Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد
08/03/2014

قفزة الموديولات

الحديث عن صناعة المارد تدخلنا إجباريا إلى مجال المجتمع كون الفرد الممثل للمارد هو من خلق ذلك المجتمع؛ فكرة يمكن اعتبارها أولية قابلية للتمدد والالتفاف، كما أنها تحتاج إلى إدراك مضبوط لتفاعل ثنائية ظاهرها ما اتفق عليه و باطنها جدال أهل سبأ.

و بالتالي فالحديث الرئيس هنا هو «المجتمع» من خلال «قفزة الوحدة الفردية» أو «قفزة الموديول النسقي لكفاية وحدة المعرفة الفردية» ؛ والرئيس هنا لا يقرر إصدار قيمة أو صفة إنما هو استناد لواقع الشائع كونه يرتبط بمفهوم آلة التحكم في التشكيل و التصدير؛أي فاعل التوجه لخصوص الحكم و القيمة و الأثر، وهو ارتباط يجعل منه ثابتا يُشّرع من خلال المجتمع «عقيدة اجتماعية» أو «عقيدة العقل الجمعي».

صحيح أن الاعتماد على «الشائع» أو واقع الشيوع في صناعة قاعدة أو خلفية تشريع» يبطل المنطق المعياري و يفسده»، لكن واقع الشيوع أو الشائع قد يصبح أحيانا»مرجعا توثيقيا» متى ما اتصف بالثبات من خلال خاصية «التكرار» لأنه يدخل في معنى «التداول» و التداول هي مؤشر منظومي لٍم يُحسب في مقام الاعتقاد عبر البرهان و التأويل. كما أن «التكرار» هو أيضا مؤشر من مؤشرات الثبات، متى ما ورد كدلالة على وقائع تتسم بالسوية لأنها ضامن لمقام الاعتقاد ؛كما أن الشذوذ أو ما يكسر مرآة ما يتفق عليه أو يشرخها تضرّ بتأثير الشيوع و تهزّ من فاعلية التكرار و معنى دلالة التداولية وهو ما يُخرج مقام الاعتقاد إلى زاوية الاستثناء.

وأريد أن أذكر هنا ما قلته في صناعة المارد أن التكرار هو ضامن للتأثير ضمن مدى زمني لا ضامن للاستدامة و كذلك التداولية؛ بمعنى أن ما يُمكن أن يمثل مقاما للاعتقاد مرهونا بمدى كثافة الجاذبية الاستحقاقية الحاصلة بالتطبيق و الأثر وفق توافق النفعية و الصلاحية.

و توافقية الصلاحية و النفعية غالبا ما يرتبطان بعدة أمور منها؛ مدى ارتباطهما بالاطمئنان النفسي للفرد مع الجماعة و الخوف المتعلق بزوال ذلك الاطمئنان بفك الارتباط بينه وبين تلك التوافقية.

أما فيما يتعلق بارتباط الرضا الفردي بتلك التوافقية فهو رضا يتعلق بقوة انسجام الفرد مع الجماعة و مدى سلامة ذلك الانسجام بالتشابه و التطابق مما يُخرج «شرط الاستحقاق» المُوجِب للرضا من معادلة أصل الاعتبار القائم عليه «الرضا النموذجي»،أضف إلى ذلك أن التنازل عن «شرط الاستحقاق» هو ثمن لمقاومة الخوف من زوال قوة الانسجام بفك الارتباط بينه وبين تلك التوافقية.

كما أنهما يرتبطان بالتوجه العام للبوصلة السياسية للمجتمع و تأثيرها على قنوات صناعة الرأي.

و بالتالي فليست العلاقة بين الفرد و المجتمع أحادية المقام كما نظن مجرد فعل و ردة فعل مع أن هذه «الجاذبية؛ الفعل و ردة الفعل» عادة ما تتحكم فيها ما سبق ذكره من ارتباط الفرد بتوافقية الصلاحية و النفعية، أقصد أن «التحكم بالإرادة» متوفر رغم الدفع الجماعي الظاهر لكن التنازل هنا لتحقيق قوة الانسجام.

و كما أن العلاقة بين الفرد و المجتمع ليست أحادية المقام فهي أيضا ليست بمعادلة بسيطة الجذر تستند على ثنائية متكاملة أحادية التأثر و التأثير كما تبدو على الظهر و سطحه؛ إنها جدل داخل جدل، اختلاف داخل اختلاف بين الثابت و المتغير هاهنا أو ما يقتضي الثبات و التغيير أو ما يوجب الثبات و التغيير وهو ما يدخلهما منظومة «السننية»؛ التغيير الاقتضائي في مستوييه الرضا و القبول و الجبر و الاستسلام.

قد يرى البعض أن «المجتمع» هو مجموعة من الأفراد أو الموديولات النسقية و بالتالي فالفرد عبر تحوله إلى موديول نسفي أو وحدة نسفية هو الذي يكوّن المجتمع.

وهذا الاعتبار تكمن أهميته عند أصحابه في «تجويب» انتقال «العقل الجمعي» من الثابت إلى المتغير،لأنه يُخضع «للمعرفة» الإدراك المتحرك بالتجديد، وهو ما يرفع «صفة العقيدة عن محتوى العقل الجمعي «؛لأن متى ما أخضعت العقيدة للمعرفة نُزعت عنها القدسية لأنها ستُقوّم في ضوء معايير الخطأ و الصواب النهضويين.

إضافة إلى أن ذلك الاعتبار يضمن «الحق العام المكتسب للمرء» المبني على قاعدة» وهديناه النجدين» حرية القرار و الاختيار التي سيلزم بهما للمحاسبة سواء نفذهما بالقسمة على الذاتي أو جيّرهما بالقسمة على الكفيل العام أو عقل الولي العام

كما يرى أصحاب هذا الرأي -بتقديم الفرد في صناعة المجتمع- أنه لا يمكن أن نراهن فيما يتعلق بالمجتمع على نسبة ثابتة خطية «للتأثير» في مستوى أحادي في الصناعة السوية للفرد أو الصناعة الماردية للفرد، وهذه الخطية المتذبذبة قد ترجح الفكرة الداعمة أن «الاستعداد الفطري» للفرد أو «الموديول النسقي للفرد» هو سابق لتأثير الجماعة، مما يجعل المجتمع إما يكون جاذبا للتأثير لا مصدرا له و إما أن يكون المستوى الثاني في صناعة الفرد مما يجعل تأثيره «فرض كفاية».

وفكرة الترجّح الداعمة «للاستعداد الفطري» أو «الموديول النسقي» القائم على وحدة فكرية خاصة لها اعتبارها المنطقي لكن في ضوء التقدير العام « للاستعداد العقلي» للفرد أو «المُرشِد الاستدلالي» للحكم و التقييم، و الذي يُبطل في مرحلة من المراحل تأثير المجتمع على الفرد؛من خلال طبيعة كل منهما -الفرد و المجتمع- الفرد العقل المعرفي المتحرك و المتجدد و المجتمع العقل العرفي الثابت بالجمود.

مما يجعل الفرد كونه «وحدة نسقية بالمعرفة» أو «موديول نسقي بالمعرفة» من يملك العقل المعرفي المتحرك بالتجدد قادرا على القفز من فوق العقل الجمعي بالمقاومة و الإصلاح و الثورة.

لكن القدرة على القفز فوق العقل الجمعي أو تحول الفرد «إلى موديول نسقي فعّال» ودرجة المقاومة بالإصلاح و الثورة للاستعداد العقلي الفردي لتأثير المجتمع متفاوتة، و حضور نسبة التفاوت هي التي تضعف دور الفرد في مواجهة المجتمع بل و تزيد من عناد حصانة العقل الجمعي و «تُشرّس» من دفاعاته.

إنّ المسألة هاهنا تعود إلى ما يدخل في حسابات»الكثرة و الأقلية» و التفاوت من أهم مُشجعات الشك في ربط «حسابات الكثرة و الأقلية» بالاتفاق على «سلامة الصلاحية الجديدة للوحدة النسقية من عدمها».

و التفاوت يرجع غالبا إلى استعمار العقل الجمعي «ثقافة الحرية والاختيار» التي يتربى الفرد من خلالها وفق مبدأ أن الانتماء للجماعة «فرض لا اختيار».

إن الاتفاق ليس مُزيلا بالضرورة للتفاوت لكنه قادر على التحكم في تدني درجة التفاوت؛ كما أن التفاوت ليس مؤشرا لثبات الاتفاق و إن كان متدني النسبة؛ لأن التغيير و التغير يعتمدان على «تراكم نسبة التفاوت» لا «تفجيرها». كما أن تدني درجة التفاوت لمصلحة شيوع الاتفاق مرتبط أيضا بالاطمئنان النفسي و الرضا بقوة الانسجام بالتضامن مع الجمعي وإن لم يُحقق لهما شروط الاستحقاق والكفاية والاكتفاء.

و هنا بحصرية الاختيار بمعيار الانتماء يفقد «العقل» نصف طاقته الاسترشادية، أو قل يعطل الجزء المسئول عن التحكم في موضوعية التقييم لمصلحة حصوله على الاطمئنان النفسي و قوة الانسجام العقل العليم، وسبق أن تحدثت عن هذا الموضوع أو استعمار الجماعة لعقل الفرد من خلال «الذاكرة القاتلة».

لأن العقل الجمعي بمبادئه عقيدة كاملة الأركان، وتحول العقل الجمعي إلى عقيدة يدخل ضمن «حساب الثوابت» مما يجعل الخروج عليه من ضمن «المحرمات»

ليس صحيحا أن الفرد وحده يمكن أن يتحول إلى «موديول نسقي» يستطيع من خلاله تغير المجتمع أو أن «عقل فردي واحد» يستطيع أن يغير المجتمع.

و الفرد إذا أراد أن يغير المجتمع لابد له حينها أن «يصنع له مجتمعا» أي «موديولا نسقيا» «جمهورا مؤمن به» يرفع بهم «تهمة التفاوت» و خلل»حسابات الكثرة و الأقلية» وبذلك يسود من خلال «إيمان الجمهور بعقله المعرفي». وهذا المبدأ هو الذي يؤسس عقيدة «الفرد/ الوحدة النسقية نحو مجتمعه» أي؛ أن ما يؤمن به العقل الفردي من تغيير لن يتحقق إلا من خلال إيمان «الأكثرية به» لأنها فوق أنها حسابات تقاوم التفاوت فهي جهاز التنفيذ الإجرائي لتطبيق مشروعه المعرفي،أو من خلال أقلية تملك التأثير على الأكثرية؛ لأنها تُقدم نفس طبيعة الفائدة المُوكلة بالأكثرية.

لكن الحذر دائما من «غلو التعمق في نفعية الموديول النسقي» لأنه يحوّله إلى مصدر لصناعة المارد،فكما أن الشيطان يختبئ في عمائم رجال الدين فهو يختبئ أيضا في عقول العلماء و المصلحين.

- جدة