Saturday 05/04/2014 Issue 433 السبت 5 ,جمادى الثانية 1435 العدد

قصة قصيرة

الغُلُّ

يشعرُ أنه يتورط أكثر كلما مضى يومٌ آخر، الموعدُ يقترب والقلق يزداد، يستحضرُ كلَّ المشاهد التي مرتْ بأحد ممن عرف، أو ممن سمعَ قصصهم، أو ممن قرأ أخبارهم.

يتذكرُ جارهم والدَ الأطفال الخمسة، الذي تستنفدُ قيمةُ الحليب والحفاظات راتبَه الزهيد، ويتدبر إيجار الشقة ومصروفات الأسرة بالدين والأجل، وتسوِّلِ الموسرين.

يتذكَّر صور الأطفال الذين تقتاتهم الحروب، التي لا يعرفون أسبابَها.

يتذكرُ العمَّ أحمد الذي كان يفني ليله ونهاره في خدمة زوجته التي لم تكن ترى فيه سوى وسيلة لتحقيق مطالبها، فلما عجز عن الوفاء بما تحتاج خرجت من بيته، وأخرجته من حياتها التي لم يجاوز عتباتها أصلاً. مرَّتْ بذاكرته عشرات من قصص الزيجاتِ الفاشلة، وغير المتكافئة، والكثير من قصص الخيانات، والخيبات.

كالحبل ذلك العقد الذي سيلفه المأذون حولَ عنقه، ويلقِّنُه كلمات كما يُلقَّنُ المحكومُ بالإعدام الشهادة، يرددها كما يفعل ذلك الذي يلامس الحبل الخشن رقبته، ويد والد العروس في يده، ليذكِّره أنَّه أصبح مغلولاً حتى يفارق الحياة، شاهدان يتربصان ليحولا بينه وبين الإفلات من الأغلال التي تلتف حول يديه، والحلقة التي تلامس رقبته بخشونة تضيق شيئاً فشيئاً، يحاول تلَمُّسَ رقبته، فيشدُّ عَمُّه على يده، أراد أن يصرخ: إلى متى ونحن نقترف حماقات الآباء، ونكرر أخطاءهم؟! ولكن لسانَه لم يتحرك، وصوتَه لم يسعفه.

نفضَ يدَه من يدِ عمه كمن لدغته عقرب، توقَّف المأذون عن سرد الكلمات التي يرددها باعتياد. اتجهت كلُّ العيون إليه؛ عيونُ عمِّه، والمأذون، ووالده، والشاهدين، وهو لا ينظرُ إليهم، تحولَّت الأنظار إلى وجه أبيه، نهرَه والده، تجاهله أيضاً. نهض فجأة، اتجه إلى الباب غادر الغرفة، تَجْلِدُ ظهرَهَ سياطُ نظراتِهم.

- إبراهيم مضواح الألمعي