Saturday 01/02/2014 Issue 426 السبت 1 ,ربيع الآخر 1435 العدد

تفكيك قناة الجزيرة

كيف تستفيد أمريكا من قناة الجزيرة؟

تقديم: هنا مقال نشر قبل (الربيع العربي) للبروفيسور أندرو تيريل، وهو باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب للجيش الأمريكي.

هل لقناة الجزيرة جانب إيجابي مفيد لأمريكا؟

يعتبر الكثير من الأمريكان أن (قناة الجزيرة) هي زعيمة الأوغاد المعادين للسياسة الأمريكية المعاصرة. وقد اتهمت هذه المحطة في أوقات مختلفة بكونها بوقا لابن لادن، ومؤيدة لصدام حسين، وغير مبالية بخسائر الولايات المتحدة (في الحروب)، ومستعدة للعثور على دوافع سيئة في كل شيء تفعله الولايات المتحدة تقريبا في المنطقة. العديد من التهم ضد قناة الجزيرة مبالغ فيها، ولكنها في بعض الأحيان تبث بالفعل صور جرائم فظيعة ومرعبة، وكانت ناقدة بشكل كبير لما تعتبره تهاون أمريكا بالأضرار الجانبية على المناطق المدنية بسبب القصف الأمريكي في حربي العراق وأفغانستان. وكانت أول محطة تبث أشرطة بن لادن في نشرة الأخبار، ومن غير المطمئن مهنيا أن مراسلا لقناة الجزيرة حوكم في إسبانيا في سبتمبر 2005 وأدين بالتواطؤ مع تنظيم القاعدة الإرهابي. ولكن مع تزايد العداء لأميركا بصورة مستعرة بالفعل عبر الشرق الأوسط، هل يمكن أن يكون لقناة الجزيرة أي جانب إيجابي لأميركا؟

في الواقع، نعم هناك جانب إيجابي ومفيد جدا للولايات المتحدة؛ فمن خلال السماح لقناة الجزيرة بالعمل بحرية غير مسبوقة، فإن دولة قطر الصغيرة يمكن أن تتخلص (ظاهريا) من تهمة كونها حليفة للولايات المتحدة في المنطقة العربية. لقد استخدم القطريون هذه (الحيلة الماكرة) ليصبحوا حليفا جديرا بثقة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهذا أمر مهم للغاية، لأن اثنتين من القواعد العسكرية الأهم لدينا في المنطقة تقعان على الأراضي القطرية: قاعدة (العيديد) الجوية، ومعسكر (السيلية) الذي يعتبر بمثابة مقر متقدم للقيادة المركزية الأمريكية الوسطى (CENTCOM). السماح لمثل هذه القواعد العسكرية الحساسة بالعمل خلال الحربين الأفغانية والعراقية كان مكروها بشدة في العالم العربي، ولكن القطريين نجحوا في مواجهة الضغوط الخارجية ومساعدة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها العسكرية بفضل حماية (قناة الجزيرة) المعنوية والسيكولوجية وما توفره لأمير قطر من شهادة بحسن السيرة والسلوك أمام الجماهير العربية المتطلعة للحرية التي تقدمها (قناة الجزيرة).

إضافة إلى ذلك، أصبح على نقاد دور قطر الجديد الموالي لحروب أمريكا، وهم من خصوم الولايات المتحدة أن يفهموا حقيقة أنهم سيعارضون دولة يمكن أن تدافع عن نفسها سياسيا بقوة وعنف عبر (قناة الجزيرة) التي تصل إلى أكثر من 50 مليون نسمة.

وإضافة إلى استعدادها لتحقيق مصالح الولايات المتحدة، فإن قطر أصبحت أيضاً دولة رئيسة في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتسعى لحل (معتدل)، وهو دور كان سيكون صعبا بدون الحماية المعنوية والسيكولوجية التي توفرها (قناة الجزيرة) لساسة قطر كما ذكرنا آنفا. وقد بدأت قطر بعلاقات تجارية مع إسرائيل منذ عام 1996، وهي نفس السنة التي تأسست فيها القناة، وقاومت قطر لاحقا بنجاح طوال سنوات ضغوطا قوية لقطع تلك العلاقات بفضل (قناة الجزيرة). ولذلك، ساند الإسرائيليون ترشيح دولة قطر لتصبح عضوا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استجابة لطلب علني للدعم وجهته قطر لإسرائيل. كما أثنى القطريون كثيرا على قرار إسرائيل سحب قواتها من قطاع غزة وأعلنوا أن الوقت أصبح مناسبا لتحسين العلاقات العربية - الإسرائيلية. وصرح وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني في مقابلة مع قناة الجزيرة، بأن الحكومات العربية بحاجة إلى التحدث (وجها لوجه) مع الإسرائيليين والسمو على مقولة إن (إسرائيل هي العدو).

ولكن لا شيء مما ذكرناه يشير إلى أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة مواجهة ودحض تقارير قناة الجزيرة عند وجود الخلافات. ومع ذلك، فإن مسألة الموقف من (قناة الجزيرة) معقدة للغاية وليس بسيطة، مثل التفريق بين اللونين الأسود والأبيض. لقد أظهرت (قناة الجزيرة) استجابة لبعض الاعتراضات الغربية المحددة في الماضي وصلت لدرجة طرد صحفيين لا يتمتعون بالمسؤولية. وإضافة إلى ذلك، فإن جهود الولايات المتحدة للضغط على القطريين لكي يمارسوا سيطرة ورقابة صارمة على (قناة الجزيرة)، سيكون من شأنه تأكيد مزاعم خصوم الولايات المتحدة الذين يرددون أن الولايات المتحدة لا تدعم الديمقراطية في العالم العربي ما لم تخدم تلك الديمقراطية أهداف الولايات المتحدة في المقام الأول. لذلك (ربما) يجب علينا أن نتعلم أن نختلف مع قناة الجزيرة، عندما يكون من مصلحتنا أن نفعل ذلك، لكن يجب علينا أيضاً أن نفهم أن (قناة الجزيرة) قد تخدم مصالحنا وتهددها في الوقت نفسه.

قناة الجزيرة: من منبر للمضطهدين إلى بوق للفاشيين

على الرغم من انكشاف تحيزها، لا تزال الجزيرة تفبرك دراسات عن استمرارية جماهيريتها

تقديم: هنا مقال مهم للكاتب المغربي محمد أوحمو نشر بالإنكليزية بتاريخ 13 سبتمبر 2013، على موقع (المغرب أخبار العالم) (موروكو وورلد نيوز).

لسنوات عديدة حظيت (قناة الجزيرة) القطرية (باللغة العربية) باحترام على نطاق واسع بسبب تقديمها تغطية مهنية للأحداث في جميع أنحاء العالم. وأصبحت الجماهير لفترة طويلة تنظر إلى (قناة الجزيرة) كـ (صوت من لا صوت لهم) و(منبر المظلومين) والمضطهدين الذين لا يستطيعون توصيل أصواتهم لقنوات مثل (البي بي سي) و(السي إن إن).

من الاستقلالية إلى تبعية للخارجية القطرية

لكن في السنوات الأخيرة تحولت (الجزيرة) بوضوح فاضح من قناة مستقلة إلى أداة لخدمة أهداف وزارة الخارجية القطرية وتحولت لاحقا إلى بوق بروباغندا غير رسمي لجماعة الإخوان المسلمين الفاشية. تسبب هذا التغيير في الأهداف والاستراتيجيات لقناة الجزيرة لتصبح من بين القنوات الأقل مشاهدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد تربعها على المرتبة العليا لمدة عشر سنوات.

فبركة دراسات لا وجود لها

وعلى الرغم من أن جميع الدراسات التي أجريت مؤخرا تبين أن قناة الجزيرة خسرت بجدارة جماهيريتها في العديد من البلدان العربية، إلا أنه يبدو أن إدارة (قناة الجزيرة) تعيش في (حالة إنكار) (تعليق المترجم: أي (State of Denial) وهي آلية للدفاع والخداع السيكولوجي ابتكرها العبقري سيغموند فرويد وتحدث بعد وقوع صدمة. انتهى تعليق المترجم)؛ ولذلك تواصل الإشارة إلى استطلاعات ودراسات وهمية لا بل غير موجودة أصلا ولم تحدث مطلقا تصنف قناة الجزيرة بالقناة الأكثر مشاهدة في بلدان الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، بثت القناة في أوائل يناير 2013 تقريرا يزعم أن معهد إبسوس الفرنسي لأبحاث السوق (تعليق المترجم: أي (IPSOS) وهو معهد متخصص في أبحاث السوق مقره في باريس ويعتبر ثالث أهم معهد من نوعه في العالم. انتهى تعليق المترجم) أجرى دراسة كشفت أن الجزيرة لا تزال القناة الأكثر مشاهدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن ثبت لاحقا أن التقرير المزعوم كان مجرد خدعة لأن إدارة المعهد إبسوس نفت إجراء مثل هذه الدراسة واتهمت قناة الجزيرة بالفبركة.

وعلى الرغم من كشف كذب الجزيرة، إلا أنها واصلت ممارساتها المشينة عندما أشارت لدراسة غير موجودة أخرى أجرتها مؤسستان إعلاميتان في فرنسا أشارتا إلى أن قناة الجزيرة هي القناة التلفزيونية الأكثر مشاهدة في العالم العربي. ولكن وكالة الأنباء الفرنسية العريقة (أ. ف. ب) حققت في مزاعم قناة الجزيرة واكتشفت أن المؤسستين الفرنسيتين المزعومتين لا وجود لهما مطلقا!

وتتعامل (قناة الجزيرة) مع التقارير الأخرى التي لا تصنف قناة الجزيرة من بين القنوات الأعلى مشاهدة كما لو كانت غير موجودة. فعلى سبيل المثال أجرت جامعة (نورث وسترن) دراسة بعنوان (استخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط: دراسة لثماني دول) كانت نتائجها غير مبهجة لإدارة الجزيرة. ووفقا لهذه الدراسة، فإن مشاهدي القناة في مصر كانوا 20% فقط، وينخفض المعدل لأكثر من ذلك في بلدان مثل تونس (9%) ويصل القاع في البحرين عند 4%.

عندما أجريت معظم الدراسات المذكورة أعلاه، لم تكن ثورة 30 يونيو 2013 المصرية التي قضت على الفاشية الدينية للإخوان المسلمين قد وقعت. ولكن على الرغم من ذلك كان من اللافت أن العديد من المصريين كانوا (مدركين) تماما حقيقة قناة الجزيرة قبل تلك الثورة وعبروا عن سخطهم لتغطية الجزيرة المنحازة للأحداث التي تجري في بلدهم. فبدلا من تغطية الأحداث بحيادية ومهنية، اختارت القناة أن تتحول إلى بوق بروباغاندا (دعاية) للإخوان المسلمين.

ولذلك يمكن وصف تغطية الجزيرة للأحداث في مصر في الأشهر الأخيرة بأي وصف باستثناء (مهني). فقد تخلت الجزيرة ببساطة عن شعارها الذي كان سبب شهرتها وجماهيريتها (الرأي والرأي الآخر)، وتحول الشعار إلى (الرأي الواحد فقط). لقد توقف قناة الجزيرة تقريبا عن استضافة السياسيين والمتخصصين من أصحاب الآراء المتعارضة وأصبحت تبث فقط آراء الأشخاص الذين يتحدثون باسم جماعة الإخوان المسلمين ؛ كما أصبحت تضيق بالمشاهدين المصريين الذين يتصلون بالقناة للتعبير عن دعمهم للجيش في مواجهته ضد الإخوان المسلمين وتقطع الاتصال بدون أي تفسير. (تعليق المترجم: ليس من المنصف القول ان الجزيرة توقفت عن استضافة الآراء المعارضة لأني الحقيقة في رأيي هي أن هؤلاء المعارضين أصبحوا لا يقبلون بفكرة الظهور على قناة الجزيرة بعد انكشاف دورها الحقيقي وتوجهها السياسي المشبوه. انتهى تعليق المترجم.)

مغادرة مذيعين ومذيعات بعد انكشاف تحيز الجزيرة

وبسبب تغطيتها المتحيزة، لم تفقد الجزيرة فقط المشاهدين، ولكنها فقدت أيضاً الكثير من مذيعيها الموهوبين. ففي السنوات الثلاث الأخيرة شهدت القناة مغادرة جماعية للعديد من كبار الصحفيين والمراسلين الذي صرحوا في وقت لاحق أن القناة قد كشفت عن وجود أجندة سياسية واضحة.

وفقا لرويترز، غادر أكثر من 30 موظفا الجزيرة منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي. وعلى سبيل المثال استقال من القناة اثنان من مراسلي الجزيرة، حجاج سلامة وكارم محمود احتجاجا على ما وصفاه بـ (بث الأكاذيب وتضليل المشاهدين).

وانتقد العديد من المعلقين الجزيرة وبل وهاجموها لدعمها جماعة الإخوان المسلمين في تغطيتها لأحداث مصر. ومع ذلك أعتقد أن المحطة لديها الحق في اعتماد أي خط تحريري يلبي رغبات مجلس إدارتها، ولكن لا يحق لها بث الأكاذيب وتقديم أنصاف الحقائق وتشويهها. وأعتقد أيضاً أن القناة لها الحق أن تعكس مصالح مالكها، ولكن يجب أن لا تروج لنفسها بشعار (صوت من لا صوت لهم)، لأن المرء لا يمكن أن يكون متحيزا ويزعم - في الوقت نفسه - أنه صوت جميع الناس.

** ** **

المراجع:

- معهد إبسوس (http://www.ipsos.fr).

- جامعة نورث وسترن، استخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط: دراسة لثماني دول (http://www.northwestern.edu)

د. حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com