Saturday 03/05/2014 Issue 436 السبت 4 ,رجب 1435 العدد
03/05/2014

الإمام ابن مالك والموهبة

سبق في جزء تقدَّم عن ابن مالك وذلك إجابة على سؤال قد كان، فبينت هناك ما من حالته أن يكون نحوه على غرار تراجم الرجال الذين أثروا العلم وجددوا فيه صفة وصفة أخرى زيادة عليها تنهض ولا تبور، وهنا أبين ضرورة أن الموهبة العلمية أياً كانت إنما هي إضافة شيء فحواه أنه يحتاجه العلماء المدركون لحقائق العلم صنوان وغير صنوان.

وابن مالك / كابن معط/ وسيبويه كالكسائي ومسلم كالبخاري ويحيى بن معين كشعبة بن الحجاج وابن الأثير الجزري كابن جرير الطبري والفيروز آبادي كابن منظور وإن اختلفت بين هذا وذاك الشروط، ومناحي الأخذ والتجديد وجلب الأمثال وإنما عور العلم ومرض العلم وضعف العلم إنما يكون بمتعالم فج أو مغرور حفظ شيئاً وغابت عنه أشياء، وإنما يكون مرد هذا سوء التلقي أو حطب ليل بهيم أو سوء ظن مع سوء تقدير. وإذا قلت الموازين أو استأسد ضعيف الدواب كان ولا جرم حدوث ما لا تحمد عقباه على كل حال. وابن مالك إمام وسيد شاب وشاخ على حسن الخلق وجمال الأدب وحسن التربية إلا البخاري حسده قريبه ونال منه وشاية ومكر ودهاه فضاعف هذا نبوغه وجاء بما لم يظن ظان أو يدرك مدرك أن هذا الشاب النحيف كثير الانطواء المتهم أيضاً يسود الخليقة عبر القرون الطوال. وابن مالك ضريعه ومثيله سواء بسواء والشعر موهبة فكيف إذا كان من عالم جليل يطوّع اللغة ويطوّع مفرداتها لقولته شعراً حتى ليخال المرء أنه أمام موهبة يصعب على (الناقد الموهوب) أن يحرز جمال اللفظ وحسن التركيب ودقة النسق وتضلع المعنى لما يريد ابن مالك الوصول إليه.

وأستطيع أن أضرب أمثلة من (الألفية) لنتبين قدرته ولنتبين جودته وليتضح سموقه علواً فيتضح هناك جزماً تفرده وحاجة الأمة إليه حتى لعل الله بفضله وقدرته يمن على الخليقة بمثل: البخاري أو بمثله وما ذاك على الله تعالى بعزيز.

نقرأ إذاً قوله في هذه الأبيات:

أنصب بفعل القلب جزءي ابتدا

أعني: رأي، خال، علمتُ وجدا

ظن، حسبت. وزعمت مع عد

حجا، درى وجعل اللد كاعتقد

وهب تعلم والتي كصبَّرا

أيضاً بها أنصب مبتدأ وخبرا

يقرأ هذه الأبيات قراء كثيرون فمن لم يغص بمراد طرحه لها.. رحمه الله تعالى.. يظن أن هذا شعر فيه ملل، بل ليس هو بشعر وليست الحاجة داعية إليه.

ويقرأ آخر فلا يكاد يفهم مراده الذي أراد فيستنكف عنه لا يلوي على شيء، ويقرأ آخر فيقول وما حاجة النحو إلى هذا، فالنحو واللغة علمان معروفان فهو يدع الأبيات لظنه الغنى عنها كل الغنى.

ويقرأ آخر هذه.. الأبيات.. فيتساءل عن هذه الطريقة فيضمر الإعجاب كما يضمر التردد بالحاجة إليها وقد دوّنت العلوم، ويقرأ آخر بعقل وترو واستجلاب للمعاني واستدعاء ذهني كيف وظَّف ابن مالك.. باباً كاملاً.. في النحو في أبيات ثلاثة بصرف النظر عن جمال بلاغي و نسق يأخذ باللب كعادة الشعراء المبرزين.

فالأخير عند استجلابه وعند استدعائه عقله الفطين وذهنه الوقّاد يتساءل كما تساءل قبله كثيرون في كل عصر وفي حين يتساءل:

هل يتكرر ابن مالك..؟

أو الكسائي..؟

أو حماد بن سلمة..؟

أو يتكرر ذلك ا لفحل المهيب:

البخاري..؟

لا جرم.. كلا لن يكون لكن الله جلَّت قدرته قادر على بعث جديد كما ظن خلق كثير أن الآثار الضعيفة.. والباطلة.. وما لا أصل له قد سادت كتب السير والأخبار والتاريخ فظن هؤلاء جازمين تدهور الحال،

فبسط الله تعالى ما بين عام: 40هـ حتى: 300هـ كبار العلماء. فأبانوا الآثار والروايات والأخبار الصحيحة ودوّنوها من خلال عقول سيدة رضعت لبان الموهبة وعلو الهمة وأكل الحلال وحسن الخلق الجم ودوام حسن القول في الجدل وفي النقاش.

حتى لتعجب كيف دون البخاري ومسلم وسعيد بن منصور المرزوي وأحمد بن محمد الشيباني العنز (أحمد بن حنبل) كيف دونوا نصوص: الطب.. والإدارة.. والسياسة والاجتماع والاكتشاف وأمور العبادات في حين أنه قد يظن ظان ما أن هذه الكتب الحديثية ليست إلا في أمور العبادات ليس ثمة غير.

ولهذا جنى على نفسه في الفهم والوعي خلق كثير، وجنى على عقله في الفهم عدد مثلهم أو يزيدون.

وأعود إلى ابن مالك في أبياته الخالدة فهو يتحدث عن ظن وأخواتها وكيفية عملهن في سياق الجمل، وكيفية عملهن ابتداءً وانتهاءً.

وهو بهذه الأبيات الثلاثة يبيّن القسم الأصلي من الأفعال الناسخة ويشير فيها من حيث المعنى العميق إلى أنها على نوعين اثنين:

1- أفعال القلوب.

2- أفعال التحويل.

ثم هو بلطافة وقدرة فذة تحتاج إلى قوة سبر وجودة فهم حر سديد يقسمها كذلك إلى نوعين:

1- ما دل على اليقين.

2- ما دل على الرجحان.

ولك قارئي العزيز أن تعيد القراءة ولديك استعداد جيد لفهم النحو أو خلفية ولو قليلة لتدرك سبق هذا الرجل غيره بما الأمة المسلمة بحاجة إليه لا سيما وقد كثر.. اليوم الخطأ اللغوي والخطأ النحوي فيما يُكتب ويُقال.

- الرياض