Saturday 07/06/2014 Issue 441 السبت 9 ,شعبان 1435 العدد

سهام القحطاني

«تحيا المرأة المصرية»

07/06/2014

المهمشون هم الذين يصنعون ثورة التغيير

بدأت علاقة المرأة الخليجية عامة والسعودية خاصة بالمرأة المصرية منذ طفولة المرأة الخليجية والسعودية في مجال التعليم، فأول اكتشاف لحقيقة المرأة ككائن مستقل بعيداً عن الفروض التقليدية التي حُجرت فيه المرأة وخارج قفص الحرملك الذي نمى الوعي الأولي للطفلة عليه في أسرتها كان من خلال «المرأة المصرية»، لتصبح نموذجاً آخراً وجديداً يتجاوز ما اعتادت عليه تلك الطفلة من صورة الأم غير المتعلّمة والجدة الغارقة في العرفيات والقريبات اللائي يكررن صورة الأم والجدة شكلا ومضموناً.

نموذج ثوري وفق فروق الشكل والمضمون الثابتين عرفاً ومحلاً على الأقل فيما تعتقده تلك الطفلة بناء على الشاهد المرئي الإجرائي الذي تتحرك فيه المرأة المحلية.

ذلك النموذج بمواصفاته السابقة هو الذي صاحب تصاعد الوعي الارتقائي للطفلة ثم الطالبة الصبية والمراهقة في مراحل التعليم المتدرجة، صحيح أنها لم تفهم تلك المواصفات بتعبيراتها المعيارية، لكنها فهمت «طبيعة الاختلاف «وإدراك الاختلاف يحقق المقارنة والمقارنة أول خطوات الثورة والإصلاح».

وحضور ذلك النموذج كمدرك للاختلاف والمقارنة ثم المحاكاة يتوافق مع سيكولوجية الطالب والطالبة اللذين يعتقدان أن معلمهما هو»الأنموذج للفكر والفعل الكاملين «ومن ذلك الاعتقاد يتشكل مصدر القدوة أو الدافعية الإجرائية لاختيار المرء كينونته صفة وهوية.

ومن هنا تُصبح «القدوة حمّالة أوجه» فعبرها تستطيع أن تصنع شيطانا أو ملاكاً، فاسدا أو مُصلحاً، فاشلا أو ناجحا، تابعا أو مُمنجِزاً، مقهوراً أو ثورياً.

ولم يكن ذلك النموذج هو التواجد الوحيد للمرأة المصرية كمصدر للقدوة في ذاكرة ووجدان وعقل وطموح الفتاة السعودية الطفلة والطالبة والصبية والمراهقة إنما كان هناك تواجد آخر لا يقل أهمية عن التواجد الأوليّ وفاعليته وهو المرأة المصرية من خلال «الفن والإعلام والأدب»، والذي فتح للفتاة السعودية نوافذ جديدة لكثافة الوعي الارتقائي بمفهوم المرأة لذاتها ولدورها وقبلهما لقيمتها ومضاعفاتهما المهدرة وفق دستور العرف في صبغته الدينية الذي حبس المرأة في مثلث الخطيئة والفتنة ونقص العقل، وأصبحت الفتاة السعودية تستمد تشكيل كينونته من خلال فاعلية موازية لصورة التأثير تلك في المجالات المختلفة.

صحيح أن المرأة المصرية النهضوية التي تأثرت بها المرأة السعودية في طور نمو وعيها في مجالات الفن والأدب والإعلام تختلف شكلا عن المرأة المصرية التي صاحبت النمو الأولي لوعي الطفلة في مجال التعليم، لكن هذا الاختلاف لم يؤثر في ارتباك ذلك النمو أو يٌدخله في متاهة ازدواج المعايير؛لأن لكل مرحلة كان لها مدركها الخاص الذي تحدده مساحة الوعي وقدرته على الاستيعاب واستنتاج التشكيل الفاعل لإطار القيمة في مستواها الفهمي، وبما يتناسب معه مصدر التأثر والتأثير ومتلقيه.

كما أن لكل مرحلة أهدافها التي ترتبط بمقتضى إمكانيات الوعي ويتوسع في ضوئها إطار القيمة سواء عبر المفاهيم أو الإجراءات.

هكذا ارتبطت المرأة المصرية في وعي المرأة السعودية والعربية عامة برمز القيمة والثورة والتغيير واستطاعت بذلك المرأة المصرية أن تمثل فاتحة نهضة المرأة العربية عبر تاريخ نضالها الطويل مع طيور الظلام، تاريخ اثبت أن البقاء للمرأة المصرية والعزل والفناء لكل من يحاول أن يُلغي قيمتها وأهميتها في صناعة الحياة.

وها هي المرأة المصرية تقدم اليوم درساً آخراً وليس أخيراً لتؤكد أنها مازالت رائدة فاعلية نهضة المرأة العربية والنموذج الذي سيظل المتحكم في تجديد إطار القيمة بمفاهيمه وإجراءاته.

خرجت المرأة المصرية تتصدر صناديق الانتخاب محتوى وقيمة فالمرأة» أكثر فاعلية وإخلاصا من الرجل لِم تؤمن به» .

أقول خرجت المرأة المصرية لتصنع قرار الاختيار فأدهشت أنظار المتابعين لتلك القيمة التي كانت تنطوي تحت عنوان «الكتلة الحرجة والقوة الصامتة».

وتحولت في تقدير المراقبين إلى «رقم صعب» لا يمكن تعويضه أو معادلته أو المساومة عليه بعللية فجة لتقليل قيمته وأثره.

رقم صعب في معادلة القرار والمصير حققته بمجهودها الشخصي لتحجز لها صفحة كاملة المتن دون هامش في تاريخ»الجمهورية الثالثة « لتُلغي كل احتمال يُعيدها إلى الهامش الذي عانت منه الأمرين مثلها مثل كل امرأة عربية بفارق أن المرأة المصرية دائما حاضرة في معادلة التغيير لأنها تملك صوتا فارقا «فصوت المرأة ثورة « في ذاته، في حين أن معظم نساء المجتمعات الخليجية «صوتهن عورة».

لقد كانت المرأة المصرية هي البطل الحقيقي في الانتخابات الرئاسية وكما قيل «حفظت ماء وجه المصريين الذين ثاروا على الإخوان وعزفوا عن الانتخابات».

وهذه الخاصية جزء من طبيعة المرأة أقصد الصبر على متابعة الانجاز ونمو الاكتساب وهي خاصية يفتقدها الرجل فهو يتعجل الانجاز وعلاقته بالصبر سريعة المدى. ولاشك أن لحضور المرأة المصرية المُلفت للانتباه في هذه الانتخابات سببين هما؛ «إن المرأة تؤمن بمن يؤمن بها» و»تكفر بمن يُشكك في قيمتها أو يحاول إلغاءها «.

والإيمان والكفر في منطق المرأة يرتبط بأمرين هما؛ إثبات القيمة وإعلان أهمية الدور وتعدد أنواع توصيفهما هو غالبا من يقرر «صفة عقيدة المرأة» وهي توصيفات تتنوع ما بين توثيق التفعيل أو التعطيل، الحكم بالإثبات أو الإنكار، إجرائية التقدير أو التهميش، ووفق نوع الحامل وصفته تقرر المرأة بمن تؤمن به وتدعمه وبمن تكفر به وتسقطه.

والسبب الثاني»اختبار الفرصة»، لاشك أن المرأة التي اختارت الإخوان في انتخابات 2012 هي التي خرجت عليهم لتعزلهم، وقبولها الأول واختيارها كان دافعه إتاحة مصداقية «اختبار الفرصة» الذي روّجها الإخوان لتحقيق قيمة المرأة وتوسيع مساحة مشاركتها، ولكن عندما اكتشفت أن تلك الفرصة المُوكلة للإخوان سيعودن من خلالها إلى «إحياء تعبيدها وجاهليتها ونكسة الحرملك» خرجت لتسحب منهم الفرصة التي منحتهم إياها لاختيار توثيق القيمة وتوسيع الدور.

والأمر هنا تكرره المرأة المصرية مع»السيسي» الذي وعد «بتوثيق قيمة المرأة وتكثيفها» كما وعد «بتوسيع دورها وتحزيمه بإجراءات رسمية، ولذلك خرجت لتمنحه»اختبار الفرصة» ولو حاول مثلما حاول الإخوان في استغلال تلك الفرصة»لإحياء تاريخ الحرملك» فلن يمنعها أحد للخروج للمطالبة بإسقاطه.

لقد عرفت المرأة المصرية قيمة دورها وقوت صوتها ولن تسمح لأحد بعد 25 يناير باستغلال ذلك الدور أو مصادرته أو إعطائها دورا لا يتوافق مع مدى قوتها وتقدير قيمتها وما وصلت له من بطولة فاعلة.

لقد خرجت المرأة المصرية بتلك الأعداد التي تؤكدّ ريادتها لتمنع الطريق عن عودة «تُجار النخاسة الجدد» الذين لا يرون في المرأة سوى»ما يُرسّخ خطيئتها وفتنتها» وإعادتها إلى «حرملك الجواري» أليس هذا أول ما فعله الإخوان عندما سيطروا على الحكم في مصر وقنوات التشريع، وهو ما سيفعله نظرائهم وأشباههم إذا وصلوا للحكم في أي دولة العربية إنهم لا يستمدون قوتهم إلا من تعبيد النساء؛ لذلك خرجت المرأة المصرية بكل طاقتها «لعزل الإخوان» وخرجت بذات الطاقة «لاختيار السيسي» الذي آمن بها، ولو اكتشفت أن ذلك الإيمان مزيفا وكلمات ليست كالكلمات ستخرج بذات الطاقة «لتعزله» كما عزلت الإخوان.

إن المراهنة على دوام تعطيل طاقة المرأة العربية وإبطال قوة صوتها بتأثير أحكام الصورة الدينية المغلوطة التي يروجها تجار الدين، أثبتت المرأة المصرية بأنها مراهنة خاسرة، ليس لأن وعي المرأة العربية والمصرية أصبح أكثر نضجا تجاوز تلك الخرافات فقط إنما إضافة إلى ذلك أن الوعي الشعبي الذي يُراهن عليه تجار الدين فيما يتعلق بالمرأة اختلف وفق مشاركة المرأة الرجل في مجال العمل والمُعايشة وتحمّل المسئولية الاقتصادية، وهو ما يجعل المرأة قوة راجحة في الميزان الاجتماعي قوة تُمكنها من استحقاق آمن لصناعة القرار الرسمي وليس لتنفيذه فقط.. وبذلك تجاوزت المرأة المصرية عقدة المظلومية التاريخية وانتصرت على رجال الدين الذين حاولوا تحويلها إلى سلعة حتى يتاجروا بها في سوق نخاسة تعيد إحياء الجاهلية الأولى باسم الدين وأسماء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد اكتشفت المرأة المصرية قوة صوتها في القرار والاختيار ولن تعود إلى خانة «القوة الصامتة» ولن تسمح لأحد من «تكفين ذلك الصوت» أو إبطاله أو إهداره بخرافات تجار الدين، فهل ستتعلّم المرأة السعودية من هذا الدرس التاريخي الرائد. وستظل المرأة المصرية رائدة الثورة والنهضة «فتحيا المرأة المصرية».

- جدة