Saturday 08/11/2014 Issue 450 السبت 15 ,محرم 1436 العدد

بريد القلب

هل سمع القارئ يوما عن شيء يسمى «تكريم الموت»؟

وحدنا نحن العرب بين بقية شعوب الدنيا مغرمون بتكريم الادباء والمثقفين والعباقرة الذين أفنوا حياتهم كلها من أجل تقدم هذه الامة بتكريمهم بعد أن ينتقلوا الى رحمة الله.

حاولت في الحقيقة ان أجد تفسيرا أو سببا منطقيا واحدا لهذا «التكريم العظيم» فلم أجد إلا أن المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة الثقافية وغيرها ترى أن هؤلاء البشر الجميلين والمتميزين لا يستحقون التكريم إلا بعد الوفاة أو بعد السنة الأولى من الموت أو السنة الثانية على حسب المزاج، فذلك في رأيهم العجيب هو الأنسب والأجدى بل والأفضل. فليس من المعقول أن يكرّم كاتب أو أديب أو مثقف وهو على قيد الحياة لأن ذلك معناه أن يكرموا جميع من يكتب وكل المثقفين المتوفرين بكثرة مع الأسف الشديد في الحياة! وأن هذا التكريم قد يشعره بالغرور والتعالي!

بالذمة هل هذا منطق؟ هل هذا تفسير؟ لا أدرى من هو العبقري أو العباقرة الذين وجدوا في هذه التبريرات الواهية مخرجا للتخلص من «تكريم الاحياء»؟

أحيانا أشعر أن هؤلاء يريدون أن يقولوا لنا « مت كي تكرم» وإذا نساك الموت على رأي أحد الادباء فقم بالانتحار. وبعدها ستجد من يسلم شهادة أو ميدالية تذكارية إلى حفيدك أو ابنتك أو ربما لابن خالك أو عمك أو حتى لأحد أقاربك وربما لواحد من جيرانك في حفل تكريم متواضع! والأهم من ذلك كله هو أن يسبقك اسمك كلمة « المرحوم» هنا فقط تستحق أن تمتدح وتكتب في رثائك القصائد وتكرم تكريما لائقا بعدما ذهبت بلا رجعة من الدنيا!

لكن لماذا هذا الجحود مع المثقفين و الأدباء الأحياء؟ هل ممنوع على الحي أن يكرم ويفرح بتكريمه مثل باقي الأعمال والمجالات التي تعترف بهم وهم أحياء يرزقون؟

الأسئلة في بالي كثيرة ، بل إن هذه القضية بالذات تثير الشهية لعشرات التساؤلات والتي لا تجد أجوبة مقنعة ولا حتى غير مقنعة.

تذكرت كل هذا الكلام وأنا أقرأ عن وفاة الأديب البحريني عبدالله خليفة مؤخرا والذي ألف عشرين كتابا في الرواية والقصة القصيرة، ومع ذلك ابتسمت بمرارة حينما عرفت أن أسرة الأدباء والكتاب في البحرين كانت تنوي تكريمه نهاية هذا الشهر بعد عمر جاوز السادسة والستين! صح النوم!

ما عليك أيها الأديب والمثقف والشاعر والروائي العربي إلا أن تموت وأنت مرتاح البال لسبب بسيط واحد وهو أن لا أحد كرمك ولا ينوى أحد تكريمك إلا بعد أن يحمل جثمانك الثرى في إحدى المقابر! ويتذكرك الناس بالمرحوم المبدع!

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156) سورة البقرة

خالد البسام - المنامة Albassamk1@hotmail.com