Saturday 30/11/2013 Issue 419 السبت 26 ,محرم 1435 العدد
30/11/2013

الصمت المثقف

الصمتُ المعنيُّ من كلامي هنا ليس الكفَّ عن الكلام، فالصمتُ لغةٌ أرقى من لغات الحواس، ليس بين البشر وحسب، بل بين مختلف الكائنات الحيّة في هذا الكون..

والصمتُ عند الإنسان حالةٌ لغويةٌ لا تتأتى من دون قرار، فالطبيعة كلها تحرّضه على استعمال صوته لغةً منذ شهقته الأولى حتى الأخيرة. بينما الصمتُ موقفٌ يتطلب شجاعة لا يملكها إلا من صقلته الحياةُ بأدواتها الصامتة الأكثر ثقافةً بين الأدوات..

بعضنا يجسِّدُ (الصمتَ المثقَّفَ) بأثمان باهظة، وبعضنا يتقاطع معه بمجانية من دون أن يدركه(!) فاعتذارُ المثقفِ الحقيقيِّ عن حضور فعالية ثقافية مصطنعة هو صمتٌ رغم أنه منطوقٌ باعتذار.. على عكس حضوره الذي -لو كان- يعتبر ثرثرة وإن لم ينطق بكلمة واحدة قبل وأثناء وبعد الفعالية التي لا موقف له منها!

ونزيفُ الجرحِ صمتٌ مثقَّفٌ، حين يكون الضمادُ صراخاً. والجنونُ المبدعُ صمتٌ مثقَّفٌ، حين تكون العقولُ استنساخاً. واليأسُ المقدَّرُ صمتٌ مثقَّفٌ، حين يكون الأملُ انتفاخاً!

لماذا أتكلم عن الصمت الآن؟ أقولُ بصمتٍ يثقِّفني: لأنَّ كل ما حولي من ميولٍ يدعوني للوقوف؛ ويكفيني أن أقول: إنَّ الاعتصامَ صمتٌ صريحٌ، والتماهي مراوغة. يكفيني أن أقول: إنَّ الصمتَ ظلامٌ شديدُ الوضوحِ، يثقِّفنا على تلمُّسِ الأشياءِ التي تلمعُ عن بعد..

* * *

هي القسمةُ الآنَ جاهزةٌ للأيادي،

فأينَ الكفوفْ؟

والرقصةُ الآنَ عنقاءُ تحتَ الرمادِ،

فأينَ الدفوفْ؟

وكلٌّ له حصةٌ في السوادِ،

وللشمسِ حصتها في الكسوفْ!

* * *

هذا البعادُ.. لماذا؟

وماذا يريدُ الترابُ من الريحِ،

بعدَ العواصفِ..؟

ماذا يضيفُ التراخي إلى المستريحِ،

دونَ المواقفِ..؟

كنا التقطنا الفراغَ، من الاصطدامِ

قليلاً..

وكانَ المنامُ طويلاً..

وقد زارنا في الظلامِ الكلامُ

قرأنا كتابةَ أهلِ الأوائلْ

عرفنا البدائلْ

وقلنا: سنكتبُ مثلَ الذينَ..

ولكنْ، تغيّرت الأرضُ

غيَّرَ فينا الوقوفُ صفوفاً

ودار الزمانُ..

يدورُ الزمانُ..

يلفُّ الزمانُ مكاناً.. بنا

وتصيرُ الثواني رفوفاً

نرصُّ عليها الأمانيَّ، والاعتذارْ

حقٌّ هو الآنَ.. مِلْكٌ لنا

ويليقُ بنا..

أن نقيسَ المرايا على وجهنا

ونرتِّبَ ساعاتنا للمواعيدِ..

نمسكَ من كلِّ شمسٍ شعاعاً

ونصعدَ حيثُ نرى حلمنا

ويجوزُ لنا..

أن نغيِّرَ كلَّ الذي لا نراهُ

ونُبقي - فقط - كلَّ أسمائنا

هل يجوزُ لنا..؟

هذا السؤالُ ثقيلٌ علينا

وهذا الكلامُ..

الذي يخفقُ الآن في قلبنا:

حمامٌ يطيرُ - بصمتٍ - إلى غيرنا.

- الرياض ffnff69@hotmail.com