Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد
08/03/2014

مراحل تطور البشرية

ما الذي يعده البشر أهم خطوات التقدم في التاريخ البشري؟ سؤال ليس من السهل طرحه في كثير من منتديات الفكر، وليس من السهل أيضاً الإجابة عنه في أي من موائد الفلسفة وتاريخ الأفكار والابتكارات. فهناك من الأنثروبولوجيين من يعد تسخير الإنسان للحجارة في صناعة الأدوات خلال العصر الذي سمي بالعصر الحجري، هو نقطة انطلاق الإنسان نحو بناء الحضارة الحديثة، خاصة أن البشر خلال هذه الحقبة قد اكتشفوا النار بمحض الصدفة أثناء احتكاك أحد الأحجار الصوانية بالأخرى؛ إذ خرجت منها شرارة، وعند تكرار المحاولة استطاع الإنسان في تلك المرحلة الحصول على النار، التي حولته من كائن نباتي فقط إلى نباتي وحيواني بامتياز في غذائه.

ثم توالت ابتكارات مهمة في حياة البشر، وأخرى مفصلية غيرت طريقة تعامل الإنسان مع عناصر الوجود من حوله. ليس أقلها استئناس الحصان في حدود عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، واختراع العجلة، وما صاحبها ولحقها من تطورات أسهمت في التحول نحو الآلة المساعدة للإنسان في كثير من مجالات التنقل والبناء. وأصبح هم الإنسان تطوير الآلات، وزيادة فاعليتها، قبل أن ينغمس في إعادة تعريف ابستمولوجي للعلوم الأساسية المتصلة بتلك الابتكارات، وعلى رأسها الفيزياء والرياضيات، خاصة بعد التركيز على النواحي التجريبية.

فكانت محاولات العلماء باستمرار لتطوير الابتكارات الجديدة، التي تضيف قيمة أكبر إلى العلم جارية باستمرار في مراكز العلم أينما وجدت على كوكب الأرض؛ فبدأت منذ منتصف القرن الثامن عشر محاولات لاكتشاف الأجزاء الأصغر من الذرة بعد تأكيد العالم اليوغوسلافي الأصل روجر بوسكوفيتش إمكان احتواء الذرة على أجزاء أصغر منها، وأنه توجد الإمكانات لتفتيتها وسبر أغوارها في حال توافر التقنية اللازمة لذلك. وهذا هو ما قام به فعلاً في نهاية القرن التاسع عشر (عام 1897م) العالم الفيزيائي البريطاني جوزيف طومسون مع إعلانه اكتشاف جسيمات تدخل في تركيب الذرة وهي جزء لا يتجزأ منها، وأسماها الالكترونات. وقد أسهم اكتشاف الالكترون هذا الجسيم الصغير جداً داخل الذرة في تمكين الإنسان من اختراعات أوصلته خلال مائة سنة إلى مرحلة تفوق ما أنجزه خلال عشرة آلاف سنة من تاريخ الحضارة في الحقب التي قبلها. فقد توصل إلى قدرته على تخزين التيار الكهربائي في مدخرات السيارات، ومن ثم فتحت آفاق السيارات وسائط النقل الكهربائية، كما ظهرت الكتابة والأحبار الالكترونية، وأيضاً القادحات الالكترونية التي تولد شرارة تشعل النار. ومضت فائدة هذا الابتكار إلى تطوير الحاسبات الالكترونية والاتصالات التي غيرت نمط الحياة على كوكب الأرض بشكل جذري.

وبعد ذلك الاكتشاف بقرابة مائة عام أيضاً اهتم العلماء من حقول علمية متعددة منها: اللسانيات، وعلم الأعصاب، وعلوم الأحياء والفسيولوجيا، بجزيئات الدماغ، لتركز العلوم الحديثة في عقد التسعينات من القرن العشرين على أبحاث دقيقة وبينية بشأنه؛ مما جعل تلك الحقبة يطلق عليها «حقبة الدماغ». وقد أسهمت تلك الاكتشافات في توصل البشر إلى معرفة آليات عمل الدماغ، مما أوصل العلوم النظرية والتطبيقية إلى مراحل متقدمة في تطوير الذكاء الصناعي. وعندما تدخلت علوم هندسية أخرى، مثل: الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسب، بالإضافة إلى تقنيات الاتصالات، أصبح البشر في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين على مقربة من القدرة على التفاهم مع الآلات؛ بل أكثر من هذا يريد البشر زرع الإحساس في منتجات التقنية، وجعل الآلة تتفهم طريقة تفكير الإنسان، بعد أن كانت العلوم تسعى إلى تفهم الإنسان لطرق عمل الآلة بمنطقها غير المتصف بالمرونة. فهل يضع الإنسان يده في يد الآلة، بعد أن كان يحاول تسخيرها؟

- الرياض