Saturday 01/11/2014 Issue 449 السبت 8 ,محرم 1436 العدد
01/11/2014

الشاعر منصور دماس في ديوانه «لك الله»:

خطاب شعري بأرق العبارات وأجزلها

في قصائد الشاعر منصور دماس بُعد تجذيري لصورة الجمال، واحتواء لمفردة البوح، وتدفق وجداني ينهل من الأمل، ويعالج - قدر المستطاع - تبعات الألم ومثبطات الحياة.. فهو في ديوانه الجديد «لك الله»يتركنا مع الشعر، ويفسح لنا فرصة أن نتأمل وجه الحياة لديه.. فلا أجمل من أن تعكس القصيدة وجه الشاعر ورؤاه، لتذيع المقولة سرصاحبها.. فهو الذي يستهل قصائده بتلويحة من قبس شعري جميل:

فما هذه الدنيا سوى رحلة إلى

                        مقام جليل فيه للسعد ورادُ

فالقصائد في هذا الديوان تنثر عبقاً إيمانياً طَرِباًبفأل الحياة، وعشق الأمل، وحب الوطن، واقتفاء خطاب الجمال، وتكوين رؤية استمزاجية مدهشة تسطر أجمل المواقف وأعظمها حينما يتأمل الإنسان الشاعر منصور دماس عظمة الله وتفاصيل خلقه في أكثر من موضع وشاهد شعري، إذ لا تخلو جل القصائد من هذه المسحة الإيمانية الرائعة، فالشاعر هنا يدوزن توليفة البناء الشعري المترقرق كجدول عذب، تحفه شجيرات الفال والوعد الجميل، وشذى أرواح من يحبهم الشاعر ويسكنون وجدانه.

فالشاعر هنا يأخذ على عاتقه مهمة البوح الشعري المفعم بعاطفة الإنسان المحب للخير، والساعي إليه والمفتش دوما في تفاصيله الوجدانية الجميلة.. بل إنه ظل يبتكر مفردات خطابه على هذا النحو الفريد:

كل شيء مغرٍ فلا نقص إلا

إن تبسمت ضاء عقد منظم

يستحي الحسن لو رآك فما

للحسن سحر كسحر حبي المعظم

فالصورة الشعرية لدى الشاعر مبنية دائما على تلمس مواطن الجمال والبحث عن تفاصيل هذا الشعور الوجداني المفعم دائماً بحب الحياة والود، وصفاء الفكر من منغصات كثيرة، لا تزال تحاصر الشاعر وتسد عليه منافذ الأمل، لكن الرؤية المتفائلة تتمايز وتختلف بحسب الموقف، فإن كانت أحزان الأمة ومصائبها متكالبة فإن الشاعر دماس بعقله وبقريحته لا يمكن أن ينفصل عن الأمة بأي حال من الأحوال ليصوغ أو يترجم الكثير من المعاني في هذا السياق الراعف، والناز بالكثير من المثبطات والكبوات التي باتت تتوالى، فلم يعد للشاعر أن يقول ما يريد.

لغة هذا الديوان متقنة وجميلة وتنهل من معين لغوي عذب تؤصله ثقافة الشاعر وقدراته الفنية على قول الشعر والبوح بمشاعره بأسلوب متميز، فلا يعمد إلى الإغراق في الغموض، أو التزيد أو الحشو إنما تأتي كل قصيدة محملة بقاموسها، ومعانيها وضمائرها من أجل تجسد هذه المشاهد الرائعة.. فالقصيدة في هذا الديوان هي بمثابة بيان شعري وعقلي لما تمور به عقلية الشاعر وقريحته، وما تسكنه من قيم ومعان تترقرق وتثير في الذائقة المزيد من المتابعة والتلقي.

تراوح معظم القصائد بين التوسط والقصر، فيسعى الشاعر دماس إلى إيصال خطابه الشعري بأقصر السبل وأرق العبارات وأجزلها، فلا تفرغ من القصيدة إلا وقد استشرفت معناها، وسجلت في الذائقة والوجدان حضورها، ولاسيما وان للشاعر فكرا وثقافة متميزة ينهل منها ويساوق لنا في هذا الحشد الشعري عبارات البهاء، ووصف الجمال ولا يبرح إلاويغادر فينا إلى عوالم الهم واللواعج، ليطوف بنا أرجاء بحر الحياة في قارب الشعر، فنجد أنه تارة هادئ ومسالم ومتأمل شفيف، وأخرى هائج وصاخب.. ولكل موقف من مواقف هذه الحياة رؤية ومشهد، وأدقها وأمهرها حينما يتأمل حالة الأمة الإسلامية ومآلات واقعها وضباب مستقبلها، فلا شيء غير القصيدة يمكن لها أن تشرح الواقع بأسلوب حاذق ومتقن.

تحمل القصائد في هذا الديوان فكرة عامة، يصوغ الشاعر من خلالها موقف الإنسان من حياته، ورؤيته للمستقبل والإصرار على الأمل، على نحو ما يقدمه من رؤى واستدراكات جليلة ومؤثرة تعكس ثقافته وبيانه وخطابه الإنساني المشبع بالفضيلة والبحث عن معاني الحياة الجميلة:

لك الله يا من نهته النفس عن هوى

به قد علا البهتان ارفع مجلس

لك الله غير الحب والخير والصفاء

ونور يذيب الصخر لا تتنفس

فالرسالة هنا بيان أخلاقي، ووعي إنساني، ورؤية تحلق في مدى الواقع الذي يحتاج منا جميعا أن ننهض لنقاوم زيف وقشور الحياة التي باتت تسيطر - للأسف - على عالمنا.

** ** **

إشارة:

لك الله (ديوان)

منصور محمد دماس مذكور

لانتشار العربي - بيروت - 1435هـ، 2014م

يقع الديوان في نحو (168صفحة) من القطع المتوسط