وكلف برئاسة مجلة المالية والاقتصاد في عام 1381هـ.. قال إنه كان يدفع لصاحب البحث المنشور فيها ثلاثمائة ريال 300 في وقت كانت الصحف والمجلات لا تدفع لكتابها شيئاً.. وبعضها يدفع مكافأة ليست مغرية..

وكان قبلها يكتب في جريدتي: اليمامة والقصيم وأحياناً ينوب عن رئيس تحريرها فنجده يقول: «.. وكل هذه المقالات أو نيابة التحرير لا نأخذ عنها أي مقابل مادي.. وإنما نقوم بها على أنها واجب وطني، وكان جميع الكتاب من أمثالي في تلك الفترة لا يأخذون أي مكافأة على ما يكتبون.. فليس هناك كتاب محترفون وإنما هم كتاب وطنيون متطوعون.. هدفهم الصالح العام.. لوطنهم ولمواطنيهم..».

وعندما صدرت مجلة (الجيش العربي السعودي) السنوية عام 1382هـ ذكر رئيس تحريرها العقيد علي الشاعر في المقدمة.. «ولقد فكرت كثيراً أن أعلن لك عن مولد هذه المجلة، وأدعو الجميع ليساهموا في أول عدد منها... أما في الأعداد القادمة فقد تكون أحد أعضاء أسرة تحريرها التي ستتكون قريبا - إن شاء الله - كي تمدها بخيرة الأقلام من شباب هذا الجيش النيّر الوثاب.. «.

وقال في إحدى صفحات العدد أنه قد صدر الأمر الكريم بصرف مكافآت مالية مجزية للكتاب.. فيهيب بهم تزويده بما يتناسب والمقام..

أما جريدة المدينة فنجد رئيس تحريرها عثمان حافظ يقول في كتابه (تطور الصحافة في المملكة.. 2 - قصة جريدة المدينة).

وكان الأدباء يكتبون في المدينة دون أن يتقاضوا أي أجر على ما يكتبون ولا أذكر أبدا.. أن جريدة المدينة.. عندما كانت بعهدتنا دفعت أي مبلغ للكتّاب عدا ما قدمته المدينة من هدية رمزية أو هي خيالية للأستاذ ضياء الدين رجب الذي كتب مقالا في جريدة المدينة المنورة بتاريخ 4 ذي الحجة عام 1381هـ في العدد 1061 تحت عنوان حديث في رسالة يلمح فيه بطلب المكافأة للأقلام الكاتبة يقول فيه بعد المقدمة.

((وهذه الأقلام اليوم كما تعلمون تلتمس فضل الله.. من نفثاتها ((نتقرش)).. وبها نكتسب لخبز العيال من هذا الرزق الحلال.. وأنت تعلم أن قريشاً ما سميت قريشاً إلا لأنها ((تتقرش)) أي تريد القرش فالحرف والكلمة علماً وتعليماً من أصول الرزق وأبوابه.. لأنها كتعليم كتاب الله، والأقلام اليوم لم تعد ترفاً ولا خرفاً وأنها أصبحت شرفاً لا تتحمل قرفاً ولا تطلب سرفاً، فقرشونا نقرشكم، ونهاودكم في السعر ونقبله نقداً أو غير نقد من محصول البلد، تمراً، قمحاً، رطباً، عنباً ((مكانس)) قففاً، مراوح، شراباً وكل بحسابه وبلا فضل، ولا رباء أننا وأنت أدرى وأنت سيد العارفين بعد جهد جهيد مع الزمن، ومعارك النضال والمعرفة، والمحن أصبحت ثروتنا هذه الألقاب (الكاتب الكبير).. (الشاعر المعروف) وهذه عملة لا يقبلها بنك، ولا تاجر، وبقال، ولا قماش، فكيف والكلام معكم - والميدان فيه المنافسون الدافعون للأجر.. وعلى قدر المشقة.. إلخ.

يقول عن حافظ أنه رد عليه بمقال في العدد 1064 المؤرخ 21-12-1381هـ أشار فيه إلى عدم استطاعت الجريدة دفع مكافآت وقال: «.. وحديثك عن الأجر والتقريش.. كنت أكره الخوض فيه.. وأن النصح والإرشاد.. لا يقدر بثمن كالهواء والعشب الماء...

ولعل مبعث هذه الفكرة هو خواء صندوق الجريدة - الذي كلما قرعناه يتراجع صداه في جوانبه، فنرتد خائبين... ولدينا أناس أمثالكم غذوها بأقلامهم وألسنتهم وجيوبهم فتركزت عندنا هذه الفكرة وهي أن الجريدة.. يجب أن تأخذ ولا تعطي... أما وقد تغير كل شيء في الدنيا.. واختلفت المعايير والأوضاع بعد ربع قرن من الزمن (وتبربشت) قليلاً الأحوال الصحفية، والنزول على حكم الزمن. وهذه باكورة استجابتنا - وهي على قدر حالنا إليك في خجل وتواضع وهي - إهدائنا عباية بيضاء ناصعة كنت ادخرتها لبوسا لصيف - تعين عباءتي السوداء - التي أوشك أن يعتريها البلى، وقد كنت استبقيتها للجمعة والعيدين أو مقابلة الحكام - والآن جاء لازمها - وربنا يسهل بغيرها - ولم نقدمها لك لنضمن أحاديثك - فإن أحاديثك مضمونة - بدليل البدء فيها قبل معرفة رأينا ووعدك بموالاتها.

هذه العباءة ابعثها إليك - وأنا واثق - أن يد بجانبك ستلقطها قبل خبنها.. أبعثها إليك - من باب تسديد الخانة - لا من باب تسديد الأجر - أو سد الحاجة - لأنني أعرف عدم حاجتك إليها.. وهي لا تليق بالمقام - ولكنها الموجودة الآن - وقد هاودتنا في قبول الموجود - وسوف لا نبخل بموجود - وأنت لا تطالبنا بمفقود - ونسير معك على قاعدة - أنت لا تطالبنا ونحن ما ننساك.

يجود علينا الأكرمون بمالهم

ونحن بما جاد الكرام نجود

وأرجو أن يكون هذا سرا بيننا - فلا تسره لأحد من إخواننا الكتاب لئلا يفتح الباب علينا - فالجريدة ليس في مقدورها - أن تسد كل الخانات - وأنت خير من يعرفها - ويعرف إمكانياتها - وهي كما تعلم - وليدة غواية، أو هواية - ولم تكن وليدة ربح أو تجارة - ولو كانت - لوقفت في الخط من زمن بعيد.

واختتم مقاله بقوله: «.. على أنه لم يدخل في موازنة الجريدة - أو في حسابها - أعطاء مكافآت للكتاب، وإذا كان وارد الجريدة - لا يغطي نفقاتها - وإذا كنا نحن القائمون عليها لا نتقاضى مكافآت على أعمالنا فيها، بل نضطر للعمل في الوظائف الحكومية لننفق على عيالنا وعليها، فكيف يمكن أن ندفع للكتّاب مكافآت.. ومن أين.. من أين؟! «.

هذا ما كان في عهد صحافة الأفراد.. أما الآن في عهد صحافة المؤسسات فقد تغير الحال وأصبحت خاضعة للربح والخسارة - وكل شيء بحقه - فالغالبية العظمى لا يكتبون إلا بمقابل مادي، وهذا ليس غريباً فقد أصبحت الجريدة بحكم الإعلانات والدعايات وغيرها يكسب الشيء الكثير، فمن باب أولى أن تحرص على كسب ذوي الأقلام الشهيرة وبمكافآت متفاوتة..

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة