Saturday 01/02/2014 Issue 426 السبت 1 ,ربيع الآخر 1435 العدد
01/02/2014

تشبّع بمدارس الفن وأتقن الواقعية

فهد النعيمة فنان يجرد الوجوه من واقعها وينغمس في أبعادها الإنسانية

عبر تجربتي الصحفية في مجال الفنون التشكيلية في جريدة الجزيرة، وعلى مدى ما يقارب ست وثلاثين عاما وحتى اليوم كنت حريصا على أن أعطي لكل ذي حق حقه، وان لا نقدم في الصفحة التشكيلية أسماء وتجارب لمجرد مليء الفراغ، فكنا نمنح لكل مستوى مساحته ونسعد أن نقدم من نرى فيهم استشرافا لمستقبل متميز في مواهبهم خصوصا جيل الشباب أمثال الفنان الشاب فهد النعيمة.

وعندما كتبت ونشرنا موضوعا ولو متواضعا عبر حوار مع الفنان فهد في صفحة الفنون التشكيلية بجريدة الجزيرة الجمعة 21 رمضان 1430 العدد 13497 اذكر بعضا مما جاء فيها على النحو التالي: (طلبت منه أن أزور مرسمه في منزله فكان لي ذلك، قدم لي مجموعة كبيرة من اللوحات التي بدلت وأضفت وأضافت بل أرى فيها نقلة مهمة في مسيرته التشكيلية، مع انه غير مقتنع بها أو متخوف من الانطلاق بها إلى عالم المعارض الشخصية وهي المحك الحقيقي للتعريف بالفنان.)، قدمنا الفنان فهد في ذلك الحوار بمساحة فاقت ما منح لكثير من نظرائه ممن هم في جيله وذلك لقناعتنا بأن لديه شيئا مختلفا، كانت زيارتي تلك لمرسمه الصغير في مساحته الكبير في ما أبدعه الفنان فهد وقدمه لنا من خلال مشاركاته في معارض عدة وحصد في بعضها جوائز يستحقها بجدارة لمعرفة حقيقة إبداعه في زمن اختلطت فيه الحقيقة بعكسها، فوجدت انه فنان موهوب بالفطرة يسبق الزمن في اكتساب الخبرات وينظر إلى أعمال من سبقوه أو من يوازونه في الحضور بحذر لئلا ينجرف نحو اتجاه يكبل قدراته ويصبح تبعا له، ينظر بعين المستكشف ويختزل ما يراه موافقا وقريبا من سبل تعبيره دون التزام به أو تعلق يدفعه لتقليده.

كنت أتابع تحرك تجاربه بحذر حتى لا احكم عليه بما لا يستحق أو أن استبق ملامح التميز في مثل هذه السن الممتلئة حيوية وجرأة قد تودي بصاحبها إلى القفز السريع ومن ثم السقوط.

الكتابة عن فهد النعيمة يعني انك تقدم أنموذجا يمثل جيل جديد .. فنان يمتلك إمكانات الثقافة البصرية. مطلع.. مثابر.. يعمل بصمت.. يتلمس خطوته بثقة.

فنان هادي في طبعه يعشق الفن ويقدر الجمال في كل شيء. رسم فأبدع.. حضر في جمع فاقنع .. فكسب التقدير، لا يتحدث إلا عندما يرى أن في الحديث ما يستحق، يجعل من نشوة الإعجاب خطوة نحو الجديد بتأن، يقترب من الضوء بحذر لئلا ينتهي قبل أن يبدأ، بدايته مستديمة.. لا مكان للنهاية في قاموسه، لا يرضى بما تلده بنات أفكاره.. يحتفي بما يتخلق في رحمها من جديد، شاهد فاندهش وتفحص فاختزل، ومارس إبداعه بخبرات الكبار.

خاض تجربته الأولى بالنقل والتسجيل المباشر لكل ما يقع أمامه، فأبدع في نقل صور الشخصيات وسجل لحظات حركة الخيل وسباق الهجن، وتصرف في تشكيل الصورة بعد ذلك بإيحاءات بما يشابه الأسلوب المستقبلي وحرص على تفاصيل تعابير الحزن والفرح، مرحلة لا بد منها لفنان شاب يحاول إقناع الآخر خصوصا في مجتمع ما زال جديدا على معنى الحداثة، يحكم على قدرات الفنان من خلال مطابقته للواقع، هذه المرحلة التي تعتبر تقليدية في نظر المتمرسين في التجارب التشكيلية المتجاوزين لها كانت مهمة بالنسبة للفنان فهد النعيمة بعلمه أو دون ذلك، فالمقولة المتعارف عليها أن الأسلوب هو الفارض لنفسه على الفنان وليس الفنان من يقرر الأسلوب، من هنا بدأت ملامح التغير والتبدل عند الفنان فهد بعد مروره بكثير من الأعمال في حالات من التذبذب الإيجابي المحمود , حالة يمر بها كل فنان ولنا في كثير من تجارب الفنانين العالميين شواهد وتوثيق إلى أن أصبح لكل منهم بصمته.

الفنان فهد النعيمة لم يتلق تعليما أكاديميا ولم يدخل دورات مكثفة ومع ذلك حقق ما لم يحققه الأكاديميون وإصراره على أن يطلق سراح موهبته وينتظر ما تحققه من مكانة فنية وموقع قدم في ساحة ازدحمت بالهواة أكثر من المواهب، لم يكن فهد يقتنع بالإشادة مع تقديره لمن يمنحها إياه وإنما يجعل منها مسؤولية لتقديم الأفضل، قدم العديد من المحاولات لمعرفة اتجاه بوصلته الإبداعية ولم يعتمد كليا على التوقع وإنما على الحقائق فلم يترك معرضا أو مناسبة تشكيلية داخل المملكة أو خارجها إلا وكان أحد زوارها، يستقي المعلومة البصرية.. فكرة كانت... أو تقنية.. لتنفيذ العمل، ليعود إلى مرسمه محاورا بها سطح اللوحة (ورق) كان أو (كأنفاس) تنوعت موضوعاته وتعددت سبل التنفيذ إلى أن بدأت ملامح شخصيته تتضح في تجاربه الأخيرة التي ارتكز فيها على الحركة والإيقاع السريع في تشكيل الفكرة بالخطوط الديناميكية ونسج اللون باختزال دون بخل.

يبحث في أعماق ما يراه في واقعه أكثر من الانشغال في الظاهر أو القشور، قد يرى المتلقي أن هناك عشوائية لكن العارف بأصول الإبداع وصدق الموهبة أن ما أمامه مبني على نظام معين صنعه الفنان، لم يأت مصادفة أو استعجالا في التنفيذ وإنما اعتمادا على الحدس النشط في التعبير (اللحظة) التي لا تفتقر إلى قيم أو معايير فنية فتلك المعايير حاضرة مع كل خط نفذه بقلم أو فرشاة بدأها الفنان من (النقطة) الأصل وهي مركز ولادة الشكل.

لا يتردد وإنما يتعامل مع أحاسيسه التي تصنع للعقل بوصلة تحدد اتجاهاته دون خوف.

يتحرر من قيود الزمن ويتجانس مع روح المكان التي تمثلها الحالة وولادة الإحساس، نرى في اللوحة خطوطا غير ثابتة تتحرك وتتمايل لا تبقي لنا شيئا من ملامحها.. لكنها معروفة عند الفنان.

monif.art@msn.com