Saturday 05/04/2014 Issue 433 السبت 5 ,جمادى الثانية 1435 العدد
05/04/2014

الفقر الثقافي

في تقرير خاص نشرت إحدى المجلات أن الشرطة اليابانية ألقت القبض على رجل مسن يبلغ من العمر 61 عاماً، تخصص على مدى سبع سنوات في سرقة الكتب من المكتبات العامة المتفرقة في البلاد، حتى وصل مجموع ما وُجد بحوزته أكثر من ألف كتاب، وأكدت الشرطة التي قبضت على الرجل أنه يعاني من إدمان اقتناء الكتب، وأنه يعشق القراءة إلى حد كبير!

يتنوع الفقر في المجتمعات وتتعدَّد أشكاله، وفي ظني أنَّ النوع المذكور في العنوان أشدُّها خطورة على المجتمع الذي ينتشر فيه، فيكون كالوباء القاتل، حيث تنضبُ الأفكار، ويجفُّ الإبداع، ويضعف التفكير، وتضحي العقول في غاية الوهن ومنتهى التبلُّد.

وينشأ هذا النوع من الفقر بسبب انعدام أهم مصدر لدخل العقل، وهو القراءة والاطلاع، فهما وعاء الثقافة والعلم والمعرفة، ولا أظن أن أحداً يخفى عليه حجم العزوف الذي وصل إليه المجتمع في القراءة، وكيف أنَّ التقنيات الحديثة والترف الحياتي سحبتا البساط من هذه الممارسة الحضارية والعادة الصحية التي تسهم في تقدم الأمم وازدهار الحضارات.

إن الفقر الثقافي والخواء المعرفي الذي تعاني منه كثير من العقول اليوم هو نتاج طبعي لغياب الوعي بأهمية القراءة، وعدم إدراك ما يمكن أن يؤديه الاطلاع والتزود من المؤلفات المفيدة والقيمة في مجالها، كما أنه نتاج لقلة الإفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم الثرية في هذه الحياة، وعدم النظر في ثقافة الآخر ومحاولة الإفادة مما تحمله، يقول الكاتب والأديب الفرنسي (أندريه جيد): «ثق أنك عندما تأخذ كتابا وتقرؤه وتعيده إلى الرف مرة أخرى فإنك لن تكون نفس الشخص قبل قراءته».

ولا آتي بجديد حين أشير إلى أهمية القراءة بوصفها العماد الأساس الذي يؤسس بواسطته الإنسان ثقافته ويبنيها وينميها ويغنيها، غير أنَّ العجب من مجتمع لم يعِ هذه الحقيقة حتى الآن، أو ربما تساهل فيها، فأوصله ذلك إلى ما نحن عليه اليوم من وضعٍ ثقافيٍّ مزرٍ لا يسرُّ صديقاً ولا عدوا! وهذه النظرة أبعد ما تكون عن التشاؤم؛ لأنها للأسف وصفٌ دقيقٌ ومرٌّ للواقع الثقافي الذي نعيشه اليوم، ولا يمكن تغطية الشمس بغربال.

إنه من المهم جدا استيعاب أن الثقافة ليست ترفا، بل هي من الأمور الأساسية التي يحتاجها الفرد ما دام يعيش على هذه البسيطة، مثلها مثل الهواء والماء لا يمكن الاستغناء عنها، وما لم يستوعب المجتمع هذه الحقيقة فإنَّ أسلوب الحياة في المجتمع سيتأثر، وإبداعات أفراده ستتراجع، مما يؤدي إلى تأخر الأمة وتأخر حضارتها.

ولا أدري ما سبب عدائنا مع القراءة! ولماذا خصومتنا مستمرة مع الكتاب! هل هي أشغال الحياة التي لا تنتهي؟ أم هو الوقت الذي نملك الكثير منه لكننا لا نحسن استثماره! لا أدري لماذا نستمر في الضحك على أنفسنا في هذه القضية؟ ولا أعلم كيف يمكن أن نخدع عقولنا ونوهمها بأننا لا نجد وقتا للقراءة وزيادة رصيدنا الثقافي؟ ولا أرى إجابة سوى أننا لم نصل حتى الآن مرحلة الوعي التام بأهمية الثقافة وتأسيسها وبنائها، وخطورة الفقر الثقافي الذي ينخر في عقول كثير من أفراد المجتمع اليوم، ولو كان لدينا حقا وعي تام بهذه الأهمية وتلك الخطورة لأوجدنا الأوقات الطويلة لأن نشتغل على ثقافتنا وننميها، فها نحن نجد الأوقات لتغذية أجسادنا والاستمتاع بملذات الحياة والاهتمام بكمالياتها، وها هو الوقت يتسع لنا ونحن نثرثر بأحاديث وترهات لا تفيد شيئا في الواقع، فإذا حضرت القراءة الجادة وجاء وقت بناء الثقافة انقلبت الموازين وتغيرت النواميس وضاقت علينا الأرض والأوقات بما رحبت!

إن نهضة الأمة وحضرتها وازدهارها تقاس أولا بثقافتها ومدى تقدمها فيها، ومن الضروري إعادة النظر في مكتسباتنا الثقافية وتقييمها، وتوعية أجيالنا منذ الآن بأهمية الثقافة وخطورة هذا الوضع الذي نحن عليه اليوم، لعلنا نتدارك ما بقي من أعمارنا وأعمارهم في تأسيس بناء ثقافي قوي غير متهافت، والأخذ بأيديهم وأيدي بعضنا نحو مصادر الثقافة الحقة ومنابعها الفياضة القوية عسى أن نسهم في رقي هذا الوطن ونهضته، ودعم مسيرته إلى الأمام ليلحق بركب بقية الأمم المتقدمة.

- الرياض omar1401@gmail.com