Saturday 01/11/2014 Issue 449 السبت 8 ,محرم 1436 العدد
01/11/2014

التوجه الماركسي عند سعيد يقطين

كارل هانريك ماركس ت( 1883م)، فيلسوف ألماني، ومؤرخ، واقتصادي، وعالم اجتماع، وصحفي اشتراكي ثوري، ينحدر من عائلة يهودية، وقد عانى من النازية الفاشية، فكان امتدادًا لما ندَّ عن الفيلسوف جورج هيغل، ولكنه طور فلسفته، وخالفه في أمر مهم، وهو أن الأول كان ينظر إلى المجتمع بنظرة مثالية، أما ماركس فكان ينظر إلى المجتمع بنظرة مادية.

فحوى فلسفة ماركس تكمن في الثورة ضد الطبقة الثرية، ويصب اهتمامه على العمال المكافحين، حيث تبرز الشيوعية الاشتراكية في كتبه ومقالاته، فنادى بتوزيع الثروة، والثورة ضد الحكام الطغاة الديكتاتوريين.

اهتم بالأدب، ونادى بأن يكون للأدب دور في توعية المجتمع، وأن يكون له صلة كبيرة في نشر الوعي الثوري في المجتمعات بلا استثناء، فنقد الأدب، ووضع نظريات أدبية تتمثل في الكفاح السياسي ضد كل زعيم حاول أن يستغل شعبه استغلالاً سلبيًّا.

إن من يقرأ نظرية ماركس الشهيرة بالمذهب الماركسي؛ يعلم جليًّا أن كثيرًا من الأقلام العربية تتمثل هذا المذهب وتدعوا إليه عبر مقالات وكتابات لا حصر لها.

ولعل الرواية هي الأكثر شيوعًا في تمثل هذا المذهب، فقد ظهرت روايات في منتصف القرن العشرين وما بعده بقليل تستوحي هذا المذهب وتشتغل عليه، فلو أخذنا رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ لرأينا الصراع ضد العلم والدين طاغيًا، وهو بإزاء الحراك الثوري الكامن في أولاد الجبلاوي، والسعي الحثيث من أجل توزيع الوقف توزيعًا عادلاً.

في ظل ذلك، فإن من يتأمل مؤلفات الدكتور سعيد يقطين الناقد المغربي يلحظ مثل هذا التوجه بيسر وسهولة، حيث إنه ناقد أدبي، وناقد سياسي، سواء بسواء، يقلقه التيار السلطوي من قبل الحكومات العربية، ويتخذ من قصور الأدب في معالجة ذلك في كتاباته ونقده.

في كتابه» الأدب والمؤسسة» يلحظ القارئ مناداته بالتوجه الارتباطي بين الأدب والسياسة، وأن يكون الأدب مبتعدًا عن التبعية القديمة، حيث إن من الواجب أن يكون للأدب دور في نشر الوعي الثوري ضد حكومات التخلف والجهل، أي الاشتغال على أن يكون الأدب الحديث مرآة لتسطير معاناة الشعوب العربية في التآليف الأدبية.

إن مثل هذا الكتاب يعد صورة للمذهب الماركسي، وهو ظاهر للقارئ المتمعن، وربما قد يكون هذا التوجه خافيًا بعض الشيء، وذلك حين يتكئ على بعض الروايات انتقاءً دون غيرها، وتلك الروايات في حقيقتها روايات ثورية تندد بالظلم وقهر الشعوب، يختبئ ذلك في كتابيه» تحليل الخطاب» و» انفتاح النص».

لقد اعتمد يقطين في الجانب التطبيقي في ذين الكتابين على خمس روايات عربية، كلها تعد من الروايات الثورية المجسدة للمذهب الماركسي، وهذه الروايات هي:

« الزيني بكات» لجمال الغيطاني. « الوقائع الغريبة» لأميل حبيبي. « أنت منذ اليوم» لتيسير سبول. « الزمن الموحش» لحيدر حيدر. « عودة الطائر إلى البحر» لملحم بركات.

فهذه الروايات مجتمعة تتحدث عن الحرب وعن الهزيمة العربية، وكيف يبدو فيها المثقف الذي يجب أن يكون له دور في الحياة الاجتماعية، إذ إن عليه أن يكون ثوريًّا كما نادى كارل ماركس.

إن هذا الانتقاء لم يأتِ اعتباطًا، وإنما اجتهد يقطين في انتخابها بغية الإلماح إلى توجهه الماركسي، بل الإيعاز إلى القارئ إلى أنه ماركسي إلى النخاع، مفصحًا عن أن هذه الروايات ومثلها هي التي تنتخب للدراسة، أما غيرها من الروايات العربية فليست بذي بال، وأنه يحتقرها لخلوها من الرسالة الماركسية!!

إن ذين الكتابين موضوعها النقد السردي، أي النقد النصاني وفق المنهج البنيوي، بغية الكشف عن البنية النصية بإزاء أختها، لكن القارئ قلما يلتفت إلى سر ذلك الانتقاء وهو يعمد إلى نقد أدبي محض ليس فيه مقاربة سياسية، ولكنه حين يمعن النظر يجد أن هاتيك الروايات لها مدلول سياسي رغب الدال وهو يقطين على أن تكون الدلالة الماركسية مفعمة بما يشتغل عليه، وأخشى ما أخشاه أن تكون تلك الدلالات لا نهائية كما عند جاك دريدا!!

إن المشروع الماركسي أقرب منه للمشروع السردي الذي يقطين بصدده؛ ذلك لأن العتبات وما بعدها تلح على القارئ الفطن ألا يفهم غير ذلك.

- بريدة